الإعلام الغربي تسويغ القتل وتجميل صورة جيش الاحتلال
عبير بسام
منذ بداية معركة الأقصى ولازمة “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، ترافق الإعلام الغربي حتى ولو كان المقال أو التقرير أو اللقاء يتناول المجازر التي يرتكبها الكيان باستهداف المدنيين، ومن الأعمار كافة. وتغيرت لغة الخطاب جزئيًا بعد انطلاق المظاهرات المناصرة لفلسطين في الغرب. ولكن منذ عمليات “البيجر” الإرهابية، وبعد اغتيال القائد السيد الشهيد حسن نصرالله، بدأنا نسمع لغة أسوأ من سابقاتها، وجهت لتسويغ الحرب على لبنان أمام جمهور الغرب باجترار المسوّغ: “حق الدفاع عن النفس” ولمصلحة طرف دون الآخر. وخلال تجربتنا الصحفية معهم، هناك قلق دائم من محاولات تقطيع الكلام أو تحريره.
بالتأكيد هلّل الإعلام الغربي لمحاولات الصهاينة استعادة زمام المبادرة على الحدود الشمالية، ولم يخفِ الإعجاب بما قام به الصهاينة من اغتيالات ومجازر بشعة ومخالفة للقوانين الدولية. وكان التوجه العام للقاءات الإعلامية في المحطات الغربية يُدار بسلسلة من الأسئلة الآتية: هل فقد حزب الله قدرته على المواجهة مع جيش الكيان؟ والجواب “لا”، يقطع المقابلة.. السؤال الثاني، عن “البيئة الحاضنة” لحزب الله والمقاومة، وإذا ما كانت قادرة على الصمود بعد تهجير سكان الجنوب والبقاع!. والجواب بأنّ المقاومة هي حال مستمرة ومتكاملة، منذ إعلان تشكل الكيان، وأن تجارب الجنوب قاسية مع الاحتلال والمجازر قائمة، وأهمها مجزرة حولا في العام 1948، والتي راح ضحيتها نحو 120 مدنيًا يزعجهم، فلا يبقى من الجواب سوى كلمة “لا”. وقد يحذف السؤال والجواب بأكمله. والسؤال الثالث والأهم بعد 30 أيلول/ سبتمبر، هل تقدم العدو في الأراضي اللبنانية؟ وعندما تجيب بأن العدو يتكبد الخسائر الكبيرة، ولم يستطع التقدم وأن خسائره في الطرف الفلسطيني، تقطع المقابلة أيضًا!.
في الحقيقة، يمكننا بهذه الأسئلة أن نستشف ما يكدر مزاج الغرب ويعكسه إعلامهم، وهو رؤية الصهيوني مندحرًا، والصدمة الكبرى بأن ما آمنوا بمشروعيته وصلابته وديمقراطيته لأكثر من 75 عامًا، هو محض هراء!. ويهرب في نشرته إلى خبر زرع العلم الصهيوني هنا أو هناك، أو أمتار اجتازها الغطاء الناري، كما حدث في حديقة مارون. وكذلك في بليدا وسواها التي دخلت إليها طواقم صحفية غربية على متن دبابات الكيان، كلام يذكرنا بحرب الخليج الثانية، والتي ادخلت خلالها طواقم الإعلام على الدبابات الأميركية لنقل الصورة التي تناسبهم.
هذا الدخول إلى لبنان لديه هدف واحد وهو نقل صورة انتصارات زائفة، لم يكن من الممكن نقلها عبر الجهة اللبنانية، خاصة وأن قصف القرى الحدودية الشديد يجعلها تبدو من الجهة المقابلة، وكأنّ اجتياحًا صهيونيًا قد بدأ، ويرتكز على سياسة الأرض المحروقة التي يتبناها الإعلام الغربي، وكأن الأمر محاولة لغسل دماغ الغربيين. وهذا ما استمر ذاك الإعلام بعرضه على مدى عام في غزة واليوم في لبنان، وقبل بدء إعلان الاجتياح البري في 30 أيلول/ سبتمبر.
في الإطار نفسه جاء الهجوم على “اليونيفيل” في الناقورة، وإن كان له أهداف إضافية. فالصهيوني لا يهمه من يستهدف من أجل نقل الصورة التي يريدها مستعرضًا عضلاته، ولذلك قصف “اليونيفيل” المتكرر يقع في هذا الإطار، وإن كان يحاول الإيهام بأن رادارات “اليونيفيل” تفضح مواقع هجومه محاولًا تحويل الأنظار عن عجزه عن القيام بمهمته في جنوب لبنان، فيما العين الساهرة التي لا تنام للمقاومين الشرفاء هي من تكشف مواقع هجومه. وعوضًا عن إدانة الهجوم من قبل الغرب صحافة وسياسيين، (وأولهم رئيسة وزراء إيطاليا) الذين وصفوا الهجوم على اليونيفيل بـ”غير مقبول” ولو على حساب أبناء بلادهم، فيما السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كان “مدانًا” بنظرهم.
