Herelllllan
herelllllan2

أمريكا و”إسرائيل”: الإبادة الجماعية بالتجويع والتعذيب

يمانيون – متابعات
حذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من وصول شحنات المساعدات لأدنى مستوياتها لأنحاء غزة كافة منذ شهور. ويشير المكتب إلى أن “الناس استنفدوا كل السبل للتكيّف، وانهارت أنظمة الغذاء، ولا يزال خطر المجاعة قائماً”.

بدوره، يتوقّع كريس هدجز، مدير مكتب نيويورك تايمز الأسبق في الشرق الأوسط، أن الحصار الشامل المفروض على شمال غزة سيفرض في المرحلة التالية على جنوب غزة موتاً تدريجياً. والسلاح الأساسي، كما هو الحال في الشمال: التجويع.

رفضت مصر والدول العربية الأخرى النظر في قبول اللاجئين الفلسطينيين. لكن “إسرائيل” تراهن على خلق كارثة إنسانية ذات أبعاد كارثية لدرجة أن هذه البلدان، أو غيرها من البلدان، سوف تستسلم حتى تتمكّن “إسرائيل” من إخلاء غزة وتحويل انتباهها إلى التطهير العرقي في الضفة الغربية. هذه هي الخطة، وإن كان لا أحد، بما في ذلك “إسرائيل”، يعرف ما إذا كانت ستنجح.

مؤخّراً، اشتكى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في آب/أغسطس الماضي علناً من أن الضغوط الدولية تمنع “إسرائيل” من تجويع الفلسطينيين، “حتى وإن كان ذلك مبرّراً وأخلاقياً إلى أن تتمّ إعادة رهائننا”.

الحرب التكنولوجية: الإفراط في القتل

يُذكّر هدجز بفيلم جوشوا أوبنهايمر الوثائقي بعنوان “فعل القتل” The Act of Killing، واستغرق تصويره ثماني سنوات، ويكشف عن النفسية المظلمة لمجتمع ينخرط في الإبادة الجماعية ويكرّم مجرمي القتل الجماعي، وينوّه “إننا فاسدون مثل القتلة في إسرائيل. فنحن نجعل من إبادة الأميركيين الأصليين أسطورة، ونضفي طابعاً رومانسياً على القتلة، والمسلحين والخارجين عن القانون، والميليشيات، ووحدات سلاح الفرسان. نحن، مثل إسرائيل، نقدّس الجيش”.

إن القتل الجماعي الذي مارسته الولايات المتحدة في فيتنام وأفغانستان والعراق، والذي أطلق عليه عالم الاجتماع الأميركي جيمس وليم غِبسون “الحرب التكنولوجية” أو Technowar، يحدّد جوهر الهجوم “الإسرائيلي” على غزة ولبنان.

تركّز هذه الحرب التكنولوجية على مفهوم “الإفراط في القتل”. فالإفراط في القتل، بما يتعمّده من إيقاع أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، يصبح مبرراً باعتباره شكلاً فعّالاً من أشكال الردع!

يضيف هدجز إننا، مثل “إسرائيل”، كما يشير نِك تيرسNick Turse في كتابه “اقتل أيّ شيء يتحرّك: في الحرب الأميركية الحقيقية في فيتنام”، تعمّدنا تشويه وإساءة معاملة وضرب وتعذيب واغتصاب وجرح وقتل مئات الآلاف من المدنيين العزّل، بمن في ذلك الأطفال. ويكتب تيرس أن المذابح “كانت النتيجة الحتمية لسياسات متعمّدة، أملتها أعلى مستويات المؤسسة العسكرية”.

القتل تعذيباً

ويروي تيرس أن كثيراً من الفيتناميين، مثلهم كمثل الفلسطينيين الذين قُتِلوا، تعرّضوا في البداية لأشكال مهينة من الإساءة العلنية والاغتصاب والتعذيب والضرب الوحشي.

وكتب تيرس أنهم عندما اعتقلوا للمرة الأولى “كانوا محصورين في أقفاص صغيرة من الأسلاك الشائكة، وكانوا في بعض الأحيان يُطعنون بعصي الخيزران الحادة وهم داخلها”. وكان معتقلون آخرون “يوضعون في حاويات أو براميل كبيرة مملوءة بالماء؛ ثم تُضرب بقوة كبيرة، مما يتسبّب في إصابات داخلية ولكنها لا تترك ندوباً”.

وكان بعضهم “يُعلَّقون بالحبال لساعات متواصلة أو يُعلَّقون رأساً على عقب ويضربون، وهي ممارسة تسمّى “ركوب الطائرة”. وكانوا يتعرّضون لصدمات كهربائية من هواتف ميدانية تعمل بالكرنك، أو أجهزة تعمل بالبطاريات، أو حتى عصي الماشية”. وكانوا يضربون باطن أقدامهم وكانت تُبتر أصابعهم. وكان المعتقلون يُجرحون بالسكاكين، أو يُخنقون، أو يُحرقون بالسجائر، أو يُضربون بالهراوات والعصي، والعصي المصنوعة من الخيزران، ومضارب البيسبول، وغيرها من الأشياء.

