الواقع يفضحُ دورَهم بجلاء.. الإدارةُ الأمريكية المجرمُ الوسيط
يمانيون/ تقارير
تمثِّلُ الإدارةُ الأمريكيةُ أخطرَ وأقذرَ مجرم على وجه الكرة الأرضية؛ فهي تحوزُ سِجِلًّا إجراميًّا فاقَ كُـلَّ سِجِلَّاتِ الإجرام والمجرمين في العالم.
وتكمُنُ الخطورةُ في ما تجيدُه هذه الإدارة من أساليبَ إجرامية، وما تمتلكه من وسائل الإجرام، وما تتقمَّصُه من أدوار تموِّهُ بها جرائمَها بحق الإنسانية؛ وهو ما جعل سجلها الإجرامي ضخمًا ومتضخمًا، تنضح سطور صفحاته بالدماء، وتتبعثر على أبوابه وفصوله الأشلاء، وتستمرُّ هذه الإدارة المجرمة في تطوير أساليبها الإجرامية، ووسائل ارتكابها، والتفنن في توزيع الأدوار على منفذيها، وبإيغالها في الدماء تزداد نهمًا لسفك المزيد منها، ولا تتردّد أبدًا في تعميم الموت على الجميع صغارًا وكبارًا نساء ورجالًا في تحلل مطلق من كُـلّ القيم الفطرية الإنسانية، فمِن إبادة ملايين الهنود الحمر، إلى إبادة مئات الآلاف من اليابانيين ومثلهم من الفيتناميين، وملايين المسلمين من الصومال إلى أفغانستان إلى العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان والسودان وفلسطين المحتلّة على مدى ما يقاربُ من ثمانية عقود من الزمان.
ومنذ أكثر من عام وأفعال جريمة الإبادة الجماعية مُستمرّة ومتتابعة، بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أطفالًا ونساءً وشيوخًا، يوميًّا وعلى مدار الساعة، ودمار شامل لكل ما له علاقة بحياة الإنسان، كُـلّ ذلك بفعل آلة إجرام الإدارة الأمريكية، التي لا يحمل مستخدمها أية قيمة إنسانية أَو أخلاقية، لم يراعِ المجرمون لا شهر رمضان ولا عيد الفطر ولا عيد الأضحى، وكانت وما زالت كُـلّ الساعات وكل الأيّام وكل الأسابيع والشهور، شاهدًا حيًّا على تتابع واستمرار جريمة القرن ومأساة العصر، وامتدت أفعال هذه الجريمة من غزة إلى الضفة الغربية إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، وبذات الوحشية، والإفراط في الهمجية، ولسانُ حال الإدارة الأمريكية، إمَّا القبول بما تفرضه هذه الوحشية والهمجية من خيارات استسلامية وإما استمرار أفعال الإبادة الجماعية!
جولاٌت مكوكية لـ هوكشتاين:
وقد انطلقت بالتزامن مع ما مضى من زمن على تتابع أفعال جريمة الإبادة الجماعية، جولات مكوكية ظاهرها وساطة، وهدفها المعلن وقف ما وصفوه بالحرب على غزة، فمبعوث الإدارة الأمريكية هوكشتاين تكرّرت زياراته للمنطقة لأكثر من ست مرات، ووزير خارجية هذه الإدارة تجاوزت زياراته اثنتي عشرةَ مرة خلال عام انقضى، وهما اليوم معًا في مسرح الجريمة يمثلان إدارة الإجرام الأمريكية، تحت عنوان مساعٍ جديدة لوقف ما سبق لهذه الإدارة وصفه بالحرب في غزة وحَـاليًّا في لبنان، لكن الحقيقة أن باطن هذه الجولة وما سبقها من جولات هو مد زمن الجريمة، لتتمكّن إدارة الإجرام الصهيوأمريكية من استكمال فصولها، ويكمن هدف هذه الجولة كما هو هدف ما سبقها من جولات في تضليل الرأي العام وصرفه عن أفعال الإبادة الجماعية التي تُقترَفُ يوميًّا وعلى مدار الساعة في قطاع غزة، وبذات المستوى في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.
