Herelllllan
herelllllan2

الأمم المتحدة.. جريمة مشهودة وإنسانية مفقودة

د/ عبد الرحمن المختار

احتفت القوى الاستعمارية الغربية بإنشائها منظمة الأمم المتحدة في منتصف أربعينيات القرن الماضي، وروجت بشكل لافت لمستقبل آمن تتجنب فيه الأجيال ويلات الحروب، وتنعم فيه بالحرية، والرقي الاجتماعي، ومستوى حياة لائق للأجيال القادمة، بعد مآسٍ جلبتها على البشرية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية يعجز عنها الوصف.

وكما هو مجسد في ديباجة الميثاق الصادر سنة 1945م الذي ورد به ما نصه (وأن نؤكّـد من جديد إيماننا بالحقوق الأَسَاسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية).

تضمن هذا المبدأ تأكيد المنظمة الدولية على الحقوق الأَسَاسية للإنسان، التي يعد أهمها الحق في الحياة، ومع أن منظمة الأمم المتحدة أكّـدت في ميثاقها إيمَـانها بهذا الحق بوصفه أسمى حقوق الإنسان، إلا أن ما جرى ويجرى في قطاع غزة منذ أكثر من عام أكّـد ويؤكّـد كفر منظمة الأمم المتحدة بحقوق الإنسان، فجريمة الإبادة الجماعية والتدمير الشامل لبنية وبنيان القطاع تنفي تمامًا أية ذرة إيمَـان في جانب المنظمة الدولية بحقوق الإنسان، أَسَاسية أَو فرعية، فتنكر هذه المنظمة لما ورد في ميثاقها من مبادئ يعنى كفرها بما تضمنه من مبادئ وقيم أخلاقية وإنسانية، وأن المنظمة الدولية تؤمن في الوقت الراهن بالإجرام والوحشية والهمجية، التي تقترفها القوى الاستعمارية بالشراكة مع أداتها الإجرامية المسماة دولة (إسرائيل) وبحصانة كاملة ضد أية مساءلة أَو محاسبة من جانب أجهزة منظمة الأمم المتحدة!

كما تضمن المبدأ السابق التأكيد على إيمَـان منظمة الأمم المتحدة (بكرامة الفرد وقدره) ولا ندري ما هو مفهوم هذه المنظمة لكرامة الفرد وقدره؟ ومن هو الفرد المقصود في هذا المبدأ من وجهة نظرها؟ وهل ما جرى ويجري في قطاع غزة منذ أكثر من عام يناقض إيمان المنظمة الدولية بكرامة الفرد وقدره أم لا؟ وهل ضمن مفهوم كرامة الفرد لدى هذه المنظمة أن تمزقه القنابل إلى أشلاء، لا فرق في ذلك بين صغار وكبار ونساء ورجال؟ وهل إيمان منظمة الأمم المتحدة بكرامة الفرد وقدره يسري على كافة الأفراد في العالم بغض النظر عن دينهم أَو لونهم أَو قوميتهم؟؛ بمعنى آخر هل لإيمان منظمة الأمم المتحدة بكرامة الفرد وقدره معيار واحد أم معايير متعددة؟

وتضمن المبدأ السابق أَيْـضًا تأكيد المنظمة الدولية على إيمَـانها (بالحقوق المتساوية للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها)، وهذا التأكيد وما سبقه من تأكيدات على إيمان المنظمة الدولية، اتّضح أنه مُجَـرّد زيف ونفاق فمأساة الشعب الفلسطيني عُمُـومًا وغزة خُصُوصًا، التي تسببت بها منظمة الأمم المتحدة حين انتزعت من الشعب الفلسطيني أرضه، وصادرت منه حقه في تقرير مصيره، فوهبت ما لا تملك لمن لا يستحق، وأصبحت العصابات الصهيونية الإجرامية التي تم جلبها من أصقاع الدنيا والتي لا تربطها سوى رابطة الإجرام، هي المسيطرة والمتحكمة وأبناء الشعب الفلسطيني لاجئين ومشردين ومهجرين قسريًّا، وتُقترف بحقهم أفعال جريمة إبادة جماعية منذ تبني منظمة الأمم المتحدة لقرار تقسيم أرض فلسطين رقم (181) لسنة 1947 والذي تم بموجبه إنشاء ما سمي بدولة “إسرائيل”، خلافًا لما هو متعارف عليه في نشأة الدول، والاعتراف بها من جانب القوى الاستعمارية الغربية وعدد من الدول الأعضاء في المنظمة الدولية ومن جانب هذه المنظمة ذاتها.

