استراتيجيات ممنهجة لتهجير السكان.. أبعاد تمرير القانون الصهيوني الذي يحظر عمل الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة
تواجه الهوية الفلسطينية تهديدًا متزايدًا وسط التدابير التي يفرضها العدو الإسرائيلي و التي تهدف إلى تعزيز السيطرة على الأراضي وتقليص الوجود الفلسطيني، فتمرير القانون الذي يحظر عمل الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يبرز استراتيجيات ممنهجة تخطط لتهجير السكان الأصليين، وهذا يأتي في وقت تتصاعد فيه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الفلسطينيين.
وعلى الضفة الأخرى، يزداد الوضع تعقيدًا عندما أعادت شركة “غلوبال ديليفري كومباني”، اليوم طرح نموذجها لتوزيع المساعدات في غزة، وهو النموذج الذي يعتمد على أسلوب “المجتمعات المسوَّرة”، المستوحى من تجربة الجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس في العراق.
هذه الخطوة تنم عن استغلال الأزمات الإنسانية لتحقيق أغراض سياسية، ما يشير إلى تضافر الجهود الأمريكية والإسرائيلية نحو تكريس نظام أمني صارم في غزة، وهو ما يثير قلق حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى كاستجابة لمثل هذه السياسات.
في هذا السياق، يصبح من الضروري تحليل أبعاد هذه الإجراءات وتأثيراتها على الجماعات الفلسطينية، وكذلك كيفية استجابة المجتمع الدولي تجاه هذه الانتهاكات، فالوضع الفلسطيني المستمر في التأزم يتطلب التركيز على القضايا الإنسانية والحقوقية لضمان الحفاظ على الهوية الفلسطينية ودعم حقوق الفلسطينيين في وجه هذه التحديات التاريخية.
مأزق جديد
في سياق تصاعد الأزمات الإنسانية والضغوط المتزايدة على الفلسطينيين، يأتي تصديق “الكنيست” الإسرائيلي على قانون يحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كخطوة مثيرة للقلق، وهذا القانون يعكس تراجعًا كبيرًا في الالتزام الدولي بقضايا حقوق الإنسان، ويظهر تمهيدًا لاستمرار سياسات التهميش والإقصاء التي تعاني منها القضية الفلسطينية منذ عقود.
تحت ذريعة التواطؤ مع حركة حماس، يستهدف هذا القرار الأونروا، التي تعد من أهم الهيئات المسؤولة عن تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ومن خلال فرض قيود صارمة على تواصل موظفي الأونروا مع المسؤولين الصهاينة، يتم تقويض قدرتها على تقديم المساعدات الأساسية، ما يزيد من معاناة الآلاف في قطاع غزة والضفة الغربية.
إن القرار ينم عن سياسة العدو الإسرائيلي الاستبدادية، بعد حظر أي شكل من أشكال التعاون مع المنظمات الإنسانية التي تسعى لتخفيف معاناة الفلسطينيين، كما أن اعتبار التعاون مع العدو الإسرائيلي كشرط أساسي لنقل المساعدات إلى غزة يطرح تساؤلات حول فعالية هذا النهج ومدى تقبله من قبل المجتمع الدولي.
القيود الجديدة المفروضة على الأونروا ستتسبب بصورة مباشرة في تعميق الفجوة الإنسانية، حيث يعيش سكان غزة تحت ظروف قاسية، وتزداد الأعداد المتزايدة من العائلات التي تحتاج إلى مساعدات غذائية وطبية.
السؤال المحوري الذي يطرح نفسه في ظل هذه الأوضاع هو: لماذا لا يتكاتف المجتمع لضمان حقوق الفلسطينيين وضمان تقديم المساعدات الإنسانية بصورة فعّالة؟ سيتطلب ذلك من الدول الفاعلة في هذا المجال إعادة تقييم سياساتها، وتفعيل الجهود الدولية لردع الكيان الصهيوني.
