المراهق السعودي يقامر بخريطة المملكة
بلع المراهق كذبته، ووحيداً وجد نفسه محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي في مواجهة الهزيمة، وعلى ما يبدو أنه هرب من التأنيب الأسري من قبل الأسرة الحاكمة على توريط المملكة فيما لاطاقة لها به، فآثر ألا يعطي الفرصة لذلك وتابع حربه على اليمن، وعلى ما يبدو أن في حسابات بن سلمان أن تتراجع حكومات الدول المتحالفة معه في عدوانها على اليمن عن قرارها بعد تأجير جيوشها، والذهاب معه نحو المغامرة البرّية التي يمكن أن تؤثر في موازين القوى، فبيان إنهاء “عاصفة الحزم” كان مرتبكاً ونسخة طبق الأصل عن البيان الإسرائيلي الذي أعلن إنهاء الحرب على غزة، فكانت “مستودعات الصواريخ البالستية” هي الأنفاق التي قالت إسرائيل إنها دمرتها في غزة معلنة إنها تمكنت من تحقيق أهدافها الاستراتيجية في عدوانها على غزة، ولكن هل يفهم “بن سلمان” ماذا تعني كلمة “استراتيجية”.
في حسابات آل سعود من الضروري أن يتراكم المال في الخزينة، لكن هذه الخزينة التي باتت مرهق بثقل الحروب التي تمولها الحكومة السعودية في المنطقة بدء من سوريا، وليس انتهاءً في اليمن، فكل المناطق العربية مرشحة لمثل هذه الحروب ما إن تقرر الحكومة الأمريكية ذلك وفقاً لأهدافها، وإن كانت الأسرة الحاكمة في المملكة النفطية غير قادرة على ضبط “بن سلمان” الذي يبدو أنه قرر أن يظهر كرجل دولة قوي في المنطقة بما يؤهله ليكون ملكاً وفق الرؤى الأمريكية فيدفع والده إلى التنحي بعد أن ينحي بنفسه ولي العهد الذي يعد العقبة الأخيرة في طريقه نحو الحكم، ويظن السعوديين إنهم في مأمن من التقسيم أو رياح “الربيع العربي” التي ما إن تهب على المملكة حتى يسارع الأمريكيين إلى سد النوافذ السعودية في وجهها، فوقت التغيير في المملكة لم يحن وفق التقديرات الأمريكية والإسرائيلية، وعلى ما يبدو أن السعوديين أدركوا أن شرط الحماية الأكثر أمناً لهم هو التعاون مع الكيان الإسرائيلي في جملة من الملفات، لذا لابد من تفعيل التعاون والتلاقي على الأهداف مع الكيان الإسرائيلي، فكانت الرؤية المشتركة من المسألة السورية والعراقية واليمنية، ونظرة العداء ذاتها تجاه الحكومة الإيرانية، ولايمكن اعتبار ذلك من باب المصادفة بالمطلق.
في المسألة اليمنية اليوم تعقيدات بسيطة الحل، ومركبة في آن معاً، فالرئيس المستقيل والمنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي لم يعد مؤهلاً للعودة إلى البلاد بأي شكل كان، لذا لابد للسعوديين أن يبحثوا عن حل، خاصة وإن الشعب في مجمل المحافظات اليمنية اليوم يميل نحو رفض أي من القوى السياسية التي أيدت العدوان على البلاد، فدماء ما يزيد عن 3 آلاف شهيد لم تجف بعد، وبطبيعة إن العادات القبائلية تربط بين المجتمع اليمني، فإن ثأر اليمنيين سيأتي لا ريب في ذلك.
في زاوية أخرى لربما علمت الرياض أن أنصار الله يحظرون لرد برّي فآثر وزير الدفاع السعودي أن يبلع البيان ويقرر الإبقاء على عاصفة الحزم، وفي حساباته أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالدخول إلى الحرب بطريقة أو بأخرى، لكن البيان الأمريكي الذي تلا البيان بأن الوحدات البحرية التابعة للأسطول الأمريكي موجودة لضمان الحركة التجارية وإنها لن تشارك في عملية القصف البحري على المدن اليمنية أربكه، وفي هذه النقطة يجب السؤال عما تعنيه “عدن” كمدينة بحرية استراتيجية في حسابات السياسة والاقتصاد والعسكر.
ثم، هل فكرت إسرائيل كواحدة من القوى المحاربة لأنصار الله في اليمن ما مصير التنسيق بين حزب الله وجماعة أنصار الله فيما بعد الحرب على اليمن..؟، ألن يكون ثمة متطوعين من أنصار الله للانخراط في صفوف المقاومة الإسلامية في لبنان ضد الكيان الإسرائيلي، وكنتيجة لصلابة الأجساد اليمنية يمكن القول إن مثل هؤلاء المقاتلين في حال تدريبهم وفق برامج حزب الله للإعداد مقاتليه، فإن على تل أبيب أن تعيد حساباتها حيال قوات التدخل السريع في صفوف المقاومة الإسلامية، كما إنها ملزمة اليوم بوضع خطط دفاع جديدة في ظل حالة الاحتقان العالي التي وصلت إليها العديد من المجتمعات العربية كنتيجة لتدخلاتها في العديد من الملفات التي افتعلت في المنطقة، وعلى ذلك لابد للكيان الإسرائيلي من أن يروض في نقطة ما جماح السعوديين.
في المحصلة، أن يبلع المراهق محمد بن سلمان البيان السعودي ويصر على الإبقاء على الحرب، مصراً على توريط المملكة أكثر في جملة من الملفات الساخنة، فإنه يقامر بمصير ملك آل سعود، ويقامر بخريطة المملكة.
المصدر: “عربي برس”