المقاومة خيار الأحرار
يمانيون/ كتابات/ طه العامري
المقاومة فكرة والأفكار لا تموت وإن استشهد حملتها فإنها تنتقل آليا إلى أبطال آخرين يواصلون السير على طريق الحرية والكرامة.
والمقاوم يختاره الله ليكون كذلك، ومن يقاوم الظلم الاجتماعي ومن يقاوم الاحتلال وقوى الاستعمار والاستكبار العالمي فإن الرسالة واحدة وتلتقي أهدافها ويلتقي أبطالها على ضفاف الحرية والكرامة.
خلال العقد الأخير شهدت أقطارنا- كما شهدت أمتنا- الكثير من ظواهر القهر والاستبداد والغطرسة، ربما كان من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى دور أداه أحد مجاهدي الأمة وأحد أبطال المقاومة الذي وضع أمامنا- ومنذ وقت مبكر- سيناريو المرحلة الحالية التي نعيشها.. رجل تحدث عن أمريكا الاستعمارية وخطورة مشروعها التأمري على أمتنا، مؤكدا أن تآمرها لن يقف في نطاق فلسطين أو في نطاق العراق الذي كان حينها يتعرض لحالة حصار من قبل أمريكا وحلفائها.
ربما لم يكن بمقدورنا _حينها _استلهام طروحات البطل والمقاوم الذي قرع أجراس الخطر من على جبال (مران)، محذرا من القادم الاستعماري الذي تعده أمريكا الصهيونية وحلفاؤها ومرتزقتها للأمة ووجودها الحضاري وقيمها الدينية والثقافية والحضارية.!
تداعيات اللحظة التاريخية التي نعيشها وتعيشها أمتنا اليوم، تكشف لنا أهمية طروحات المجاهد والمقاوم والمصلح الاجتماعي السيد حسين بدر الدين الحوثي، الذي نعيش اليوم تداعيات، حذرنا منها منذ أن أعلنت أمريكا نفسها قائدة للعالم الحر أوائل التسعينيات من القرن الماضي، تزامنا مع تفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار المعسكر الاشتراكي.. في تلك اللحظة الزمنية المفعمة بالتداعيات التراجيدية، انطلقت (الصرخة) من قبل مجموعة (الشباب المؤمن) بالتزامن أيضا مع تأسيس جهاز الأمن القومي في البلاد الذي كان ذا نكهة أمريكية خالصة..!
كثيرون لم يستوعبوا تحذيرات هذا المقاوم الذي اجتهد الكثيرون في توصيفه وتوصيف أهدافه ودوافعه، وكنت أحد هؤلاء الذين خاضوا في توصيف الرجل، ولكنني فعلت هذا لبعض الوقت وليس لكل الوقت، حين بنيت مواقفي على فداحة ظلم اجتماعي تعرض له أبناء (صعدة)، واعتبرت مناصرة قضيتهم واجباً وطنياً وكانت -الحرب الثالثة – قد حطت أوزارها، فيما قناعتي بدت بالتشكيك بطروحات الخطاب الإعلامي الرسمي.
اليوم أجد المنطقة تعيش سيناريو حذرنا منه السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، قبل أكثر من عقدين من حدوثه.. اليوم يمكننا أن نعرف لماذا استهدف السيد الشهيد حسين بدر الدين؟ لأن دوافع استهدافه هي ذات الدوافع التي كانت وراء استهداف الشهيد قاسم سليماني، وهي ذاتها التي تقف وراء استهداف سيد شهداء القدس السيد الشهيد حسن نصر الله، وهي وراء استهداف الشهيد اسماعيل هنية، وهي كذلك وراء استهداف الشهيد يحيى السنوار، الذي قطعا لن يكون آخر الشهداء.
