لن تسقط رايةُ مقاومة يعشقُ مجاهدوها جمهورَها
ايهاب شوقي
من المتعارف عليه، في زمن الحروب، أن الشعوب تدعم الجبهات القتالية وترفع الروح المعنوية للمقاتلين، وتتوجه الجهود الاقتصادية والثقافية لدعم جبهات القتال ورفدها بكل ما يعينها على أداء مهمتها. لكن هناك مفارقة استثنائية لا تصدر إلا عن مقاومة استثنائية، وهي أنّ المقاتلين هم من يرسلون رسائل الطمأنينة ورفع الروح المعنوية للجماهير.
لقد شكّلت رسالة المجاهدين لجمهور المقاومة حالًا وجدانية فريدة، مليئة بالعاطفة والتقدير والإيمان بدور البيئة الحاضنة، ومشحونة بمحبة صادقة ومصطلحات من خارج قواميس السياسة والعسكرية؛ بل هي رسائل روحانية إيمانية ورسائل عشق في مدرسة استثنائية للمقاومة، رسم خطوطها الشهداء المؤسسون، وبلور معالمها القائد الشهيد نصر الله الذي شكّل حالًا فريدة من المقاومة قوامها العشق للشهادة والعشق للنصر والعشق المتبادل بين القائد والجماهير.
لم تكن كاريزما القيادة هي الميزة الوحيدة للشهيد القائد؛ بل كانت المحبة المتبادلة بينه وبين المجاهدين على الجبهات، والتي أوضحتها الرسائل المتبادلة بينهما ثم بينهما وبين الجماهير، والتي تكلّلت بشعار جسّد المقاومة في شخص وأنّ الشخص مقاومة تتحدث وتمشي على الأرض، وهو شعار “لبيك يا نصر الله”، تلخيصًا للثقة التامة بأنه يمثل المقاومة ولا يصدر عنه أمر أو طلب يمكن أن ينحرف عن مبادئها الحسينية التي شكّلت المرجعية العاطفية والعقدية الكبرى في مسيرة هذه المقاومة واستراتيجيتها ومنهجها، وبرنامجها التنفيذي.
لقد جاءت رسالة المجاهدين لجمهور المقاومة مليئة بالرسائل والدلالات:
أولاً: من حيث الشكل، جاءت عبر عدة مجاهدين بأصواتهم الواثقة الحنونة وباللهجة العامية، لتخاطب الجماهير الصابرة التي تدفع ثمن خياراتها الشريفة قتلاً وتهجيرًا، لتثبيتهم وطمأنتهم بلغة بسيطة وصادقة وتخاطب القلوب والأرواح، كونها السلاح الأبرز الذي يقاتل ويصمد، وهي مدرسة المقاومة الروحانية التي نجحت دومًا وستظل السبيل لتحقيق الانتصارات.
ثانيا: من حيث المضمون، فقد حملت رسائل متعددة يجب أن يلقى عليها الضوء:
1. عبّرت عن الثبات الكامل للمقاتلين والإرادة الصلبة والثقة الكاملة بالنصر، وهي ثقة يؤكدها الواقع الميداني وأبواق العدو الصهيوني، والتي تعترف بثبات المقاومة وامتصاصها للصدمات الكبرى وباحتفاظها بقدراتها الصاروخية ومفاجآتها على صعيد الصمود البري والطائرات المسيرة والحفاظ على تماسك القيادة. وعندما يقول المجاهدون ” أما عن سؤالكم عنا، فليطمئن بالكم، نحن بألف ألف خير الحمدلله، نحن مثل الجبال التي تعرفونها، والتي على ترابها نحرق ونهدم دبابات العدو وجنوده، نحن “بدر”، نحن “نصر”، نحن “الرضوان”، ونحن “عزيزنا”، فعندما ترى الجماهير هذه الوقائع على الأرض، فإن الثقة ستكون كاملة بكل ما يعد به المجاهدون في مرحلة لاحقة قريبة من نصر وأنه ليس إلا صبر ساعة.
2. الالتزام بنهج القائد الشهيد ومدرسته، حيث كان حرص القائد دومًا وهاجسه الأكبر هو الجمهور وطمأنته والإطلالة عليه وتثبيته، وهو ما فعله المجاهدون وبالمصطلحات ذاتها وأوصاف السيد للجماهير ومخاطبتهم “يا أشرف الناس وأطهر الناس وأطيب الناس”، وكذلك الحفاظ على الصلة الوجدانية بين بيئة المقاومة وجبهة القتال، وتأكيدًا بأن الخط الساخن موصول؛ فالمجاهدون ” يسمعون صوتكم ورسائلكم، ومعنوياتكم العالية والطيية، وهذه اعتدنا عليها منذ بداية المقاومة”، وهو ما يلقي بالمسؤولية على الجمهور بأن دورهم رئيسي ولا يستهين أحد بدوره، والإعلان عن ثباته ومعنوياته العالية وثقته بالنصر، لأنه يصل إلى المجاهدين ويثبتهم ويقويهم، وهو نهج القائد الذي آمن بالجماهير ودورها ولم يعدّها يوما قطيعا أو كومبارس كما يفعل كثير من القادة من خارج مدرسة المقاومة.
3. رسائل التوعد للعدو بالعقاب وبأننا بيننا وبين العدو الأيام والميدان، وهي رسالة مباشرة بأن المقاومة لم تتأثر إرادتها ولم تنكسر بشهادة قائدها العظيم، وإنما هو حاضر بالجبهة وبمصطلحاته ووعده ووعيده ذاته، وعلى العدو أن ينتظر عقابًا مضاعفًا على جرائمه.
ما أراد المجاهدون إيصاله لخّصوه بالقسم بصبر وعذابات جمهور المقاومة بأن الراية لن تسقط، وبأنّ الجمهور الذي يشكّل وديعة القائد الشهيد، يجب أن يثق بأنه في يد أمينة على الوديعة، وأنهم قادرون على تحمل المسؤولية وتحقيق النصر الموعود، وأن صبر الجماهير لن يذهب هباءً، وأن اللقاء قريب بين المجاهدين والجماهير للاحتفال بالنصر.