مجزرة سجن الزيدية.. 8 سنوات مضت والمجرمون لن يفلتوا من العقاب
8 سنوات مضت على جريمة العدوان الأمريكي السعوديّ باستهداف نزلاء سجن إدارة أمن مديرية الزيدية بمحافظة الحديدة، في وقت يعتقد فيه العدوّ أنه بعيد عن المحاسبة.
في مثل هذا اليوم 29 أُكتوبر 2016م، حلّق طيرانُ العدوان السعوديّ الأمريكي في سماء محافظة الحديدة، باحثاً عن هدف جديد يضاف إلى سجله الدموي، فاختار سجن الزيدية ليسجل فيه جريمة ستظل الأجيال تتذكرها باستمرار.
أسفرت هذه الجريمة عن استشهاد 70 نزيلاً، وإصابة 50 آخرين، جراح بعضهم كانت خطيرة، كما خلفت مشاهد مأساوية من دمار وخراب للممتلكات والمنازل المجاورة، وحالة من الخوف والرعب لسكان المنطقة.
لم يترك العدوانُ حجراً على حجر، فقد استهدف السجن بشكل مباشر؛ ما أسفر عن مجزرة كبرى، ولحظة صادمة، حَيثُ وجد 110 مواطنين أنفسهم تحت الأنقاض، في مشهد مروع؛ فالدماء تغطِّي الأرض، والأشلاءُ مبعثرةٌ في كُـلّ مكان، وجدران مبنى الإدارة، وعنابر السجن ركام وخراب مختلط بالشظايا والجثث والدماء، ولم يسلم حتى المدنيون الذين يسكنون بالقرب من السجن؛ فقد تعرضت منازلهم للتدمير، وتحولت حياتهم إلى جحيم.
مواجهة الموت المحتوم:
داخل السجن، كانت المعاناة لا توصف، السجناء الذين كانوا يقضون عقوباتهم، وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة الموت المحتم، روى الناجون قصصاً مروعة عن لحظات الرعب والفزع التي عاشوها، وكيف شاهدوا رفاقهم يرتقون شهداء وجرحى أمام أعينهم.
عند سماع نبأ الجريمة، هرع الأهالي إلى السجن بحثاً عن أحبائهم، فكانت المشاهد مؤثرة للغاية، فالأُمهات يبكين على أبنائهن، والزوجات يبحثن عن أزواجهن، والإخوة يبحثون عن إخوانهم وكل قريب يبحث عن قريبة، والأطفال يصرخون فقد آبائهم، والكل في حالة ذهول، وبدون معطيات تفصيلية عن حياة من كان هناك.
تنتشل الجثث ويخرج الجرحى من تحت الأنقاض، ولا صوت يعلو فوق عبارة “حسبنا الله ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”.
مواقف شعبيّة ورسمية:
ويحيي اليمنيون عامة، وأبناء محافظة الحديدة خَاصَّة، هذه الذكرى السنوية مطالبين المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته القانونية والأخلاقية، وتحقيق العدالة ومحاسبة مجرمي الحرب، ومؤكّـدين أن هذه الجريمة ومثيلاتها لن تسقط بالتقادم، وستظل عالقة في أذهان الأجيال المتعاقبة، وأن الشعب اليمني سيأخذ حقه بمختلف الطرق المشروعة.
وفي الذكرى الثامنة على مرور هذه الجريمة يؤكّـد أبناء وأهالي الضحايا، وكل أبناء مديرية الزيدية ومحافظة الحديدة وأحرار الشعب اليمني، في مسيرات غاضبة أن هذه الجريمة ودماء الضحايا، لن تمر مرور الكرام، وأن الرد عليها قائم في الجبهات، مجددين دعوتهم لأبناء الشعب اليمني إلى النفير العام وللمزيد من التلاحم ورص الصفوف ورفد الجبهات بالرجال، ورفع الجهوزية الكاملة لمواجهة العدوان، ومرتزِقته المنافقين، مؤكّـدين على ضرورة ردعه على ما يرتكبه من جرائم، وإفشال مخطّطاته التي تستهدف اليمن أرضاً وإنساناً.
وخرج الشعب اليمني في مسيرات جماهيرية ووقفات احتجاجية في الذكرى السنوية للمجزرة، ليؤكّـدوا على مظلومية الشعب اليمني الذي لن يفرط بدماء الشهداء مهما طال الزمن أَو قصر، ومطالبتهم لمجلس الأمن والأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة ومحاكمة المجرمين؛ كونها جرائم إبادة جماعية لا تقرها الشرائع السماوية ولا القوانين الدولية.