وبذلك فقد مثلت هذه الدولة الوليدة اللقيطة قاعدة متقدمة للقوى الاستعمارية الغربية التي أخذت على عاتقها الالتزام بأمن مسمى “دولة إسرائيل” رغم كُـلّ ما ارتكبته وترتكبه من أفعال إبادة جماعية مُستمرّة ومتتابعة منذ تأسيسها قبل ما يقارب من ثمانية عقود وحتى اليوم، وعلى مرأى ومسمع منظمة الأمم المتحدة، وعلى مدى أكثر من عام على أحدث جرائمها بحق الشعب الفلسطيني تتابعت واستمرت أفعال جريمة الإبادة الجماعية المشهودة، ومع ذلك فمنظمة الأمم المتحدة تقف موقف المتفرج، وهذا الموقف متناقض تمامًا مع ما تضمنه ميثاقها من مبادئ تؤكّـد إيمانها بعدد من حقوق الإنسان الأَسَاسية، والمساواة بين الأمم كبيرها وصغيرها، وليتضح بجلاء أن إيمان منظمة الأمم المتحدة بما تضمنته المبادئ الفلسفية الواردة في ميثاقها يعد نفاقًا فاضحًا وسقوطاً قيميًّا وأخلاقيًّا وإنسانيًّا مدويًا، ولم يقتصر هذا السقوط على المنظمة الدولية بوصفها كياناً يمثل دول العالم، بل شمل أغلب دول العالم الممثلة في هذه المنظمة، خُصُوصًا تلك الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، التي فقدت إنسانيتها تمامًا وتعاملت مع جريمة الإبادة الجماعية ومع مقترفيها من منظور مصلحي بحت، ولم يكن للجانب الإنساني أي حضور في أدائها، متنصلة بذلك عن واجباتها القانونية والأخلاقية والإنسانية، مكتفية كما هو حال المنظمة الدولية بمُجَـرّد الإدانة ووصف ما يجري بأنه مروع، ودون الإشارة بشكل صريح إلى مسؤولية المقترف المباشر لأفعال الجريمة وشركائه في اقترافها!

نفاق وكفر بالمبادئ الإنسانية:

ورغم أن الحالة في قطاع غزة تمثل بكل وضوح جريمة إبادة جماعية، إلا أن المنظمة الدولية وأغلب الدول الأعضاء فيها خُصُوصًا الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي الشريكة في الجريمة، تتعامل مع جريمة غزة بأنها حالة حرب، ولا يختلف تعامل المنظمة الدولية مع حالة غزة عن تعاملها مع المبادئ الواردة في ميثاقها، التي أكّـدت نظريًّا على إيمَـان المنظمة بحقوق الإنسان الأَسَاسية والمساواة بين الشعوب والأمم كبيرها وصغيرها، وفي الواقع لا يعدو إيمان المنظمة الدولية كما ذكرنا آنفاً عن كونه نفاقاً وكفراً بتلك المبادئ الإنسانية الفلسفية الراقية! وكذلك الحال بالنسبة لحالة غزة التي تمثل جريمة إبادة جماعية بشكل واضح وصريح لا لبس فيه ولا غموض وفقاً للاتّفاقية الدولية الخَاصَّة بـ (منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948) ومثلما كفرت المنظمة الدولية بمبادئ ميثاقها التي أكّـدت من خلالها إيمَـانها بحقوق الإنسان الأَسَاسية وكرامة الفرد وقدره، والمساواة بين الشعوب والأمم كبيرها وصغيرها، كفرت كذلك هذه المنظمة بنصوص اتّفاقية (منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة1948م) بل إن هذه المنظمة تعاملت مع الاتّفاقية التي سبق لها أن أقرتها بأنها غير موجودة أَسَاسًا، رغم أنها حدّدت بشكل واضح وصريح ما يعد من الأفعال والسلوكيات الدولية جريمة إبادة جماعية بنصها في الفقرة “أ” من المادة الثانية منها على أن: (في هذه الاتّفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيًّا من الأفعال التالية، المرتكَبة على قصد التدمير الكلي أَو الجزئي لجماعة قومية أَو إثنية أَو عنصرية أَو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.