استغلال الوضع الإنساني في غزة لصالح أجندات سياسية
في عمق المعركة مع العدو الإسرائيلي، تتجلى السياسة الإسرائيلية تجاه الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كحلقة في سلسلة متناسقة من الإجراءات الهادفة إلى سلب الهوية الفلسطينية وتهجير السكان الأصليين، فتمرير القانون الذي يحظر عمل الأونروا، يعد تعبيرًا صارخًا عن استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تعزيز السيطرة على الأراضي الفلسطينية وتقليص نفوذ الوجود الفلسطيني في المنطقة.
وقد تزامنت هذه الإجراءات مع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الفلسطينيين، ما يثير مخاوف عميقة حول مستقبلهم وحقهم في العودة إلى أراضيهم، وهو حق مُعترف به عالميًا، وفي خضم هذه الأجواء المشحونة، تُعتبر السياسات الإسرائيلية جزءًا من خطة شاملة تعتمد وسائل متعددة كتلك التي تفضي إلى التجويع والقتل والتشريد، مستخدمةً هذه الأدوات كمحاولة لتهجير السكان الأصليين وزعزعة هويتهم المتأصلة.
إن الاستهداف المتواصل للأونروا، التي تعد ركيزة أساسية لتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية، يعكس عدم الاكتراث الإسرائيلي بالعواقب الإنسانية الوخيمة الناجمة عن هذه السياسات، خاصة مع ظهور الاقتراح الأمريكي لتوزيع المساعدات في غزة من قبل شركة “غلوبال ديليفري كومباني” (GDC) كاتجاه مقلق يبتعد بنا عن الحلول الإنسانية الحقيقية. مع العلم أن العاملين في هذه المنظمة هم من متقاعدي الاستخبارات الأمريكية.
فمحاولة تطبيق نموذج “المجتمعات المسوَّرة”، والذي تم استخدامه في العراق، ليست سوى تعبير عن تطور استراتيجي يستغل الأزمات الإنسانية لتحقيق أهداف سياسية بعيدة المدى، حيث كشفت GDC، في تصريحاتٍ لها لـ”عربي بوست”، ، أنها اقترحت في يناير 2024 على “إسرائيل” نموذجًا لتوزيع المساعدات، مستلهمةً من مشروع الجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس، الأمر الذي يثير مخاوف مشروعة فهذه الاقتراحات جزء من مؤامرة أمريكية بغطاء إسرائيلي، تهدف إلى السيطرة على الوضع في غزة وتحويله إلى نظام محكم بالتدابير الأمنية.
من العراق إلى غزة.. خطة المناطق المسوَّرة
برنامج الجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس في العراق يمثل نموذجاً يُخشى أن يتكرر في غزة؛ لأن تجربة المناطق المسوَّرة في العراق أدت إلى تفشي مشاعر الاحتجاز والعزلة بين السكان، ولم تفضِ إلى تحسين أوضاعهم بل زادت من معاناتهم، فهي تجربة يُنظر إليها بعين الريبة، وقد تتسبب في احتجاجات مشابهة من قبل الفلسطينيين الذين سيتأثرون بتلك الإجراءات.
تشير الشركة إلى أن الأمان يُعتبر هدفاً رئيسياً من خلال إنشاء جدران أمان، وهو ما يعيد للأذهان أسلوب العقوبات الجماعية الذي يعاني منه سكان غزة بالفعل، فهذا النظام المقترح ليس إلا وسيلة لتكريس الانقسام ورسم حدود جديدة بين الفلسطينيين.
وعليه، فمساعي الشركة الأمريكية، إذا تم تفعيلها، ستشعل الصراع أكثر وتزيد من معاناة سكان غزة، بدلاً من تقديم المساعدات الفعّالة التي تحتاجها المنطقة، وهذا التحليل يظهر الحاجة الملحة لردود فعل جماعية من قبل المجتمع الدولي، لضمان عدم استغلال الأزمات الإنسانية لأغراض سياسية، والدعوة إلى حلول تتسم بالنزاهة والشفافية، بدلاً من النُهج العسكري أو الأمني.
