ثورة 21 سبتمبر.. لماذا وإلى أين؟
كما هو حال كل الثورات، يجب قراءة واقعها وأسبابها ونتائجها، لأن المجتمعات الحية، هي تلك التي لا تنفك أن تراجع تاريخها، وتصلح من شأنها، والثورات باعتبارها حدثا جوهريا خلاقا في التاريخ لأي بلد أو أي مجتمع، فإنها حرية بأن تكون مادة للبحث والتمحيص، لمعرفة ما لها وما عليها ؟ لماذا وإلى أين؟.
إن ثورة 21 سبتمبر، قد قطعت شوطاً من عمرها وصل عقدا كاملا، مع حلول الذكرى العاشرة لها هذا الأسبوع، وهو زمن كاف، نظريا، للعودة إليها، وقراءتها مجددا، وتقديمها كما هي ، كما هي يومها في العام 2014، وكما هي اليوم 2024.
أسباب الثورة:
كانت ثورة سبتمبر قبل 62 عاما، قد رفعت شعار بناء جيش وطني قوي، يحمي البلاد ومكتسبات الثورة، وبناء مجتمع خال من الطبقية، إلا أن خمسة عقود من عمرها، مضت، ليكتشف الشعب أن هناك جيش عائلي، لحماية الكرسي وتوزيع الثروات على ثلة من أبناء الرئيس حينها وأبناء أخيه، وأبناء عمومته، ويلقي بالفتات لمن يعمل معه، في أي موقع من مواقع السلطة، وصل به الحال أن وصف الجيش في مقابلة تلفزيونية شهيرة، بأنه مخصص للاستعراض العسكري، وقمع التحركات الداخلية، وهو الأمر الذي كان واضحا، فعلا، وكانت لحظة الاعتراف تلك لحظة نادرة، باعتراف نادر، وصريح في نفس الوقت، وتؤكده الوقائع، ولا تنفيه الواقع.
إن استخدام الجيش اليمني في قمع الشمال والجنوب ولد حالة من الغضب المتراكم، التي وصلت إلى مرحلة الانفجار في العام 2011، وتظافرت عدة أسباب أخرى للوصول إلى تلك اللحظة التاريخية، أهمها الوضع الاقتصادي المتردي الذي كان يتراجع يوما بعد يوم، وعلى سبيل المثال، كانت نسبة الفقر في البلاد 35% عام 2005-2006، وزادت النسبة بشكل خطير حتى وصلت إلى 49% في العام، 2014 م، وارتفع عدد الفقراء 7 مليون إلى 12 مليون، بزيادة تصل إلى 5 مليون مواطن، ما يعني أن التراجع لو ظل في نفس الوتيرة، لوصل خلال عشر سنوات أخرى، الى 75% وهي أرقام كارثية كان يجب إيقافها، ووضع حد لها.
إنجازات الثورة
هناك العديد من الإنجازات لثورة 21 سبتمبر، يمكن اجمالها في عدة نقاط:
1- استكمال أهداف ثورة 11 فبراير 2011، الثورة الشبابية الشعبية السلمية، وفضح أركان النظام الذين حاولوا تقاسم السلطة، وإنتاج النظام الهجين بسلطة ذات رأسين، بدلا من نظام السلطة والمعارضة، والالتفاف على مطالب 11 فبراير عبر المبادرة الخليجية.
2- لا يختلف اثنان على أن الثورة قضت على عهد طويل من الوصاية التي كانت قد فرضت على بلادنا، من قبل السعودية زمنا، ومن قبل واشنطن مؤخرا، والتي وسعت من وصايتها لتشمل كل الجوانب ، كما كشفت عن ذلك وثائق خلية التجسس الامريكية الإسرائيلية، والتي لم تترك مجالا في حياة اليمنيين إلا وأدخلت فيه الخراب والتغيير والتبديل، وفقا لمصالح واشنطن، وتدمير مقدرات البلد، وجعله مرتهنا لإملاءات أمريكا، بغرض الوصول إلى بلد تابع، مدمر الجيش والاقتصاد، وتوالت الدفعات العسكرية الأمريكية في اليمن، حتى وصلت إلى إقامة قواعد في العند، وتجمعات كبيرة في صنعاء بآلاف جنود المارينز، وغيرها من مظاهر الوصاية والهيمنة، وعلى رأسها الغارات التي قتلت النساء والأطفال بالعشرات في عدد من المحافظات ومنها ذمار ولحج، وغيرها.
