صدى العدوان الإسرائيلي على لبنان: ما الذي قد يخفيه موقف اليمن؟
يمانيون – متابعات
في ظل التصعيد العسكري الأخير في المنطقة، يبرز الموقف اليمني بقيادة السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي كأحد أبرز المواقف الداعمة للبنان وفلسطين. يأتي هذا الموقف في سياق تأكيد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي أن العدوان الإسرائيلي على لبنان هو جزء من استراتيجية أوسع تستهدف الشعب الفلسطيني، مشددًا على أن الدعم اليمني للبنان وحزب الله هو التزام راسخ وثابت.
الموقف اليمني من العدوان على لبنان: دعم ثابت ومساندة فعالة
في خطابه الأسبوعي الأخير يؤكد السيد عبدالملك أن اليمن “لن يتوانى عن إسناد المقاومة في غزة ولبنان” في إشارة إلى دعم سياسي مؤكد وعسكري محتمل، ويعتبر أن الشعبين الفلسطيني واللبناني لن يجدوا في اليمن سوى الوفاء والثبات. هذا الموقف يعكس الرغبة في تعزيز تحالفات استراتيجية هي قائمة أصلاً، لمواجهة التحديات المشتركة التي تواجه الأمة العربية والإسلامية، حيث يرتبط مصير الشعبين بمصيرهما في مواجهة العدوان الخارجي.
هذا الموقف ليس لمجرد الدعاية والاستهلاك، إذ سبقه مواقف كثيرة وإشارات، من بينها تلك التي قدمت في خطاب السيد عبدالملك خلال الذكرى العاشرة لثورة الواحد والعسرين من سبتمبر، وتكررت في خطاب الرئيس المشاط، وبيانات أنصار الله.
إن هذا الموقف نابع من ثقافة وشعور بالمسؤولية، ويعزز ذلك أن مثل هذه المواقف وبنفس المنطق جاءت في غمرة العدوانِ والحصارِ الأميركيِ السعودي على اليمن، قبل خمسِ سنواتٍ من الآن وتحديداً في العام 2017م، حين أعلن السيدُ القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابٍ تاريخيٍ بمناسبة الذكرى السنويةِ للصرخة أن اليمنَ حاضرٌ لمساندةِ حزبِ الله، وقال بالحرف الواحد ” على العدوِ الإسرائيليِ أن يحسب حسابَ شعبِنا اليمنيِ في أيةِ مواجهةٍ مستجدةٍ له مع حزبِ الله في لبنان، أو مع الفلسطينيين، نحن حاضرون في أيِ وقتٍ يحتاج منا حزب الله، أو يحتاج منا الشعبُ الفلسطيني، حاضرون حتى في مثل هذه الظروفِ أن نرسلَ المقاتلين للمشاركة في أي مواجهةٍ مستجدة”.
لربما تساءل البعضُ حينها وباستغرابٍ شديد، ما الذي يمكن لليمن فعلُه، فليخلص حاله أولاً وهو في ذلك الوضعِ الحرجِ والمعقدِ من العدوان والحصار، الذي تتولى كِبْرَه كبرياتُ دول المال والسلاح وفي المقدمة أميركا والسعودية؟ بل ربما كان البعضُ يستبعد إمكانيةَ أن تصمد اليمنُ أمام ذلك التحالف الإقليمي والدولي الذي تشكل من سبعَ عشرة دولة، فضلاً عن أن يهزمَها، ويخرج من عدوانِها وحصارِها قوةً مقتدرةً على فرض معادلاتٍ استراتيجيةٍ في الإقليم بهذا الحجمِ الذي رأيناه ورأيتموه خلال معركةِ طوفانِ الأقصى سواء في العملياتِ البحريةِ أو العملياتِ الاستراتيجية باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة بالصواريخ البالستيةِ والمجنحة والفرط صوتية.
إن ما كان مستبعداً وأشبهَ بالمستحيل بنظر البعض قبل خمس سنوات، أصبح حقيقةً ملموسةً اليوم، إذ شهد الواقع والوقائع ترجمة صادقة من رجل صادق في الحالة الفلسطينية، وسجل اليمن بالفعل تحت ظل هذا القائدِ حضوراً قويا وفاعلاً ومؤثراً اسناداً لغزةَ ومقاومتها والمظلومين فيها، وانخرط اليمن في معركة الإسناد غيرَ آبهٍ بالأثمان المترتبة على ذلك، بل سَخّر كل قدراته وقوتِه وإمكاناتِه البريةِ والبحرية والجوية في سبيل الله والمستضعفين في فلسطين، ونفذ قرابة مائة وتسعين عملية ضد السفن الإسرائيلية والمرتبطةِ بها وفرض حضراً بحريا عطلَ على إثرِه ميناءَ أمِ الرشراش “إيلات”، وأفشلَ وهزمَ أكبرى قوتين بحريتين، نعني أميركا وبريطانيا وما شكلتاه من تحالفات بحرية عجزت عن حماية السفن الإسرائيلية وفشلت في فتح الطريق أمامها، بل عجزت تلك الدول عن حماية سفنها وفرقاطاتها، وأُجبرت في نهاية المطاف على الانسحاب من مسرح العملياتِ اليمنية. هذا اليمن، يمنُ الواحدِ والعشرين من سبتمبر طور طائراتِه المسيرةَ وصواريخَه الاستراتيجية وضرب عمقَ وقلب الكيان المؤقت “تل أبيب” بطائرة يافا أولاً وتالياً بصاروخ فلسطين الفرط صوتي. ونحن هنا لسنا في وارد الاستعراض، بقدر ما نريد سرد الشواهد الحسية على أن اليمن الذي وقف مع غزة وفلسطين، لن يتردد لحظة واحدة في الوقوف مع حزب الله اللبناني إن تطلب الأمر ذلك، أولاً من منطلق الواجب الديني والأخلاقي والإنساني، ومن منطلق الوفاء، لأن اليمن ذاق مرارة الخذلان والتآمر واكتوى به، وكان من أبرز من وقفوا معه منذ اليوم الأول للعدوان حزبُ الله بقيادة سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله.