ومن ملامح الخطة أنها تقوم على تحويل أحياء في غزة إلى مناطق محصنة ذات إجراءات أمنية مشددة، مشابهة للنموذج الذي قدّمه الجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس في العراق عند إشرافه على الجهود الأمنية هناك، وتهدف الخطة أيضًا إلى تقليل العمليات العسكرية وتأمين توزيع المساعدات بطريقة آمنة.
تاريخ الخطة في العراق
تاريخيًا، شهدت مناطق في العراق مثل الفلوجة والأعظمية إقامة جدران وحواجز أمنية، ما أدى إلى احتجاجات شديدة من السكان الذين رأوا أن هذه الإجراءات تعزلهم وتجعلهم سجناء في مناطقهم، وبينما تدعي الولايات المتحدة أن هذه الخطط أدت إلى تقليل الهجمات وزيادة الأمن، فإن شهادات السكان في العراق تشير إلى معاناتهم الكبيرة جراء تلك الإجراءات، ويُشار إلى أن تنفيذ هذه الخطة يعتمد أيضًا على شركات أمنية خاصة، بما في ذلك شركات تتبع “بلاك ووتر” السابقة، والتي ارتبطت بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين في العراق، وهذا يضيف بعدًا إضافيًا للجدل حول كيفية توزيع المساعدات وطبيعة التواجد الأجنبي في غزة.
إن تطبيق مثل هذه البرامج يتطلب تحليلاً دقيقًا للسياق المحلي، وفهمًا عميقًا للعلاقات الاجتماعية والسياسية في غزة، حيث تُظهر التجارب السابقة أن فرض نماذج خارجية قد يؤدي إلى عواقب غير مقبولة، ما يستدعي حاجة ملحة إلى تفعيل الحوار مع جميع الأطراف المعنية لضمان توفير مأمن حقيقي وآمن للمدنيين.
أزمة وكالة الأونروا وتأثيراتها الإنسانية والسياسية
تظهر الأزمة الراهنة التي تعصف بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، نتائج بعيدة المدى على الشأن الفلسطيني وأيضًا على الأوضاع الإنسانية في المنطقة، فالاتهامات التي وجهتها “إسرائيل” لبعض موظفي الوكالة بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر، وما أعقب ذلك من تجميد التمويل من قبل عدد من الدول، تمثل سابقة تاريخية قد تهدد فعالية الوكالة وأعمالها.
تاريخ الأونروا، كما أشار الكاتب عبد الله كميل، هو تاريخ من المحن والشهادات الحية على معاناة الشعب الفلسطيني منذ النكبة، وبالتالي فأي محاولة للتقليل من دور الوكالة أو تقويضها ستكون لها عواقب وخيمة على حياة الملايين من اللاجئين الذين يعتمدون على خدماتها الأساسية في مجالات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة.
القلق الذي عبرت عنه الدول الغربية، مع قرار وقف التمويل، يعكس مدى التعقيد الذي يكتنف الجهود الإنسانية في السياقات السياسية المتوترة؛ فتصعيد الأزمات السياسية لا ينعكس فقط على الاستقرار الإقليمي، بل يؤثر أيضًا على الحياة اليومية للناس الذين يحتاجون للدعم والمساعدات.
نداءات المسؤولين الفلسطينيين، بما في ذلك وزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ، لاستعادة التمويل تشير إلى أهمية الحفاظ على الأونروا كمرجعية أساسية للتعامل مع التحديات الإنسانية في فلسطين، كما تؤكد حركة حماس على ضرورة عدم الاستسلام للضغوطات الإسرائيلية، مما يعكس موقفًا ثابتًا في مواجهة محاولات تهميش القضية الفلسطينية.
في الختام، تعكس هذه الأزمة حاجة ماسة لدعم المجتمع الدولي للأونروا، ليس فقط من أجل الإبقاء على خدماتها، ولكن أيضًا لتحقيق العدالة والسلام العادل للأبرياء في منطقة تعاني من الصراع؛ لأن استمرار الدعم من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة سيكون حاسمًا لضمان عدم تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة ومحيطها.