صمت الإعلام الغربي عن الانتهاكات أو محاولة الالتفاف عليها ليس بالجديد، ففي برنامج “بيرس مورغان”، “دون رقابة” على “اليوتيوب”، بعد مغادرته CNN، وهو من رواد الجملة الشهيرة “هل تدين حماس”! استضاف “مورغان” بعد مجزرة “البيجر” وأجهزة اللاسلكي في الضاحية الجنوبية ثلاثة ضيوف + واحد. وأما الواحد فهو ممثل الكيان “الإسرائيلي” الذي كان يتحدث بكل عنجهية عن حق “إسرائيل” في ارتكاب المجزرة، وأن دولة الكيان تقف وراء نتنياهو في قرار الحرب على لبنان والهجوم على الضاحية، وعلى الرغم من اعتراف “مورغان” بأنه تحدث مع خبراء قانون فوصفوا له تفجيرات “البيجر” بـ”الجريمة الموصوفة”، إلا أن حلقته جاءت محاولةً لتبرئة الكيان من الجريمة.
جاء تسويغ الجريمة عبر استضافة محام صهيوني يدعى “آلان ديرشويتز”، والذي كان رأيه أن “قياس الجريمة يتناسب مع حجم الضحايا”، مستندًا إلى إحصاءات الحرب العالمية الثانية وإحصاءات الضحايا الذي سقطوا إبان الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، إذ وصلت نسبة الضحايا في الاشتباكات إلى سبعة مدنيين مقابل كل مقاتل، وبرأيه أيضًا أن “إسرائيل” لم تتجاوز في عدوانها على لبنان نسبة واحد لكل أربعة، وفي غزة تحديدًا كانت النسبة مدني مقابل كل مقاتل. كلام “دير شويتز”، كان مستفزًا لكل من الصحافية اللبنانية- الأميركية “رانية كلك”، والصحفي “الإسرائيلي” من “هآرتس” “جدعون ليفي”، فواجهه الأخير، قائلًا:”إذا كنت تستطيع الحياة بضمير مرتاح مع قتل بلدك لـ17 ألف طفل، فأنا لا أستطيع تحمل ذلك”. وكان هذا الكلام هو الوحيد، والذي فاجأ “مورغان” و”ديرشويتز”، واللذين يبحثان عن تسويغ الجرائم الصهيونية باستهداف المدنيين.
من أبشع ما نقلته حلقات “دون رقابة”، في السادس عشر من شهر تشرين أول/أكتوبر الحالي، هو استضافة كل من الكاتب والصحفي مهدي حسن الذي هاجم جرائم الصهاينة، و”جوناثان كونريكوس” المتحدث باسم جيش الاحتلال الصهيوني. إذ حاول “مورغان” تقديم نفسه “حياديًا” خلال اللقاء، متجنبًا لجم “كونريكوس” عن مقاطعة ضيفه حسن، إلا عندما بات الحوار صياحًا لم يفهم منه شيء. وفي التفاصيل، هاجم “كونريكوس” حسن، الصحفي الأسمر الغامق واتهمه بأنه عربي يتمول من قطر ويمضي وقته في الولايات المتحدة، بينما هو يعيش في “إسرائيل” ويحارب مع جيشها ولم ولن يغادرها او يغادر الأستوديو الذي يتحدث فيه باسم هذا الجيش، فكشف مهدي ساخرًا، “أنا بريطاني وأحمل الجنسية الأمريكية ولي عملي هنا، وأصلي هندي وليس عربيًا”، ليتضح فصل آخر من فصول العنصرية الصهيونية المقيتة.
الغضب الذي صبه “كونريكوس” على الصحفي مهدي، والذي أدان حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، سببه اتهامه الكيان بالعنصرية وقتل الأطفال والأبرياء ومهاجمة المدنيين في لبنان وغزة، وكشفه أن الصهيوني لا يريد العيش بسلام مع محيطه العربي، مستدلًا بجرائمه اليومية، عبر تقارير أصدرتها مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، والذين وصفهم “كونريكس” بمجموعة من الكاذبين، فيما كان يشيد بجيش الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. هذا الهوس بالديمقراطيات بات مرضًا غربيًا ينتشر في العالم مسوغًا للغرب والصهاينة ارتكاب المجازر والقتل والانقلابات.
مهما قلنا عن دور الإعلام الغربي في تسويغ آلة القتل الأميركية أو الصهيونية، ودوره في المعركة ضد المقاومات في منطقتنا العربية ومن يدعمها، يبقى هناك الكثير ليقال. لكل شيء تسويغه الذي يستميتون من أجله، وهذا ما يتضح في برامج يقدمها إعلاميون مشهورون مثل “بيرس مورغان” أو “مورغان كيلي”، من “الفوكس نيوز” سابقًا، حتى بعد افتتاح برامجهم الخاصة على Talk TV، الشبكة التي يملكها “روبرت مردوخ” بحجة التخلص من رقابة المحطات الكبرى، وسياسة الأحزاب الكبرى التي تتحكم بالإعلام الأميركي والغربي، في حين أن الإيديولوجية المتجذرة في عقولهم والداعمة للصهيونية والمتمولة من عائلة “مردوخ” ما تزال تحكم طرق إدارة برامجهم.