بقلم/ شارل أبي نادر
مع أن العدو “الإسرائيلي” معروف باتباع سياسة التعتيم على خسائره البشرية في المواجهات كلها، الأمر الذي أُثبِتَ بشكل أكيد في حربه على غزة، وأيضًا الأمر نفسه يمارسه في حربه على لبنان حاليًا.
لكن أن يعترف بسقوط أكثر من مئة إصابة بين صفوف عناصره، في اليومين الأخيرين من المواجهة مع حزب الله في جانبيها، البري على الحدود مع لبنان، أو الجانب المتعلق بالاستهدافات الصاروخية والمسيرة لمواقعه العسكرية داخل فلسطين المحتلة، فهو أمر يدعو للإضاءة عليه من عدة نواحي؛ لناحية أسباب اتّباعه سياسة التعتيم على خسائره البشرية، ولناحية سقوط هذه الأعداد المرتفعة من الإصابات لعناصره، وقد يكون الأهم لناحية تأثيرات هذه الإصابات على قراره متابعة العدوان، وخاصة في الجانب البري منه.
أولًا- لناحية التعتيم على خسائره البشرية، فهناك عدة أسباب:
1. قدرة مجتمعه على تقبل الخسائر البشرية بين جنوده ضعيفة، وذلك على خلفيات تاريخية وعقدية، أو على خلفيات الانقسامات السياسية وانخفاض الثقة بقرارات حكومة العدو بشكل عام.
2. التأثيرات السلبية على قدرة جنوده القتالية مع الإعلان عن الخسائر الحقيقية، خاصة في ظل النزف الكبير الذي يعانيه جيشه في المدة الأخيرة، وتحديدًا مع بدء معركة “طوفان الأقصى” في غزة أو على جبهات الإسناد لاحقًا، وصولًا إلى الحرب المفتوحة مع لبنان حاليًا.
ثانيًا- لناحية أسباب سقوط هذا العدد الكبير بين عناصر العدو
تتوزع هذه الأسباب بين صعوبة المواجهات البرية التي يخوضها جيش العدو وبين الاستهدافات الصاروخية والمسيّرة الفعالة داخل الكيان.
عمليًا، هناك عدد كبير من إصابات جنود العدو تسقط في المواجهات البرية المباشرة على الحدود، حيث تجد وحداته صعوبة كبيرة في تحقيق اختراقات ذات معنى ميداني يمكن أن يخدم عملية توغل واسعة. وأسباب ذلك تعود إلى اصطدام العدو ببنية دفاعية متماسكة وقوية للمقاومة، حضّرتها بمستوى متقدم جدًا منذ مدة طويلة. والسبب الآخر يعود لصلابة مقاتلي المقاومة وثباتهم بالرغم من حمم النار الضخمة التي يصبّها العدو على خطوط المواجهة، ولالتزامهم المقدس بقتال العدو بشراسة حتى النهاية.
من جهة أخرى، تتصاعد بشكل لافت مؤخرًا، فعالية وتأثيرات مناورة حزب الله الصاروخية والمسيّرة داخل الكيان، والتي تقوم على استهداف أغلب مواقع العدو العسكرية داخل فلسطين المحتلة بطريقة ممنهجة ومدروسة، وتحديدًا في المنطقة الشمالية. ونتائج هذه المناورة تكون صادمة للعدو، حيث تتكامل عناصر نجاح هذه الاستهدافات، من الاستعلام الدقيق وتحديد الأهداف العسكرية حتى السرية منها، إلى الدقة اللافتة في تحقيق الإصابات لهذه المواقع العسكرية، حيث يعمد حزب الله تباعًا، وبطريقة تصاعدية، إلى إطلاق صواريخ ومسيّرات نوعية وجديدة تفاجئ قدرات العدو الدفاعية، والتي هي أساسًا غير قادرة على منع كل هذه المقذوفات الجوية أو ضبطها، والتي تتمتع بإمكانات متقدمة في تجاوز أحدث منظومات الدفاع الجوي العدوة.
أما لناحية تأثيرات هذه الإصابات المرتفعة بين جنوده على قراره بمتابعة العدوان على لبنان، فالكثير من المعطيات تؤشر إلى بدء العدو بالبحث عن مخارج أخرى غير العملية العسكرية البرية، والتي في متابعتها وبهذه الطريقة، مع وجود احتمالات كبيرة لتزايد أعداد الإصابات بين جنوده في حال نجح في التوغل في العمق أكثر، إذا ما قُدِّر له النجاح، مع صعوبة ذلك.
هذه المخارج التي يسعى لها، بدأت تتمظهر في الجانب الديبلوماسي من خلال زيارة المبعوث الأميركي، والتي ما كانت لتحصل الآن لو رأى العدو إمكان للنجاح في عمليته البرية، حيث كان حينها الأفضل التريث بها لاستثمار النجاح الميداني، الأأمر الذي لم يحصل. وذهابه إلى مخرج آخر، ظهر أيضًا في اعتماده رفع مستوى الضغط المؤذي، عبر إعادة توسيع الاستهدافات المدمرة للضاحية الجنوبية ومناطق البقاع، ولجوئه إلى فتح مناورة التهديد باستهداف المستشفيات والمراكز الصحية .
أخيرًا، ممّا لا شك فيه أن للميدان الكلمة الفصل في هذه الحرب، الأمر الذي يسير لمصلحة المقاومة، والتي برهنت أنها بالرغم من الضغوط والخسائر والآلام، صمدت وثبتت واستعادت المبادرة نحو الانتصار بإذن الله.
خبير عسكري ومحلل استراتيجي لبناني