وليس خافيًا على منظمة الأمم المتحدة أن أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تعرضوا ولا يزالون يتعرضون يوميًّا وعلى مدار الساعة للقتل المباشر منذ أكثر من عام بالقصف بالقنابل والصواريخ وقذائف المدفعية والدبابات دون تمييز بين صغير وكبير ودون تمييز بين المقاتلين وغيرهم، ولو افترضنا جدلًا أن ما يسمى (دولة إسرائيل) قد تعرضت في السابع من أُكتوبر من العام الماضي لعملية إرهابية مست بأمنها وحياة مواطنيها، فَإنَّ مواجهة تلك العملية الأصل أن يكون بعملية أمنية محدودة تستهدف منفذي ما وصفتها بالعملية الإرهابية، دونما مساس بحياة أي شخص آخر لم يكن شريكاً في تنفيذ تلك العملية، والأصل أن منظمة الأمم المتحدة وفقاً لميثاقها ولقواعد القانون الدولي هي الجهة المعنية بمراقبة سلوك دولة كيان الاحتلال، وَإذَا ما اتّضح لها أن سلوكيات هذا الكيان تمثل انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، فَإنَّ المنظمة الدولية هي المعنية وفقاً لاتّفاقية (منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها) بالعمل على منع وقوع أفعال الإبادة الجماعية، وإن اتّضح لها وقوع أفعال جريمة الإبادة الجماعية فعلًا فَإنَّ المنظمة الدولية هي المعنية بقمع مقترفها ومعاقبته طبقاً لما خولها ميثاقها من صلاحيات في هذا المجال، ووفقاً لما للمادة (8) من الاتّفاقية التي نصت على أن (لأَيٍّ من الأطراف المتعاقدة أن يطلب إلى أجهزة الأمم المتحدة المختصة أن تتخذ، طبقًا لميثاق الأمم المتحدة، ما تراه مناسبًا من التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية أَو أيٍّ من الأفعال الأُخرى المذكورة في المادة الثالثة).

عار يلطخ وجه المنظمة الدولية:

ومع كُـلّ ذلك فالمنظمة الدولية بدت أمام جريمة غزة المشهودة وكأنها أمية لا علم لها بمبادئ ميثاقها ولا بقواعد القانون الدولي، وتجهل تمامًا وجود اتّفاقية دولية خَاصَّة بـ (منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها)! وتعاطت المنظمة الدولية منذ أكثر من عام مع ما جرى ويجري من أفعال إبادة جماعية مباشرة لآلاف الأطفال والنساء والشيوخ على أنها عمليات قتل ناتجة عن حالة حرب! ولم تكلف هذه المنظمة نفسها مُجَـرّد التمييز بين حالة الحرب وفقًا لقواعد القانون الدولي وما يترتب عليها من آثار، وبين جريمة الإبادة الجماعية المقترفة منذ أكثر من عام في قطاع غزة وما يترتب عليها من آثار.

ولم يقتصر التجاهل على المنظمة الدولية بل شمل أغلب الدول الأعضاء فيها، ولم يقتصر التنصل من جانب المنظمة الدولية والدول الأعضاء فيها على الإخلال بواجباتها القانونية والأخلاقية والإنسانية، بل إنها فوق ذلك وقفت بوجه القوى الحية التي عملت على قمع مقترف الجريمة وشركائه والحيلولة دون استمرار اقتراف أفعالها، حين تبنى مجلس الأمن الدولي بتاريخ مطلع شهر يناير الماضي قراراً يدين الإجراءات الضاغطة التي اتخذتها القوات المسلحة لبلادنا ضد سفن الكيان الصهيوني والسفن المتجهة إلى موانئ الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وكان معلناً بشكل واضح منذ البداية أن هدف هذه الإجراءات منع الكيان الصهيوني وشركائه من الاستمرار في اقتراف أفعال جريمة الإبادة الجماعية، ورفع الحصار الظالم المفروض على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومع كُـلّ ذلك فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قراراه ضد بلادنا، وهذا القرار سيمثل عاراً يلطخ وجه المنظمة الدولية ومجلس أمنها، وأعضائه الدائمين وغير الدائمين!

