نحو معادلة جديدة في الصراع.. الملحمة الفلسطينية والإسناد اليمني
في السابع من أكتوبر 2023، بدأت المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس عملية عسكرية غير مسبوقة ضد العدو الإسرائيلي، عُرفت باسم “طوفان الأقصى”. تُعد هذه العملية أول هجوم بري واسع النطاق منذ سيطرة حماس على غزة في عام 2007عقب فوزها في الانتخابات، مما يجعلها نقطة تحول استراتيجية في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي.
تأتي هذه العملية بعد سلسلة طويلة من المواجهات بين المقاومة الفلسطينية وقوات العدو. فمنذ عام 2008 وحتى عام 2022، نفذ “الجيش” الإسرائيلي ست عمليات عسكرية كبيرة ضد قطاع غزة، إلى جانب عشرات الاعتداءات العسكرية التي لم تعلن بشكل رسمي. ورغم هذه الهجمات، لم يتمكن العدو من تحقيق هدفه الأساسي المتمثل في تصفية المقاومة وسلاحها. على العكس، استطاعت المقاومة تعويض خسائرها وإعادة بناء قدراتها العسكرية والبشرية.
تكتيكات غير مسبوقة وتطورات جديدة
تميزت عملية “طوفان الأقصى” باستخدام تكتيكات جديدة ومفاجئة لم يتمكن العدو الإسرائيلي من رصدها مسبقًا. فقد نجحت المقاومة في تنفيذ هجمات برية وجوية وبحرية، واحتجاز رهائن، مما منع العدو الإسرائيلي من استخدام القوة الجوية بشكل فعال. كما أطلقت المقاومة ما يزيد على خمسة آلاف صاروخ خلال ساعات قليلة، وهو ما يمثل كثافة نيران غير مسبوقة في تاريخ المعارك السابقة.
وتأتي هذه العملية بعد أيام من مسيرة عسكرية ضخمة نفذتها حركة الجهاد الإسلامي، وهي الحركة التي قادت مواجهتين منفردتين ضد العدو الإسرائيلي في السنوات الأخيرة. وفي هذه المواجهة، توحدت جميع فصائل المقاومة الفلسطينية، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهو ما جعل العدو الإسرائيلي تواجه واحدة من أصعب لحظاتها حسب التقارير الإسرائيلية.
رد فعل العدو وتداعيات العملية
ردًا على هذه العملية، أطلق العدو الإسرائيلي عملية مضادة أطلق عليها “السيف الحديدي”، وأعلن حالة الطوارئ في محيط 80 كيلومترًا من قطاع غزة. كما شهدت مناطق المستوطنين حالة من الهلع، وهروب جماعي بعد اقتراب المقاومين من المناطق السكنية. وأعلنت سلطات العدو إغلاق مطار “بن غوريون” الدولي.
تزامنت هذه التطورات مع ذكرى حرب أكتوبر 1973، التي شهدت انتصارات عربية كبيرة، مما أضاف بعدًا تاريخيًا ورمزيًا للعملية الفلسطينية. ودعت فصائل المقاومة إلى تعميم “طوفان الأقصى” على كامل الأراضي المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية، مطالبة الشعب الفلسطيني بالتصدي لقوات الاحتلال والمستوطنين.
تأثير الطوفان على مستقبل العدو
قامت الاستراتيجية الصهيونية العسكرية التي أرساها الرئيس الأول للكيان «بن غوريون» (من 1948 حتى 1963) على أساس أن يكون جيش الاحتلال صاحب المفاجأة في الحرب، وأن يدخل في الحرب وهو واثق من الانتصار فيها، وأن تكون هذه المعارك خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى أساس هذه الاستراتيجية تحرك الجيش الصهيوني في معظم الحروب التي خاضها ضد الجيوش الكلاسيكية العربية، صحيح أنه فقد عنصر المفاجأة في حرب أكتوبر 1973م إلا أنه في نهاية المطاف انتصر فيها.
مختلف الحروب التي خاضها العدو الصهيوني كانت في ظل استراتيجية «بن غوريون» وفي ظل الثنائية القطبية والتفوق الغربي في كثير من الأحيان، إلا أن هذا المسار بدأ في التراجع، وظهرت مؤشراته في سنوات 2000م، 2005م، 2006م، 2008م، 2014م وصولاً إلى «سيف القدس» 2021م وليس انتهاء بـ«طوفان الأقصى» الذي نشهد اليوم الذكرى السنوية الأولى له.
كان الانسحاب الصهيونية بدون مقابل من جنوب ولبنان وكذلك قطاع غزة محطات هامة في تاريخ الصراع ومؤشر تراجع السطوة الصهيونية، استمر هذا المسار وصولاً إلى معركة «طوفان الأقصى» التي تعد محطة نوعية في تاريخ الصراع، لكونها عمقت الأزمات العميقة التي يعاني منها الكيان الصهيوني، وجاءت في ظل أزمة المراكز الرأسمالية الغربية ذاتها الولايات المتحدة وأوروبا، وفي ظل حراك دولي ينزع نحو تجاوز الأحادية القطبية نحو التعدد القطبي عالمياً وصعود قوى جديدة إقليمية.