الأمر قطعا لا يتوقف هنا، بل يتصل اتصالا مباشرا بما حدث في بلادنا من انقسام وفتنة ثم عدوان وتحالف دولي وإقليمي، وعدوان وحصار وخراب ودمار لكل قدرات بلادنا وشعبنا، ثم كانت معركة طوفان الأقصى وما تبعتها من جرائم امتدت إلى لبنان واليمن والعراق وإيران وسوريا، أحداث دامية ومتوحشة واستهداف القيادات والرمزيات المقاومة، كل هذا لم يكن سوى امتداد لما بدأ في جبال (صعدة) التي واجهت ست حروب قبل أن يأتي العدوان الأمريكي متدثرا بزي (الشرعية) وقبل أن يأتي العدوان على غزة ولبنان متدثرا برداء الثأر من معركة طوفان الأقصى التي أحبطت المخطط الأمريكي الذي سبق وأحبطته حركة السيد الشهيد حسين بدر الدين، التي تلقفها السيد حسن نصر الله، فكانت مواقفه في سوريا أولا ثم في مناصرة مظلومية الشعب اليمني في مواجهة عدوان التحالف الدولي، وصولا إلى طوفان الأقصى ومناصرة أشقائنا في غزة، ثم كانت ( وحدة الساحات) بين أطراف محور المقاومة، وهو المصطلح الذي أطلقه الشهيد المقاوم يحيى السنوار (وحدة الساحات) لتلتحم صنعاء مع فلسطين وليس غزة وحسب مع بيروت ودمشق وصولا إلى بغداد و طهران، هذا التلاحم حملته رؤية أول شهداء المحور- إن جاز التعبير- وهو الشهيد السيد حسين بدر الدين.
فبدأ السيناريو الذي حذرنا منه أول شهداء المحور أكثر وضوحا، وكأن السيد حسين كان يقرأ المستقبل الذي تحاول أمريكا رسم أطيافه لوطننا ومنطقتنا والقضايا العادلة لأمتنا وفي المقدمة قضية فلسطين التي تحاول أمريكا- من وراء كل ما تقوم به اليوم- القضاء على المقاومة وطمس القضية الفلسطينية وإدخال المنطقة في اسطبل التبعية المطلقة للكيان الصهيوني الذي وضع مدماك إقامة هذا الاسطبل عبر ما أطلق عليه (الاتفاق الإبراهيمي)، في وقاحة غير مسبوقة بلغت حد تحريف دين الله ومسخ هوية المسلمين من خلال إلزامهم بدين بديل يتناسب مع الرغبة الصهيونية وهدفها في استلاب إرادة الأمة، برعاية أمريكية ومباركة أنظمة الذل والخيانة في الأمة.
إن العودة لطروحات ومحاضرات السيد الشهيد حسين بدر الدين كافية ليدرك المتابع والمهتم قدسية وأهمية المعركة التي يخوضها اليوم محور المقاومة وأن دور اليمن في المعركة لم يكن اعتباطيا ولا نتاج عواطف تضامنية، بل هو دور استراتيجي رسمته الأقدار له، فكان خارج دائرة وعي الأعداء الذين أربكهم الموقف اليمني كما أربك حلفاءهم في المنطقة، فشكل الموقف اليمني المساند أهم رافعة لمعركة الأقصى في السياق العملياتي، ثم هو استراتيجيا يتماهى مع حادثة الطوفان في 7 أكتوبر 2023م.. لماذا أقول هذا؟
لأن الموقف اليمني يرتبط ارتباطاً مباشراً بالمواجهة مع أمريكا التي ترى فيه خطورة على مصالحها في المنطقة، ليس على مستوى البحار والملاحة، بل وعلى استقرار أتباعها ومخزن مصالحها في نطاق الجوار الجغرافي لليمن الواقع تحت سيطرة اليمن ورغبتها، إذا ما تطورت المواجهة بين الأعداء وبين محور المقاومة، إذ يمكن القول إن الصهاينة العرب مجتمعين ومعهم أمريكا والصهاينة يقعون تحت رحمة الموقف اليمني.