هذه الجولة وما سبقها من جولات مكوكية بطلُها الوسيطُ الأمريكي اليهودي الصهيوني المجرم بلينكن، الذي أعلن في أولى زياراته إلى كيان الاحتلال الوظيفي الصهيوأمريكي، عقب عملية (طُـوفَان الأقصى) في السابع من أُكتوبر من العام الماضي، أنه يهودي صهيوني قبل أن يكون وزيرًا لخارجية أكبر قوة إرهابية على وجه الأرض، هذا الإرهابي (بلينكن) في كُـلّ زيارة للعواصم العربية يستقبله حكامها بحفاوة بالغة، وابتسامات عريضة، لا تنُمُّ أبدًا عن توافُرِ نسبة ولو ضئيلة من الإحساس بالمسؤولية، تجاه إخوة لهم تربطهم روابط الدين واللغة والجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك، يتعرضون لأبشع محرقة في تاريخ الإنسانية، والأبعد من ذلك أنهم يطلقون لألسنتهم العنان للتعبير والتوصيف، وَفْقًا لما تنضح به قرائحهم ومخيلاتهم، فنجدهم يتحدثون بكل أريحية عن طرفَي النزاع المسلح! وعن الجهود المبذولة من جانبهم لردم الهُوَّة بين الطرفين، للوصول لوقف دائم لإطلاق النار! وضرورة أن يتنازل كُـلٌّ منهما للآخر! وعدم التمسك بمواقفَ حادة من شأنها أن تُحبِطَ الجهودَ الكبيرة! للوسطاء وللشركاء الهادفة إلى وقف الحرب!
أغربُ وساطة في التاريخ:
ولعَمري أن ما يصفون، وبه يتحدثون يتجاوز في الإثم ما يقترفه المجرمون! فكيف يسوغ عربي مسلم لنفسه أن يلتقي الصهيوني بلينكن بكل تلك الابتسامات العريضة؟ في مقابل إعراضه عن تلك الصرخات المدوية للطفولة المخذولة المذبوحة في قطاع غزة، وتلك الاستغاثات المُستمرّة المزلزلة للأُمهات الثكالى بفقد أحبائهن!
وكيف يسوغ عربي مسلم لنفسه أن يتحدث بكل جرأة عن طرفَي الصراع المسلح في غزة؟ وكيف لعربي مسلم يسوغ لنفسه أن يجعل من غزة المحتلّة المحاصرة المدمّـرة وأهلها المسفوكة دماؤهم والممزقة أشلاؤهم على قارعة الطريق، طرفًا في النزاع المسلح؟ كيف لعربي مسلم أن يسوغ لنفسه القولَ بفخر واعتزاز، ومنذ أكثر من عام أن الوسطاء جادون، وأن الوساطة مُستمرّة في مقابل إعراضه عن الحديث بجِدٍّ وبحرقة عن أفعال الإبادة الجماعية المُستمرّة والمتتابعة بحق الأطفال والنساء والشيوخ في قطاع غزة والممتدة إلى الضفة الغربية والضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت؟
كيف لعربي مسلم أن يسوغ لنفسه القول إن جهودًا حثيثةً ومُستمرّة تُبذَلُ لردم الهُوة بين الطرفَين؟ كيف له ذلك، وبأي معيار، وبأي مقياس؟ وبأية موازين يجعل من غزة المدمّـرة بنيانها، والمذبوح ظلمًا وعدوانا سكانها، طرفًا فيما يصفونه بالصراع المسلح؟ كيف له ذلك وغزة وأهلها يواجهون أعتى قوى الإجرام على وجه الأرض؟ كيف يسوغ لنفسه وصف ما يجري في غزة بأنه حرب بين طرفين؟ وأنه يعمل بجد مع الوسيط الأمريكي ومن يسميهم بالشركاء لردم الهوة بين الطرفين!
