Herelllllan
herelllllan2

عطوان: إذا لم تكن مجازر جباليا وغزة وحرق الأطفال “هولوكوست”، فما هي إذًا؟

عبد الباري عطوان

يتعرّض أهلنا في شمال قطاع غزة المُحتل إلى حرب إبادة بكُل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى حيث يقوم الجيش الإسرائيلي بحرق السكّان أحياء داخل بُيوتهم وفي الشّوارع، والمُستشفيات وكُل شيء يتحرّك، خاصَّةً في مدينة جباليا العملاقة المعروف أهلها بالشّراسة في المُقاومة، والتصدّي لقوّات الاحتلال، والقتال حتى الشّهادة، بحيث أصبحت نسخة أخرى لمدينة جنين، ومخيّم نور شمس في طولكرم بالضفّة الغربيّة، والحديدة في اليمن والنبطيّة في جنوب لبنان.
اليوم أقدم هذا الجيش النّازي على قصف مدرسة “أبو حسين” في المدينة (جباليا) وقتل أكثر من 25 من النّازحين الذين لجأوا إليها مُعظمهم من الأطفال والنّساء والمُسنّين علاوةً على عشرات الإصابات مُعظمها خطيرة جدًّا، تطبيقًا لخطّة “الجنرالات” الإباديّة، وخطوة على طريق تهجير أبناء الشّمال كمُقدّمة لتهجير أهل الجنوب.
أهلنا في شمال غزة المُحاصرين المُجوّعين يُواجهون الموت جُوعًا وعطشًا وبالصّواريخ الإسرائيليّة من الأرض والجو، فلا ماء، ولا طعام، ولا أدوية، فحتّى هذه اللّحظة استشهد أكثر من 400 من أبناء المدينة في الأيّام العشرة الماضية فقط، حيث تتسلّل قوّات الجيش في اللّيل وتُلغّم المنازل، وتضع البراميل المُتفجّرة في الشّارع، ثم تلجأ إلى تدميرها عن بُعد، وتقتل وتحرق من فيها، ويتباهى الجيش الإسرائيلي الأكثر “أخلاقيّة” و”إنسانيّة” في العالم مثلما تقول حُكومته، ويُصدّقها الغرب ويدعمها، ومعه بعض العرب للأسف.
***
إذا لم تكن هذه الإبادة هي الهولوكوست فما هي؟ نسأل ولا ننتظر الإجابة من هذا العالم الغربيّ المُنافق الذي أشبعنا مُحاضرات على مدى أكثر من مئة عام حول حُقوق الإنسان والديمقراطيّة، وحُريّات الفِكر والتّعبير، وتوفير العيش الكريم للبشر.
والمُؤلم أنّ هذه المحارق الحيّة المُوثّقة بالصّوت والصّورة لا تقتصر على جباليا، بل تشمل جميع مُدُن وقُرى ومخيّمات القطاع، فقبل أيّام شاهدنا محرقة مُستشفى شهداء الأقصى في دير البلح التي استُشهد فيها العشرات حرقًا وهُم أحياء، ومُعظمهم من الأطفال أيضًا، حيث لجأوا إليها على أمل أنّ المُستشفيات وجِوارها مناطق آمنة.
قرأت الكثير من كُتب تاريخ الحُروب بحُكم الدّراسة العُليا والمهنة، ولم أجد أيّ إشارة فيها لإقدام المُقاتلين فيها على حرق الجرحى والمُصابين أحياء وتدمير وحرق المُستشفيات إلّا في حرب الإبادة الإسرائيليّة هذه المُستمرّة مُنذ 12 شهرًا، ليس في القطاع فقط، وإنّما الآن في جنوب لبنان أيضًا الذي نقلها بنيامين نتنياهو إليه.
أكبر صادرات إسرائيل، إذا بقيت على قيد الوجود، ستتمثّل في تصدير أدوات وخُبراء قتل الأطفال والخدّج، وإعداد وتنفيذ حُروب الإبادة للمدنيين، وإثبات هذه الخبرات بفيديوهات حيّة.
فعندما تقف وزيرة خارجيّة ألمانيا النازيّة التي تتزعّم حزب الخضر المُفترض أنه حريص على البيئة وحياة النبات والأشجار والمناخ، عندما تقف وتُؤيّد، بل وتُشجّع، دولة الاحتلال على المزيد من قتل الأطفال والنساء في قطاع غزة والضفّة ولبنان، أليس هذا قمّة النازيّة؟
مِن المُؤسف أنّ قادة ووزراء خارجيّة عرب جلسوا جنبًا إلى جنب مع هذه المرأة في قمّة ما يُسمّى بالقمّة الأوروبيّة الخليجيّة، ولم يُطالبوا بطردها على الأقل من الاجتماع، ومِثل هذا الصّمت المُريب هو الذي يُشجّع على استِمرار حرب الإبادة هذه لعرب ومُسلمين في فِلسطين ولبنان، واليمن، وربّما قريبًا جدًّا في العِراق واليمن.
***
لن نُطالب هؤلاء وغيرهم الذين يدّعون أنهم عرب ومُسلمون بالتدخّل لوقف حرب الإبادة هذه والانتصار لأشقّائهم في القطاع، لأنّنا لا نُريد أن نهبط إلى مُستواهم، فنحنُ نعرف طبيعة مشاعرهم الميّتة من أيّ إحساس بالعدالة والكرامة، ونكتفي بالقول إنّ دماء الشّهداء وأرواحهم ستُطاردهم وأنظمتهم لعُقود، إن لم يكن لقُرونٍ قادمة، أمّا أبناء القطاع الأحياء منهم أو الشّهداء، فننْحني لهم احترامًا، لأنّهم أطلقوا الصّاروخ الأوّل لطُوفان الأقصى الذي جاء إعلانًا لبداية النهاية للمشروع الصّهيوني السّرطاني في مِنطقتنا العربيّة، ودمّر كُل أساطيره المُزوّرة، وفضح حقيقته النازيّة والدمويّة.
هذا القطاع الذي نقل الحرب إلى قلب الاحتلال، وحقّق ما عجزت عنه جُيوش 22 دولة عربيّة جرى إنفاق مِئات المِليارات على تسليحها، هذا القطاع الذي صمد 12 شهرًا في مُواجهة هذا الجيش النّازي، ولم يبخل بالشّهداء، وما زال على العهد سينتصر حتمًا مدعومًا بالرّجال الرّجال في اليمن ولبنان والعِراق وسورية، وكُل أذرع محور المُقاومة.. والأيّام بيننا يا عرب التّخاذل والاستِسلام والرّكوع تحت أقدام النازيّة الجديدة وإلهها الأمريكي.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com