وكان كثيرون يتعرّضون لـ”التهديد بالقتل أو حتى بالإعدام الوهمي”. ولقد وجد تيرس كما في “إسرائيل” أن “المدنيين المعتقلين والمقاتلين الأسرى كانوا يستخدمون في كثير من الأحيان ككاشفين بشريّين للألغام، وكانوا يموتون بانتظام أثناء العملية”. وبينما كان الجنود ومشاة البحرية منخرطين في أعمال قتل وحشية يومية، كانت وكالة الاستخبارات المركزية “تنظّم وتنسّق وتدفع” ببرنامج سري لاغتيالات مستهدفة لـ”أفراد محدّدين من دون أيّ محاولة للقبض عليهم أحياء أو أيّ تفكير في محاكمتهم قانونياً”، تماماً كما يفعل الاحتلال الإسرائيلي من إعدامات ميدانية لمن يسمّيهم “مطلوبين”.

ويخلص تيرس إلى أن “أغلب الباحثين بعد الحرب اعتبروا روايات جرائم الحرب واسعة النطاق التي تتكرّر في المنشورات الثورية الفيتنامية والأدب الأميركي المناهض للحرب مجرّد دعاية! ولم يفكّر سوى عدد قليل من المؤرخين الأكاديميين في الاستشهاد بمثل هذه المصادر، ولم يفعل أيّ منهم ذلك على نطاق واسع. وفي الوقت نفسه، أصبحت مذبحة “ماي لاي” سيئة الذكر رمزاً للوحشية الأميركية. وقد مُحيت أو أُخفيت كل الفظائع الأميركية الأخرى.

شهوة الدماء

تمتلئ أرفف الكتب التي تتناول حرب فيتنام الآن بصور تاريخية شاملة، ودراسات رصينة للدبلوماسية والتكتيكات العسكرية، ومذكّرات قتالية رواها الجنود من منظورهم: “إن الحرب الأميركية الحقيقية في فيتنام، التي دُفِنَت في ملفات أرشيف الحكومة الأميركية المنسية، وحُبِسَت في ذكريات الناجين من الفظائع، اختفت تقريباً من الوعي العام”.

يقول هدجز لا فرق بيننا وبين “إسرائيل”. ولهذا السبب لا توقف أميركا الإبادة الجماعية في فلسطين ولبنان. إن “إسرائيل” تفعل بالضبط ما كانت الولايات المتحدة لتفعله لو كانت مكان “إسرائيل”. إن شهوة “إسرائيل” للدماء هي شهوتنا نحن أيضاً. وكما ذكرت بروبابليكا، “لقد حجبت “إسرائيل” عمداً المساعدات الإنسانية إلى غزة، كما خلصت هيئتان حكوميتان أميركيتان. ورفض أنتوني بلينكين الاعتراف بذلك”.

يتطلّب القانون الأميركي من الحكومة تعليق شحنات الأسلحة إلى البلدان التي تمنع تسليم المساعدات الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة.

إن فقدان الذاكرة التاريخية يشكّل جزءاً حيوياً من حملات الإبادة الجماعية بمجرد انتهائها بالنسبة للمنتصرين. لكن بالنسبة للضحايا، فإن ذكرى الإبادة الجماعية، إلى جانب الشوق إلى الانتقام، تشكّل نداءً مقدّساً. فالمنهزمون يظهرون من جديد بطرق لا يستطيع القتلة الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية التنبؤ بها، مما يؤدي إلى تأجيج صراعات جديدة وعداوات جديدة.

إن الإبادة الجماعية لجميع الفلسطينيين، وهي الطريقة الوحيدة التي تنجح بها الإبادة الجماعية، أمر مستحيل نظراً لأن أكثر من ستة ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات وحدهم. ويعيش مثلهم في غزة والضفة الغربية.

لقد أثارت الإبادة الجماعية التي ارتكبتها “إسرائيل” غضب 1.9 مليار مسلم في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن معظم بلدان الجنوب العالمي. كما أضعفت وضعضعت أوضاع الأنظمة الفاسدة والهشة للدكتاتوريات والملكيات في العالم العربي، موطن 456 مليون مسلم، يتعاونون مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”. كما غذّت صفوف المقاومة الفلسطينية، وحوّلت “إسرائيل” والولايات المتحدة إلى منبوذين محتقرين.

قد تتوهّم “إسرائيل” والولايات المتحدة أنهما يفوزان بهذه الجولة. لكن في نهاية المطاف، لقد وقّعا على أحكام الإعدام الخاصة بهما.
———————————————
الميادين – مازن النجار

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com