واعتبر المشاركون أن إحياء ذكرى تلك الجرائم والمجازر الوحشية، تمثل محطات مهمة في حياة الشعب اليمني، ورسالة واضحة للعالم بأن ما يقوم به العدوان السعوديّ الأمريكي لا يمكن التنازل عنه.
في سياق متصل صدرت بيانات شجب واستنكار وتنديد من مختلف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومؤسّسات الدولة، وكافة الجهات ذات العلاقة، تطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة بسرعة وقف العدوان ومحاسبة مجرمي الحرب، ووقف المجازر البشعة بحق الشعب اليمني.
وصمة عار في جبين المجتمع الدولي:
وفي السياق يطالب خبراء قانونيون المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في حماية المدنيين الأبرياء، ومحاسبة المجرمين، معتبرين هذه الجريمة في سجن الزيدية ومثيلاتها نكسة إنسانية، ووصمة عار في جبين الإنسانية، وخرقاً كبيراً لشرعية المجتمع الدولي، حتى تحقيق العدالة.
ويقول القاضي عبد الوهَّـاب الخيل: إنه ووفقاً للقانون الدولي العام والقانون الإنساني ومختلف المواثيق والمعاهدات الدولية، فجريمة استهداف سجن الزيدية هي جريمة حرب وإبادة بحق الإنسانية، ونفذت بغارات مباشرة، عن سابق إصرار وترصد، وهذا يعني بأن العدوّ يعي ما يقوم بفعله بحق الشعب اليمني، وأنه يستهدف أعياناً مدنية بحق مدنيين، نزلاء في عنابر السجن على قضايا مختلفة، وأن هذه الأهداف محمية وفقاً للقوانين الدولية الإنسانية في زمن الحروب والصراعات، وكانت معروفة للأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في اليمن.
ويؤكّـد القاضي الخيل أن محكمة الجنايات الدولية والعدل الدولية معنية بالتحقيق في هذه الجريمة ومثيلاتها، وملاحقة مجرمي الحرب”، مُشيراً إلى “أن منظمات إنسانية معروفة رفعت بتفاصيل هذه الجريمة ومختلف الجرائم إلى الأمم المتحدة، ولكن لم يجد الشعب اليمني أي تحَرّك جدي، في هذا السياق، وأن لجنة الخبراء التي نفذت بعض التحقيقات، تعاملت مع معاناة الشعب اليمن وجرائم العدوان بحقه كسلعة تجارية يمكن استغلالها والمتاجرة بها لتحقيق مكاسبَ خَاصَّة، وجني أموال مقابل تحريف الحقائق وتضييع الحقوق”.
ويعتبر الخيل أن تواطؤ المجتمع الدولي مع قوى العدوان أمام هذه الجرائم وصمة عار في جبين المنظومة الدولية، ومخالفة صريحة وواضحة لنصوص وفقرات القانون الدولي الإنساني العام، وتعطيل متعمد للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والجنايات الدولية من مهامها ومسؤولياتها.
أهالي الضحايا: أين الأمم المتحدة؟
حاج مسن استشهد ابنه في هذه المجزرة يتساءل: “أين مجلس الأمن والأمم المتحدة؟ هل ستظل هذه المنظمات الدولية صامتة أمام هذه الجرائم؟ أم أنها ستتحَرّك أخيرًا لتحميل المسؤولين عن هذه الجرائم مسؤولياتهم؟ وتجر مجرمي الحرب إلى المحاكمة؟”.
بدوره يطالب أحد أهالي الضحايا العالم بقوله: “أوقفوا بيع السلاح لهؤلاء القتلة السفاحين.. أين العالم، اليمن ليست بحاجة لصواريخ وغارات وقنابل وقتل ودمار!، اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بحاجة إلى أكل وماء وعلاج ووقف فوري للعدوان.. هذه جرائم الغرب وأمريكا، بحق شعبنا اليمني الذي اختار الحرية، والنضال ولكن رغم الجراح سنظل صامدين”.
ما حدث في سجن الزيدية ليست مُجَـرّد جريمة عابرة، بل هي جريمة حرب بكل المقاييس، واستهداف سجن مكتظ بالسجناء يعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، ويستوجب من المجتمع الدولي اتِّخاذ إجراءات حاسمة لوقف هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها إلى العدالة.