وورد في الفقرة (ب) من المادة الثانية من اتّفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها ما نصه (إلحاق أذىً جسدي أَو روحي خطير بأعضاء من الجماعة) وهذه الفقرة تندرج ضمن أفعال جريمة الإبادة الجماعية، والمؤكّـد أن ما تعرض له أبناء الشعب الفلسطيني من الأذى الجسدي ومن تشويه وبتر للأطراف ومن الأذى الروحي والنفسي، وغير ذلك من أشكال وألوان الأذى شمل مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مشهود وواضح للمنظمة الدولية، ومع كُـلّ ذلك تجاهلت هذه المنظمة وأغلب الدول الأعضاء فيها، خُصُوصًا الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي كُـلّ ذلك الأذى الذي تعرض له أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة واكتفت المنظمة الدولية بإعلان مواقف تعبر عن الحزن والأسى وتصف الوضع بالخطير والمقلق، ودون أن تتخذ ما خولها ميثاقها والقانون الدولي من إجراءات لوقف ذلك الأذى الجسدي والروحي الخطير الذي يمثل فعلاً من أفعال جريمة الإبادة الجماعية، والذي شمل جميع سكان قطاع غزة دون استثناء!

ونصت الفقرة (ج) من المادة الثانية من اتّفاقية (منع الإبادة الجماعية والمعاقبة) عليها على أن (إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًّا أَو جزئيًّا) ويندرج السلوك الموصوف في هذه الفقرة ضمن أفعال جريمة الإبادة الجماعية، وليس خافيًا على المنظمة الدولية ما هو قائم على أرض غزة من إخضاع لسكانها المدنيين عمدًا لظروف معيشية قاسية هدفها الموت الجماعي جوعًا وعطشًا وألمًا، فمن لم تفتك بهم قنابل وصواريخ القوى الاستعمارية الصهيوغربية فتكت به الظروف المعيشية القاسية التي فرضتها هذه القوى الإجرامية، فلا مساكن، ولا مياه للشرب ولا طعام ولا دواء ولا مستشفيات، ولا غيرها من مقومات الحياة البشرية، ومن ثم فالنتيجة الطبيعية لكل ذلك هي الإبادة الجماعية.

حالة حرب أم جريمة إبادة جماعية:

ولم يعد سرًا هدف إخضاع أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لهذه الظروف المعيشية القاسية، حَيثُ يعلن قادة كيان الإجرام والاحتلال الوظيفي الصهيوني بكل صراحة ووقاحة، أنهم يهدفون إلى إفراغ قطاع غزة من سكانه، وأن هذا التضييق هدفه التهجير القسري لجميع سكان غزة للبدء بإقامة المستوطنات الصهيونية في القطاع، ودون أن تلتفت المنظمة الدولية صاحبة قرار تقسيم أرض فلسطين، صاحبة شعار حَـلّ الدولتين! ومع كُـلّ ذلك ما زالت هذه المنظمة تتعاطى مع الحالة في قطاع غزة وامتداداتها بأنها حالة حرب، رغم أن حالة الحرب تحكمها قواعد القانون الدولي وهي عبارة عن نزاع مسلح بين دولتين أَو أكثر، بمعنى أن الحرب أطرافها دول ذات سيادة يتوافر لكل طرف من أطرافها كُـلّ مستلزمات ووسائل الدفاع من جيش منظم وأنواع مختلفة من الأسلحة الجوية والبرية والبحرية وكافة متطلباتها من قواعد جوية وبحرية ومعسكرات، وصنوف القوات المسلحة، وهو ما ليس متحقّقاً في حالة قطاع غزة، فهذا القطاع جزء من أرض فلسطين المحتلّة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون طرفاً في نزاع مسلح وفقاً لقواعد القانون الدولي، كما أن للحرب بين الأطراف الدولية ذات السيادة قواعدها المتعارف عليها، فليس لأي طرف استهداف المدنيين أَو الأعيان المدنية، ويعد كُـلّ طرف منتهكاً لقواعد القانون الدولي إذَا ما استهدف المدنيين أَو الأعيان المدنية ويعد الطرف المخالف لهذه القواعد مرتكباً لجريمة حرب؛ باعتبَار أن العمليات الحربية لطرفي النزاع المسلح لا تقتصر على الأهداف العسكرية فقط.

