فلسطين بين الجغرافيا والتاريخ.. أرضٌ تنبُضُ بهُــوِيَّة شعبها
منذ القدم، كانت فلسطين موطن شعب أصيل، تجذر في ترابها كما تتجذر أشجار الزيتون في أرضها الخصبة، هذا الشعب الفلسطيني لم يكن يومًا عابرًا في تاريخه ولا طارئًا في حضارته؛ فهو متأصل في كُـلّ ذرة من تراب، حاضر كما الحاضر نفسه، ورغم المحاولات الحثيثة من الحركة الصهيونية لطمس هذه الحقيقة من خلال روايات زائفة تدّعي أن “فلسطين أرض بلا شعب”، إلا أن الوقائع والتاريخ ينبضان بالحقيقة التي لا غبار عليها: هناك شعب فلسطيني حي يتنفس على هذه الأرض.
إن تلك الرواية الصهيونية، التي تزعم أن فلسطين كانت أرضًا فارغةً تنتظر من يأتي ليستوطنها، تستند إلى مغالطة تاريخية فادحة؛ ففي كُـلّ زاوية من هذه الأرض، كانت فلسطين موطنًا لشعب عريق، متمسك بهُــوِيَّته، حامل ثقافة ضاربة في عمق الزمن، وتقاليد حضارية لا يمكن لأحد محوها، ولعل أبرز الأدلة على عروبة فلسطين تلك الروابط المتينة التي تربطها بتاريخها العربي.
منذ آلاف السنين، سكنت القبائل الكنعانية، وهي قبائل سامية، هذه الأرض، وذلك منذ حوالي 3000 عام قبل الميلاد. ولغة الكنعانيين التي كانت قريبة من اللغة العربية تعزز هذا الارتباط الحضاري بين الفلسطينيين والعرب، كما أن الموقع الجغرافي لفلسطين يجعلها جزءًا لا يتجزأ من المشرق العربي، الذي يضم بلاد الشام (سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين) فهي محاطة بالدول العربية، وتحتل موقعًا مركزيًّا في قلب العالم العربي.
أما على الصعيد الثقافي، فَــإنَّ الثقافة والتقاليد الفلسطينية هي امتداد للتراث العربي الأصيل، سواء في المأكل أَو الملبس أَو الأدب والشعر، الفولكلور الفلسطيني يعكس بوضوح هذا التأثر العميق بالثقافة العربية، ويظهر مدى التماهي بين الهُــوِيَّة الفلسطينية والعربية، هذا التاريخ العريق والثقافة الممتدة لآلاف السنين، يؤكّـد بشكل لا لبس فيه أن فلسطين جزء لا ينفصل عن الأُمَّــة العربية، ليست جغرافيًّا فقط، بل حضاريًّا وثقافيًّا أَيْـضًا.
إن المشروع الصهيوني، الذي قام على أَسَاس استعماري بحت، يظهر جليًّا التناقض في ادِّعاءاته؛ فبينما يتحدث قادة المشروع عن “حق تاريخي” مزعوم في فلسطين، تكشف أصولهم الفعلية عن أنهم لا يمتّون لهذه الأرض بأية صلة.
بنيامين نتنياهو، على سبيل المثال، رئيس حكومة الكيان الصهيوني، تعود أصوله إلى بولندا، حَيثُ وُلد والده في وارسو، والده، بنزيون ميليكوفسكي، غيّر اسمه لينسجم مع الهُــوِيَّة الجديدة التي أراد الصهاينة فرضها، كذلك الحال مع إسحاق هرتسوغ، رئيس الكيان الحالي، الذي يعود بأصوله إلى أيرلندا، كما يوآف غالانت، وزير دفاع الكيان، الذي تعود جذوره إلى بولندا، أما وزير الدفاع السابق، بيني غانتس، فَــإنَّ أصوله تعود إلى رومانيا، حَيثُ وُلد والده في أرض بعيدة جغرافيًّا وتاريخيًّا عن فلسطين.
كيف، إذَاً، لمن جاءوا من بولندا وأيرلندا ورومانيا أن يدّعوا حقًّا في أرضٍ لا تربطهم بها علاقة، في حين أن الشعب الفلسطيني الذي عاش وتوارث هذه الأرض على مر الأجيال؟
هذه المفارقة تفضح زيف الادِّعاءات الصهيونية التي تستند إلى “حقوق” ملفقة لا تمت للواقع بصلة، بل هي مُجَـرّد مبرّرات للاحتلال واستغلال القوة، فالقول بأن “فلسطين أرض بلا شعب” لا يصمد أمام الحقائق التاريخية والإنسانية التي تؤكّـد أن فلسطين كانت دائمًا موطنًا لشعب حيّ وصامد.
وعلى الرغم من محاولات الاحتلال والطمس والتزوير، تظل هُــوِيَّة الشعب الفلسطيني حية، نابضة بالحياة والمقاومة، هذا الشعب الذي نحت حضارته في صخور هذه الأرض، وزرعها بأشجار الزيتون التي تقاوم الاحتلال تمامًا كما يقاوم أصحابها الاحتلال، سيظل متجذرًا في أرضه، يروي حضوره بدماء الأجيال، ويغذي صموده بروح المقاومة، وكما قيل: “الأرض تحيا بأهلها، وأهلها يحيا بهم التاريخ والحاضر”.
فلسطين ليست مُجَـرّد جغرافيا أَو ساحة صراع؛ إنها هُــوِيَّة، حضارة، وتاريخ، شعبها ظل ولا يزال جزءًا لا يتجزأ من تكوينها، يزرع في ترابها جذور المقاومة، ويخط بيده صفحات النصر الأكيد بإذن الله.