تبدلت الموازين العالمية وعدم إمكان استمرار النظام الدولي القائم على الأحادية القطبية وصعود دول جديدة هذا الأمر كان سوف يؤثر على وضع الكيان الصهيوني بشكل موضوعي وبالتدريج، إلا أن الأثر بعد «طوفان الأقصى» سيكون أكبر، باعتبار أن الفعل العربي والإسلامي المقاوم سيسرع من هذه الحركة الموضوعية.
أزمة في الكيان الصهيوني
ويعاني الكيان الصهيوني في الوضع الراهن من أزمة مزدوجة على الصعيد الخارجي، أزمة الدور الوظيفي الذي كان يقوم به في المنطقة والمتمثل في محاربة حركات التحرر الوطنية العربية والإيرانية والإثيوبية والإفريقية ومحاربة نهوض هذه الدول والدفاع عن المصالح الاستعمارية الغربية، والأزمة الثانية متعلقة بالأزمة العامة في المراكز الرأسمالية الغربية الأمريكية الأوروبية -اليابان، التي تنعكس على الكيان الصهيوني باعتباره جزءً عضويا من المنظومة الغربية.
إلى جانب ذلك فإن الكيان الصهيوني يعاني من أزمات اجتماعية اقتصادية داخلية، ويواجه أزمة الهجرة المعاكسة عودة المستوطنين إلى بلدانهم الغربية وأزمة توقف هجرة اليهود من الدول الغربية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة وهذه المسألة تحد من قوته وآفاقه المستقبلية، ويواجه أزمة دبلوماسية وسمعة أخلاقية من بعد «طوفان الأقصى» إذ بات منبوذا في الرأي العالم العالمي وفي موقع المتهم في محكمة دولية لأول مرة في تاريخه، بعد أن كان محمياً من النقد والاتهام بغطاء «معاداة السامية»، تتضافر هذه الأزمات لتضعف هذا الكيان وتحول مساره من الصعود نحو استراتيجية «إسرائيل العظمى» المتفوقة في المنطقة والقطب فيها، إلى الهبوط نحو السقوط وإن تطلب ذلك زمناً وبشكل تدريجي.
هذه الأزمة الاستراتيجية عمقتها معركة «طوفان الأقصى»، وهي باقية ومؤثرة على كيان الاحتلال الصهيوني بغض النظر عن الصورة التي سوف تنتهي بها الحرب الراهنة بين جيش العدو الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة، ومما لا شك فيه أن معركة «طوفان الأقصى»، سوف تسرع من حركة الانهيار الداخلية، وما إن تتوقف الحرب حتى تبدأ أزمة العدو الإسرائيلي ، وما عودة الحديث الغربي اليوم عن «حل الدولتين» الظالم في طبيعته للحق الفلسطيني، وحديث الدول الأوروبية عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هذا الحديث السياسي ورغم أنه لا يلبي الحق الفلسطيني، إلا أنه مؤشر لتراجع الحركة الصهيونية فحل الدولتين يرفضه اليمين السياسي والصهيوني في الكيان الصهيوني ولطالما رفضته الولايات المتحدة وبريطانيا، إلا أن هذه الدول اليوم منفتحة على حل كهذا لأنها تدرك أن عدم تقديم مثل هذه التنازلات يمكن أن يؤدي إلى خسارة أكبر.
المشاركة اليمنية.. بعد استراتيجي جديد
بالتزامن مع العمليات في غزة، برزت مشاركة يمنية في المعركة من خلال إطلاق القوات المسلحة اليمنية صواريخ باليستية نحو أهداف “إسرائيلية”. تحمل هذه الخطوة دلالات عميقة، حيث تُعد مؤشرًا على إمكانية تأثير اليمن في المعركة ضد “إسرائيل”، خاصة فيما يتعلق بإمدادات الطاقة العالمية التي تمر عبر البحر الأحمر.
تُظهر هذه المشاركة أن المعركة ضد العدو الصهيوني لا تقتصر على غزة فقط، بل تمتد لتشمل ساحات جديدة مثل اليمن ولبنان والعراق. وهذا ما يزيد من الضغط على “إسرائيل” ويفتح جبهات متعددة تجعل من الصعب على الاحتلال التعامل معها.
نحو معادلة جديدة في الصراع
في ظل الإنهاك الذي يعاني منه العدو الإسرائيلي بسبب حربه المستمرة ضد غزة، تبرز صنعاء كلاعب رئيسي في توسيع نطاق المعركة. فمن خلال العمليات العسكرية التي تنفذها، تعمق صنعاء الأزمة التي تواجهها كل من الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وتجعل الخيارات أمامهما أكثر تعقيدًا.
ختامًا، تُثبت الأحداث الجارية أن الأمة العربية تمتلك من أوراق القوة ما يمكنها من إعادة رسم معادلات الصراع. اليمن اليوم يُثبت أن المقاومة ليست فقط ممكنة، بل قادرة على فرض واقع جديد يتجاوز حدود الإدانات والتصريحات، ويضع الاحتلال أمام خيارات صعبة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تحرير الأرض ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وفتح آفاق جديدة للعالم العربي في النظام العالمي المتغير.