3- بعد عشر سنوات، من عمر الثورة، أثبتت أنها قادرة على إنشاء جيش وطني قوي، فعلا، وتحقيق أهم أهداف ثورة 26 سبتمبر 1962، وها هو الجيش اليمني يتمكن بفضل الله، وعونه، من الصمود أمام تحالف أكثر من عشر دول تعتبر من الدول الأكثر مالا والاعلى تسليحا في المنطقة، والمدعومة من واشنطن والغرب، وعلى مدى أكثر من ثمان سنوات، كان الصمود والتصاعد في القوة والعدة والعتاد، بما ساعد في انكفاء التحالف المعادي، والدخول في هدنة انتهت بمرحلة خفض التصعيد ولا تزال مستمر إلى اليوم، والجديد والمهم، هو الانخراط العسكري في اسناد غزة، ومقارعة أمريكا وبريطانيا بحريا، وإفشال مخططاتها، لمنع إسناد غزة.
هذه المواجهة كشفت عن مدى التطور في التصنيع العسكري، والتعاظم في القوة، وصولا إلى صواريخ بحرية تستخدم لأول مرة، ضد أهداف بحرية متحركة، وتجبر لأول مرة حاملات الطائرات الامريكية على التراجع، وتقصف بصاروخ باليتستي فرط صوتي لأول مرة أيضا، عمق كيان العدو الصهيوني، إضافة إلى ترسانة الأسراب من الطائرات المسيرة في سلاح الجو المسير، وغيرها من الأمور التي توضح مدى التطور الكبير، حتى وصف السيد القائد عبدالملك الحوثي، بان اليمن باتت تمتلك تقنيات عسكرية ليست موجودة لدى كثير من دول المنطقة، وهذا الأمر لم يعد سرا، وليس مجرد ادعاء، فقد تحدث به العدو والصديق، وأشاد به الصديق، وانذهل أمامه العدو، والحمد لله.
عيوب أم مزايا
إنه من أهم مزايا ثورة 21 سبتمبر، لم تعتمد على أبنائها فقط لإدارة البلد، بعد نجاحها، وقررت أن تكون تلك المرحلة مختلفة عن أي ثورات اندلعت في أي زمان وأي مكان، لتعلن عن روح ثورية أخلاقية إنسانية، غير اقصائية، رافعة عنوان السلم والشراكة، الذي وضعته لاتفاق إدارة البلد وتحمل المسؤولية المشتركة من جميع القوى السياسية والاجتماعية.
وما نظرت إليه الثورة كمزية، نظر إليه البعض كواحد من عيوبها، لأن الاعتماد على طبقة سياسية قديمة، قامت ضدها الثورة، سيبقي حالة البلد في وضع ما قبل الثورة، شاءت الثورة أم أبت، فتلك الأدوات القديمة كان يجب أن تتحمل المسؤولية عن أخطائها، التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه، وما دفع لاندلاع الثورة الشعبية التي نتحدث عنها، وليس اشراكها في السلطة، وابقائها في مناصبها.
وليس خافيا هنا على كل مراقب حصيف، أن ذلك فعلا هو ما حصل، فقد كانت المراكز القديمة في أجهزة الدولة، تثقل كاهل التغيير، وتمنع الانتقال إلى مرحلة جديدة من الإصلاحات الإدارية، والحكومية، وتضع الكوابح أمام عجلة التغيير، ببساطة لأنها الخاسر الوحيد لجملة من المصالح والعائدات التي كانت تعتاش عليها على حساب مصالح البلد والشعب ، وبأساليب أقل ما يقال عنها أنها الفساد بعينه، وكانت التقارير الدولية عن هذا الموضوع تحديدا تثير الكثير من الاشمئزاز عن الحالة التي كانت تعيشها اليمن في ظل شبكة من الفاسدين والنفعيين ومصاصي دماء الشعب اليمني.
ميزة ثانية، وهي أيضا متعلقة بالمزية السابقة من زاوية ما، وذلك بما يتعلق بالعفو العام، وفتح صفحة جديدة، فالثورة لم تعلق المشانق، ولم تنصب محاكم عرفية، حتى عندما تخلى الرئيس عن مسؤولياته، ومعه حكومته، بتقديم الاستقالة، ورفض تسيير الأعمال في البلد، والدفع نحو الانهيار الأمني والاقتصادي، إلا أن الثورة اكتفت بوضعهم تحت الإقامة الجبرية، وذهبت للبحث عن بديل سياسي مع كل الأطراف السياسة بتسهيل من الأمم المتحدة حينها، وكان من بين الخيارات هو عودة الرئيس والحكومة عن الاستقالة، او البحث في تشكيل مجلس رئاسي من الأحزاب والقوى الرئيسية.