إنها لأغرب وساطة في التاريخ، وإنهم لأحقر وسطاء اتصفوا بهذه الصفة، وإنهم لأشد الوسطاء مكرًا وتضليلًا وخداعًا منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها! كيف يمكن أن يوصف المجرم بلينكن الأمريكي اليهودي الصهيوني بأنه وسيط؟ وإدارته المجرمة تقترف بشكل علني واضحٍ ومكشوفٍ أفعالَ جريمة الإبادة الجماعية جنبًا إلى جنب مع فاعلها المباشر جيش كيانها الصهيوني الوظيفي في كامل النطاق الجغرافي لغزة، انتهاءً ببيت لاهيا وشمالي القطاع ومخيم النصيرات، والحديث يطول ولا يتسع المقام أبدًا لسرد وَهْمِ جهود هذا الوسيط المجرم وإدارته في حماية الفاعل المباشر للجريمة وتغطيتها سياسيًّا وإمدَاده بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ والمعدات الحربية المتطورة والفتاكة، التي لولاها ما سُفكت قطرة دم طفل فلسطيني أَو لبناني!
ويطول الحديث أَيْـضًا ولا يتسع المقام عن المليارات من الدولارات والمنح المالية من إدارة الإجرام والإرهاب الدولي إلى كيانها الوظيفي المجرم، ليعزز بها موقفه الإجرامي ووضعه الداخلي، ويطول الحديث كذلك ولا يتسع المقام لتقصي مضمار الغطاء السياسي، الذي وفره الوسيط المجرم بلينكن وإدارته لكيانها الإجرامي الوظيفي الصهيوني، والاستماتة فيما سمي بحقه في الدفاع عن النفس، الذي لا يتحقّق من وجهة نظر أكابر المجرمين إلا بنزع الحق في الحياة عن كُـلّ حي في قطاع غزة والضاحية الجنوبية صغيرًا أَو كبيرًا! واقتلاع كُـلّ شجرة، وتسوية كُـلِّ بناء قائم بالأرض!
فأيُّ مستوى من السخف والانحطاط وصل إليه الحكام العرب؟ وأي مستوى من الذل والخنوع وصلت له الشعوب العربية؟ التي تشاهد بأم العين ما تعرض له ويتعرض له إخوانهم من أبناء الشعبَين الفلسطيني في قطاع غزة واللبناني في الضاحية الجنوبية؟ مؤسف جِـدًّا أن في الجوار شعبًا عربيًّا مسلمًا كبيرًا يزعم حاكمه أنه وسيط موثوق! وما أدراك ما هذا الوسيط؟ هذا الوسيط سبق أن أعلن موقفه صراحة، ومنذ بداية الجريمة مؤيدًا ما سُمِّيَ بحق الكيان الصهيوأمريكي المجرم في الدفاع عن النفس! والقضاء على فصائل المقاومة في قطاع غزة، معززًا موقفه هذا بحق هذا الكيان المجرم في نقل من سماهم بالسكان المدنيين إلى صحراء النقب! ليواجهوا هناك مصيرهم المحتوم بعيدًا عن جواره الجغرافي، حتى لا تزكم أنفَه رائحةُ الموت الزؤام التي تنبعثُ من خلف الأسوار وبواباتها المؤصدة!
فكيف يمكن لمن هذا موقفه أن يكون وسيطًا؟ وكيف لـ بلينكن ممثل إدارة الإجرام الأمريكية بموقفه المكشوف والمفضوح أن يكون وسيطًا؟ وكيف للوسيط العربي الآخر المتواطئ والمتعاون مع أكابر المجرمين في الأرض أن يكون وسيطًا؟ لا غرابة أبدًا والحال هذه أن تستمر أفعال الإبادة مع استمرار وَهْمِ الوساطة، فالوسطاء هم ذاتهم المجرمون، ولو لم يكونوا كذلك، لما استمرت وتتابعت أفعال جريمة الإبادة الجماعية! ولتوقفت هذه الأفعال من أول شوط قطعه الوسطاء في مضمار الوساطة، لكن الواقع يفضح بجلاء دورهم، وحقيقة أهداف وساطتهم، التي لا تتعدى توفير المزيد من المساحات الزمنية للإدارة الصهيوأمريكية لتصل بأفعال جريمة الإبادة المُستمرّة والمتتابعة إلى هدفها النهائي، وهو فرضُ خيار الاستسلام على أحرار الأُمَّــة الإسلامية في فلسطين ولبنان الذين يمرِّغون أنفَ هذه الإدارة الإجرامية في التراب، فتلجأ إلى الإبادة الجماعية والدمار الشامل للتعويضِ عن خيبتها وفشلها في تحقيق هدفها بعد أكثرَ من عام كامل على بدءِ أول فعل من أفعال جريمتها.
