من فصول قصة المقاوم الشهيد يحيى السنوار!!
يمانيون – متابعات
ذات مرة، قال بطل رواية “الشوك والقرنفل” لعدوه: “إن اغتيالي على يدك أكبر هدية تقدمها لي؛ لأقضي إلى الله شهيداً.. لا أريد الموت بـ الكورونا أو جلطة أو حادث”.
فقاتل بشراسة في معركته الأخيرة، حاملاً سلاحه وجعبته العسكرية مقبلاً غير مدبرٍ بملحمة بطولية أكملت مسيرة نضاله منتصراً بنيل هديته من العدو إلى حياة أبدية في جنة عرضها السماوات والأرض.
62 عاما قضاها سنوار خان يونس مجاهداً في سبيل الله، ونصرة قضيته، وتحرير وأرضه، وإرعاب “إسرائيل”، وهز كيانها، وكسر شوكتها، وإقلاق أمنها، فكُتب اسمه في ذاكرة الأمة، وأنصع صفحات التاريخ.
مهمة إلهية
أجمل ما قيل عن السنوار على لسان مسؤول أمني صهيوني كبير – لم يذكر اسمه – في صحيفة “هآرتس” العبرية: “لم يعد السنوار يرى نفسه مجرد زعيم حركة، بل يتصرف كما لو كان أوكل الله إليه مهمة حماية القدس والمسجد الأقصى”.
تلك المهمة -من وجهة نظر مسؤول الكيان العِبري- ستلحق “إسرائيل” أسوأ مأساة في تاريخها، وقد ألحقت به فعلاً في 7 أكتوبر 2023، يوم باغت طوفان القيامة، وكبّدها خسائر بشرية وعسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية ومعنوية ونفسية، واكتسى سبتها بالأسود.
السنوار وأكتوبر
للسنوار قصة حياة عنوانها “شهر أكتوبر”، ولد يوم 29 أكتوبر 1962، في مخيم خان يونس جنوب القطاع المحتل، وفي 11 أكتوبر 2011 خرج من سجون الاعتقال، وفي 7 أكتوبر 2023 سطر مهندس “طوفان الأقصى”، المجاهد السنوار، ملحمة أكتوبرية أرعبت الكيان، وكسرت شوكته، وفي 17 أكتوبر 2024 اكتملت فصول قصة البطل المقاوم منتصراً بالشهادة.
من التعليم إلى التنظيم
تلقَّى تعليمه في مدارس المخيم اليونسي، وأكمل تعليمه في الجامعة الإسلامية، ونال شهادتها في الدراسات العربية، ثم بدأ نشاطه التنظيمي في ظل الكتلة الإسلامية، وأسس جهاز أمني باسم “المجد”، لكشف ومحاسبة عملاء “إسرائيل”.
إلى الاعتقال
اُعتقل السنوار في يناير 1988، بتهم تأسيس جهاز “المجد” الأمني والجهاز العسكري الأول باسم “المجاهدون الفلسطينيون”، وقتل جنديين إسرائيليين و4 مُخبرين، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة في أربعة أحكام مدتها 426 عاما.
صفقة الوفاء
بعد 23 عام في سجون الاعتقال، أطلق سراح السنوار في 11 أكتوبر 2011، ضمن صفقة “وفاء الأحرار”، أو “صفقة شاليط” لتبادل الأسرى بعدد 1027 أسير فلسطيني مقابل الجندي “الإسرائيلي” جلعاد شاليط.
نجا السنوار الملقب بالرجل “الحي الميت” من عدة محاولات اغتيال، أصيب منها مرتين؛ الأولى في 11 أبريل 2003، بلغم زُرع في جدار منزله بخان يونس، والثانية في مايو 2021، بمعركة “سيف القدس”.
في 24 أكتوبر 2004 ، هُدم منزل عائلته وقصف منزله في حرب غزة 2014.
واختيرالسنوار زعيما لحركة حماس في قطاع غزة عام 2017، ثم رئيسا لمكتبها السياسي في أغسطس 2024، خلفاً للقائد الشهيد إسماعيل هنية.
.. وهكذا كان!
للسنوار بصمة لا تمحى في تاريخ المقاومة، يصفه المسؤول السابق في جهاز الأمن العام “الإسرائيلي” “الشاباك”، مايكل كوبي، الذي استجوبه لمدة 180 ساعة، بتفرد قدرته على القيادة والترهيب، قائلاً: “عندما سألته عن سبب عدم زواجه وعمره 28 أو 29 عاما، أجاب: حماس هي زوجتي، وحماس هي ابنتي.. وحماس بالنسبة لي هي كل شيء”.
ويصفه الثائر اللبناني نبيه عواضة، الذي اُعتقل معه بين عامي 1991 و1995، بـ”العنيد والعقائدي”، ونموذج مؤثر على جميع الأسرى، حتى أولئك الذين لم يكونوا إسلاميين أو متدينين.
“أنا على أرضي”
وقال: “حينما كان السنوار يلعب تنس الطاولة في سجن عسقلان حافي القدمين، كان يقول: إن مشيته بلا حذاء تمثل رغبته في أن تلامس قدماه أرض فلسطين.. أنا لست في السجن، أنا على أرضي، أنا حر هنا، في بلدي”.
في نظر عصمت منصور، وهو أسير (الجبهة الديمقراطية)، إنسان بسيط ومتدين وقاسي الطباع، وحاد التعامل، ولا يقبل المساومة، وأنصاف الحلول، ولا اتفاقية من دون تكتيك.
رحل بعبع الغرب وعدو المطبعين، وند الكيان اللقيط، ومهندس الطوفان المُرعب، وكان ولا يزال الشهيد السنوار كابوس “إسرائيل”، في مشهد أسطوري كسلطان لا يهاب الموت متربعاً على أريكة بهو منزلٍ نال نصيبه من الدمار، يضمّد جراحه في لحظات استراحة مقاتل، وحوله تحوم جحافل العدو مدججة بالسلاح خلف مدرّعاته العسكرية.
سيبقى مشهد المعركة الأخيرة بين عصا السنوار و”درون” العدو مدرسة لكل مقاوم حر، وسردية أسطورية خالدة تُروى للأجيال، تحاكي صمود قائد أعزل واجه أقذر آلة حرب إبادة تقف خلفها منظمات الصهيونية والماسونية، وعرابدة التطبيع في المنطقة.
——————————————————
السياسية – صادق سريع