وما هو حاصل في حالة قطاع غزة لا يندرج تحت تصنيف حالة الحرب، بل يندرج ضمن أفعال جريمة الإبادة الجماعية، لكن ما هو سبب استمرار الترويج للحالة في قطاع غزة وامتداداتها إلى الضفة الغربية والضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت بأنها حالة حرب رغم أن قواعد الحرب لا أثر لها في هذه الحالة، ورغم أن غزة أرض محتلّة ولا ينطبق على ما جرى ويجري فيها وصف الحالة بأنها حرب، ولا ينطبق كذلك على امتداداتها؟

وتكمن الإجَابَة على هذا التساؤل في توضيح سبب الترويج من جانب الكيان الوظيفي الصهيوني والقوى الاستعمارية والكيانات الوظيفية العربية ووسائل إعلامها ومنظمة الأمم المتحدة، للحالة في غزة وامتداداتها بأنها حالة حرب في الآثار المترتبة على حالة الحرب والآثار المترتبة على جريمة الإبادة الجماعية، فحالة الحرب يترتب عليها أنه لأيٍّ من الدول غير الأطراف في النزاع المسلح أن تمد طرفَيه بالوسائل الدفاعية والهجومية واللوجستية، ولا لوم عليها في ذلك، بل إن ذلك يعد من المسائل الأخلاقية، وكذلك الحال يمكن للدول غير الأطراف في حالة الحرب إسناد طرفيها بالمواقف السياسية والدعم المالي والاقتصادي شريطة التزام كُـلّ طرف من أطراف النزاع المسلح بقواعد القانون الدولي المتعارف عليها في حال النزاعات المسلحة، والنموذج الماثل للعيان الحرب الروسية الأوكرانية؛ فعدد من الدول وعلى رأسها الدول الأعضاء في حلف الناتو تمد أوكرانيا بالمال والسلاح ومختلف أنواع الدعم الاستخباري واللوجستي والتأييد السياسي في المحافل الدولية، وفي المقابل تمد دول أُخرى روسيا كما هو متداول بمختلف أنواع العتاد العسكري والمواقف السياسية، ولا مشكلة في ذلك بالنسبة للنزاع المسلح بين دولتين أَو أكثر المحكوم بقواعد القانون الدولي!

وتكمن المشكلة بالنسبة لجريمة الإبادة الجماعية في أنه إذَا ما تحدّد فعلاً توصيف وتكييف الأفعال المقترفة بأنها تمثل جريمة إبادة جماعية سواء أكانت قتلاً مباشراً أَو أذى جسدياً أَو روحياً أَو إخضاع السكان لظروف معيشية قاسية، فَإنَّ أية دولة تقدم للدولة المقترفة لأفعال الإبادة الجماعية أية مساعدة عسكرية أَو اقتصادية أَو مالية أَو دعم لوجستي سابق أَو معاصر أَو لاحق لأفعال الجريمة أَو موقف سياسي مساند أَو تآمر أَو تحريض أَو أي مظهر من مظاهر الدعم والإسناد، كُـلّ ذلك يجعل من الدولة المساندة شريك في جريمة الإبادة الجماعية.

ولذلك يلاحظ الإصرار على وصف الحالة في قطاع غزة بأنها حالة حرب لتتنصل القوى الاستعمارية من عار الشراكة في أفعال جريمة الإبادة الجماعية ومن المسؤولية القانونية المترتبة على شراكتها في الجريمة، والملاحظ أَيْـضًا أن القوى الاستعمارية الصهيوغربية قد جنّدت الكيانات الوظيفية العربية ووسائلها الإعلامية للترويج لما جرى ويجري في قطاع غزة والضفة الغربية والضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، بأنه حرب لصرف الأنظار عن جريمة الإبادة الجماعية، ونفي مسؤولية مقترفي أفعالها المباشرة أَو المشاركة فيها بأية صورة من الصور وبأي شكل من الأشكال، ولعل الجميع يستمع لترويج القنوات الفضائية العربية لحالة الحرب وبمستويات ومساحات مختلفة كما هو الحال بالنسبة لقنوات العربية والحدث والجزيرة وغيرها من القنوات المساندة للقوى الاستعمارية الصهيوغربية، وهذا التكالب الأممي ضد أبناء الشعب الفلسطيني رغم أن الجريمة واضحة ومشهودة أفقد منظمة الأمم المتحدة وأغلب الدول الأعضاء فيها قيمها وإنسانيتها.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com