توقيت الموقف اليمني ودلالاته
الموقف اليمني هذه المرة يأتي بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي الأميركي الغاشم على لبنان ومناطق انتشار حزب الله في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وغيرها، ابتداء من جريمة البيجرات وجريمةِ اللاسلكي مروراً بالغارة العدوانية الإسرائيلية التي استهدفت بنايةً سكنيةً في منطقة القائم بالضاحية الجنوبية التي ارتقى على إثرها القائد الجهادي الكبير إبراهيم عقيل (الحاج عبدالقادر)، والقائد الجهادي أحمد محمود وهبي (أبو حسين سمير)، وعدد من كوادر قوة الرضوان، تمهيداً للعدوان الجوي الواسع الذي دشنه العدو الإسرائيلي في اليوم الأول بستمائة وخمسين طلعة جوية طالت مناطق واسعة في الجنوب والبقاع، والضاحية بضوء ودعم أميركي واضح، بما ترتب عليه من أيام دامية راح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى.
عدوان بهذه الوحشية، وبهذه الغطرسة والتجاوز للخطوط الحمراء لا يمكن أن يذهب إليه العدو الإسرائيلي الغارق في وحل غزة، من دون دعم وموافقة أميركية، ولا يمكن أن يحرك أسراب طائراتِه أميركية الصنع من سبعِ قواعدَ جويةٍ في الأراضي المحتلة للعدوان على لبنان من دون علم أميركا وموافقتها ودعمها ومشاركتها.
التفوق الجوي لن يحقق أهداف العدو
بعض التقارير تشير إلى أن العدو حرك أكثر من ستمئة طائرة حربية في هذا العدوان الهمجي، وفعل ما فعل من الجرائم المؤلمة والمؤسفة، ومعلوم أن معسكر الأعداء يملك تفوقاً جوياً، لكن ذلك التفوق الجوي لا يحسم معركة، ولا يحقق نصراً، و لن يحقق الأهداف التي يريدها العدو الإسرائيلي والأميركي، بفصل حزب الله أو جبهة أخرى عن مساندة غزة، كما أنه لن يحل أزمةَ المهجّرين الصهاينة من شمال فلسطين المحتلة، ولن يؤثر على قدرات وأداء حزب الله وبنيته القوية، وجمهوره وبيئته المتماسكة والمضحية، وهذا ما يؤمن به اليمنيون الأحرار، وتترجمه المقاومة الإسلامية في لبنان، وإن فكر العدو في الذهاب إلى عملية برية كما يتحدث بعض الصهاينة، فسيكون الكيان المؤقت أكبر الخاسرين.
حزب الله: حضور أقوى وأداء أكثر تأثيرا رغم العدوان
من يتابع يوميات الحرب وعمليات حزب الله المتصاعدة، ومناوراته الجديدة ضمن ثلاثة أحزمة نارية تبدأ من الحدود ولا تنتهي عند تل أبيب، يدرك أن حزب الله رغم فقده لعدد من القادة لايزال بخير، بل إن القادة الجدد ربما أكثر قسوة وغلظة على العدو.
لقد أظهرت المقاومة وبالأدلة الحسية قدرةً فائقةً في سرعة ترميم الهرم القيادي، وكانت أكثرَ حضوراً وأداءً في الميدان، وأعلنت ودشنت مرحلة الحساب المفتوح، وأدخلت على خط المواجهة أسلحةً جديدة، ووسعت عملياتِها إلى عمق خمسةٍ وسبعين كيلو متراً في العمق الاستراتيجي للعدو بقصفها الاستراتيجيِ المكثف والمُركز على أهداف عسكرية وحيوية واقتصادية في حيفا وما بعد بعد حيفا وصولا الى تل ابيب، وبدلاً من أن يحقق العدو هدفه في إعادة المغتصبين الصهاينة إلى الشمال، أصبح أمام أزمة جديدة ونازحين جدد بأضعاف أضعاف من نزحوا من الشمال. إن هذا الحزب القويَ بقدراته وقيادته وبيئته لن يُهزم أبداً، وهذا عهدنا بحزب الله الذي ما دخل ميداناً إلا كان فيه الغالب وصاحب اليد العليا.
الخلاصة
في نهاية المطاف يعتقد معظم اليمنيين بأن حزب الله لن يهزم ولن يكون وحيداً ولا متروكاً، وإن طال العدوان وطالت العربدة الصهيونية على لبنان فالشعب اليمني جاهز لكل الاحتمالات ولن يتردد في توجيه أقصى الضربات المؤلمة لكيان العدو إن وصلت الأمور إلى مرحلة تستدعي تدخلاً عسكريا، وهذا ما تؤكده القيادات بمستوياتها المختلفة.
إن الموقف اليمني تجاه لبنان وفلسطين يتجاوز كونه مجرد دعم سياسي، بل يعكس استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الوحدة والمعركة في مواجهة التحديات المشتركة. وتأكيد السيد عبدالملك على التزام اليمن بدعم المقاومة في لبنان وفلسطين، يعكس إدراكًا عميقًا لأهمية الوحدة والمساندة في صراع لا يبدو أنه سينتهي قريبًا. وفي ظل هذه الظروف، تبقى حركات المقاومة في لبنان وفلسطين محورية في رسم مستقبل المنطقة.
———————————-
الميادين|| علي ظافر