الجيوش العربية.. متى تفعل؟
والمؤسف أن شعوب الأُمَّــة الإسلامية -وخُصُوصًا العربية منها- لا تتساءل حتى مُجَـرّد التساؤل في هذه الظروف الحرجة عن تلك الإعداد الهائلة من سلاح الطيران والصواريخ والمدرعات والمخزونات الكبيرة من الذخيرة والملايين من الجيوش؟ لمن تُجهَّز؟ ولأيَّةِ معركة تُعد؟ وَإذَا لم تُفعّل اليوم فمتى ستفعل؟ وفي مواجهة مَن؟ لم تتساءل هذه الشعوب قَطُّ عن قيمة ما تملكه من قوات عسكرية؟ هل سأل الشعبُ التركي نظامَه الحاكم عن قواته العسكرية ولأيَّةِ مواجهة يدَّخرُها؟ وهل سأل الشعبُ الباكستاني نظامَه الحاكم عن قوته العسكرية ولأيَّةِ مواجهة يدَّخرُها؟ وما قيمةُ قدراته النووية إن لم تكن لحماية الإخوة في الدين في فلسطين وردع المجرمين؟ وبالتأكيد لم يسأل الشعب المصري نظامه الحاكم عن العدوّ الذي يمكنه مواجهته في المستقبل بما لديه من قوات عسكرية مهولة؟ وَإذَا لم يكن ما جرى ويجري لأبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني يستوجب من الجيش المصري التحَرّك فمتى سيتحَرّك وفي مواجهة مَن؟
ولم يتساءل كذلك الشعبُ الجزائري والشعب التونسي عن سِرِّ حيازة نظامَيهما القوةَ العسكرية الضاربة ولمواجهة أي عدو؟ وكان الله في عون شعبَي ليبيا والسودان فقد تمكّنت الإدارة الأمريكية المجرمة من تدمير جيشَيهما وتسليطهما على تدمير مقومات الحياة فيهما! ولن نغرق أبدًا في محاولة استجلاء مواقف شعوب السعوديّة والإمارات والكويت والبحرين وقطر والأردن؛ فأنظمةُ الحكم في هذه الشعوب هي كياناتٌ وظيفية تخدم الإدارة الأمريكية لا تختلف أبدًا عن الكيان الوظيفي الصهيوني، وهذه الشعوب مع الأسف الشديد واقعةٌ تحت الاحتلال المباشر للقوات العسكرية التابعة للإدارة الأمريكية المتواجدة في عموم جغرافية هذه الشعوب بعشرات القواعد الجوية والبرية والبحرية.
ولا أمل أبدًا في أي موقف من جانبِ الأنظمة الحاكمة في شعوب الأُمَّــة الإسلامية، ولا بديلَ أبدًا عن التحَرّكات الشعبيّة، وعن استشعار الشعوبِ لمسؤوليتها الدينية والأخلاقية والإنسانية والعمل بجِدٍّ على مواجهة أيِّ شكل من أشكال الوجود الغربي -وعلى رأسه الإدارة الأمريكية- على أراضي هذه الشعوب، حتى تتوقف جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعبَين الفلسطيني واللبناني، ويغادر الاستعمارُ الصهيوغربي جغرافيا الشعوب الإسلامية، وَإذَا ما كانت هناك من رغبةٍ لإقامة علاقات دبلوماسية مع القوى الغربية فلتكُنْ على أَسَاس من الندية، وإلا فلا حاجةَ أبدًا للوجود الغربي في أراضي الشعوب الإسلامية تحت أي مسمى، وهذه الشعوب يمكنها أن تتعاونَ في ما بينها وتحقّق مصالحهَا المشتركة، وتحمي ثرواتها ومقدراتها وتوظِّفَها في خدمة نهضتها الشاملة، بدلًا عن نهبها من جانب القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها إدارة الإجرام الأمريكية، التي لم تقف عند حَــدِّ نهب الثروات، بل تجاوزت ذلك إلى اقتراف جريمة الإبادة الجماعية المتنقِّلة بحق شعوب الأُمَّــة الإسلامية.