هل لا يزال هناك حاجة لبقاء “الأمم المتحدة”؟
يمانيون – متابعات
في خطابه الخميس الماضي، أشار السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي إلى أن اعتراف الأمم المتحدة بـ “إسرائيل” يمثّل شاهداً حقيقاً على غياب العدل الدولي، وأنها لا تقوم على أساس من العدل في ظل الهيمنة الغربية، وأن تلك الهيمنة غيبت العدل على كثير من الشعوب بما فيها الشعب الفلسطيني. بل إننا نرى أن الدور الشكلي الذي أنيط بالأمم المتحدة غاب كلياً. فمنذ تأسست الأمم المتحدة عام 1945، بعد الحرب العالمية الثانية، بموجب الميثاق الدولي، بهدف أساسي هو حفظ السلم والأمن الدوليين. وقد كانت المنظمة الأمل في بناء نظام دولي أكثر استقرارًا وعدالة، بعيدًا عن الفوضى التي سادت العالم في الأعوام السابقة. اليوم، وبعد مرور أكثر من سبعة عقود على تأسيسها، يثار سؤال مهم: هل لا تزال الأمم المتحدة قادرة على الوفاء بمهمتها الأساسية في حفظ الأمن والسلام العالميين؟ وتُظهر العديد من الحروب والأزمات الدولية الراهنة، وخصوصًا العدوان الإسرائيلي المتكرر على الفلسطينيين، أن المنظمة تخلّت عن هذه المهمة أو أنها تواجه تحديات كبيرة في أداء هذا الدور.
فشل الأمم المتحدة في مواجهة الأزمات الإنسانية
على الرغم من الدور الذي من المفترض أن تلعبه الأمم المتحدة في حفظ السلم الدولي، فإن الأزمات المستمرة حول العالم تُظهر عجزًا واضحًا في تطبيق هذا الدور. مثال ذلك العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والذي أسفر عن استشهاد آلاف المدنيين وتدمير البنية التحتية للقطاع، من دون أن تتخذ الأمم المتحدة خطوات حاسمة لوقف هذا التصعيد. رغم مرور عشرات السنوات على تأسيسها، لم تتمكن المنظمة من تحجيم الممارسات العدوانية في مناطق عديدة حول العالم، ومنها الاحتلال والعدوان والاستباحة الإسرائيلية لفلسطين والفلسطينيين منذ قرابة ٧٦ عاماً. في عام 2023م، على سبيل المثال، ارتكبت “إسرائيل” العديد من الانتهاكات في قطاع غزة، بما في ذلك جرائم إبادة جماعية، وتهجير وتطهير عرقي، وتدمير شامل طال حتى مدارس تابعة للأمم المتحدة، وقتل موظفين يعملون مع وكالة “الأونروا”، التي تُعنى بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين. وفي هذا السياق، يعكس غياب الفاعلية في معالجة هذه الانتهاكات عجزًا هيكليًا في منظومة الأمم المتحدة، خاصة في ظل غياب آليات الضغط الفعّالة على الدول الأعضاء.
الأزمة الفلسطينية ليست إلا مثالًا واحدًا على هذا الفشل المتكرر. في حروب عدة مثل الحروب في سوريا واليمن وليبيا، فشل مجلس الأمن في إيجاد حلول سلمية تنهي المعاناة الإنسانية، بل إن بعض القرارات في تلك الأزمات تم تعطيلها من قبل الدول الكبرى التي تملك حق النقض. هذا الواقع يضعف مصداقية الأمم المتحدة ويطرح تساؤلات حول قدرة هيئاتها على اتخاذ قرارات تتسم بالعدالة والاستقلالية.
لا تقتصر معوقات الأمم المتحدة على عجزها في اتخاذ إجراءات فاعلة، بل تتعدى ذلك إلى تدخلات الدول الكبرى، وبالأخص الولايات المتحدة. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعد حليفًا أساسيًا لإسرائيل، فإن تدخلاتها العسكرية في منطقتنا “الشرق الأوسط”، بما في ذلك الحشد العسكري في البحر الأحمر وباب المندب وغيره، أدت إلى تصعيد الأوضاع في مناطق عدة، بما في ذلك بلادنا اليمن. الولايات المتحدة لا تقتصر في هذا السياق على تقديم الدعم العسكري لإسرائيل، بل توسعت أيضًا في شن غارات ضد دول أخرى في المنطقة تحت مبرر مكافحة النفوذ الإيراني. هذا التوسع العسكري الأمريكي يعكس، بدوره، التأثير الكبير الذي تمارسه القوى الكبرى على السياسة العالمية، ويعزز من موقفها في تعطيل أية حلول سلمية قد تقترحها الأمم المتحدة، هذا إن ترك لها المجال لتقديم اقتراحات مستقلة، وأنا اعتقد أنها إن قدمت شيئا من هذا القبيل، يكون بصياغة وإشراف أمريكا وبريطانيا.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل المعوقات الهيكلية في النظام الأممي الحالي، مثل احتكار حق النقض من قبل الدول الكبرى في مجلس الأمن، مما يجعل القرارات العالمية غير متوازنة وتخدم مصالح دول معينة على حساب دول أخرى. وبالتالي، يبدو أن الأمم المتحدة باتت تواجه تحديًا حقيقيًا في الحفاظ على مصداقيتها كمنظمة دولية قادرة على الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
في ضوء هذه التحولات والتحديات، يبدو أن الأمم المتحدة في شكلها الحالي قد فقدت قدرتها على الوفاء بمسؤولياتها الأساسية. إن استمرار الهيمنة السياسية على هذه المنظمات الدولية يجعل من الصعب عليها تحقيق العدالة وحماية السلم والأمن الدوليين. لذلك، قد يكون من الضروري إعادة التفكير في دور الأمم المتحدة، وإعادة تشكيل المؤسسات الدولية لتصبح أكثر قدرة وفاعلية على مواجهة التحديات الحالية بعيدًا عن التأثيرات السياسية الضاغطة، مالم فليس لبقائها أي قيمة.
………………………
تحليل . علي ظافر