هنا مرة أخرى، يأتي من ينظر إلى هذه الميزة كعيب، ويطرح إنه كان لا بد للثورة ان توجد البديل الثوري، عن كل المؤسسات الحكومية وإدارة البلد في مرحلة انتقالية ثم تحدد خريطة طريق للدخول في مرحلة البناء والتغيير المؤسسي لتجاوز كل عيوب المرحلة الماضية والتأسيس لواقع جديد بناء على الأهداف المرفوعة للثورة وأبياتها المعروفة.
تداعيات العدوان
عشر سنوات كانت كفيلة بتبيان مزايا وعيوب هذه الثورة، إلا أن ما تلاها من عدوان، جعل البحث عن المزايا والعيوب مشوبا بنتائج كارثية لهذا العدوان، يستطيع من يحاول الاصطياد في المياه العكرة، أن يحمل كل تلك الكوارث الناتجة عن العدوان، ويضعها تحت مسؤولية 21 سبتمبر.
لذلك فإن الباحث هنا بحاجة إلى مزيد من الانصاف والتحرر ليضع الأمور في نصابها، ويحمل النتائج على مقدماتها، ويسمي الأمور بمسمياتها، وأن يبتعد جهده عن الخلط، وأجزم أن كثيرا من ذلك الخلط كان مقصودا، بغرض تشويه الثورة، وهو على كل حال ناتج عن أعداء وخصوم الثورة، وليس عن جهات محايدة بالمطلق، ولهذا تبدو المزالق التي أدخلوا انفسهم فيها مكشوفة، ولا تنطلي إلا على قاصري الوعي، أو من يبحثون عن قشة يتعلقون بها في بحار معاداتهم للثورة السبتمبرية المجيدة.
وعلى سبيل المثال، فإن الوضع الكارثي لحالة الاقتصاد الناتجة عن العدوان، وانقطاع المرتبات، والنقص في الخدمات، وخصوصا التعليم والصحة، كلها أشياء ملموسة، يلمسها المواطن، إلا أن السبب لم يكن هو الثورة، بل هذه واحدة من نتاج مباشرة للعدوان السعودي الأمريكي، والمستمر منذ عشر سنوات الا بضعة اشهر، وليس خافيا سيطرة قوى العدوان على مساحات واسعة من البلاد شمالا وشرقا، وعلى الشريط الساحلي الجنوبي وجزءً من الغربي، وكذلك الجزر اليمنية، والموانئ، ونهب النفط والغاز، وإيقاف المحطة الكهربائية الغازية في مأرب، كلها تداعيات ناتجة مباشرة عن العدوان، ولا يزال يرفض العدوان ومرتزقته تنفيذ خارطة الطريق الإنسانية، والتي انتزعت اعترافا منهم بمسؤوليتهم عن المرتبات والخدمات، ونهب النفط أيضا.
إن هذه التداعيات الكارثية، يحاول البعض الصاقها بثورة سبتمبر، ويتناسى أن هناك عدوانا طويلا عريضا، يتحمل كل ذلك، بشكل مباشر، بالتدمير الممنهج والحصار الظالم، أو غير المباشر بالنهب المنظم للثروات ونقل البنك ومنع وصول المرتبات ، وهلم جرا، فالقائمة طويلة ومعروفة.
أخيراً
إن ثورة 21 سبتمبر كانت خيار الضرورة ولم تكن خيارات ترفيا، وقد حققت الكثير من الإنجازات، ولا تزال في طريقها لإكمال أهدافها، والوصول الى الواقع المنشود لشعبنا العظيم في شمال الوطن وجنوبه، وشرقه وغربه ووسطه، وحاولت ان تكون ثورة مختلفة أخلاقيا وإنسانيا، مع قوى لم تنظر الى ذلك كمظهر قوة، بل حسبته مظهر ضعف، ولما أحست تلك القوى ومن خلفها القوى الإقليمية والدولية بأن الثورة قوية، وقادرة، تكالبت عليها بتحالف كبير قتلا وتدميرا وتوحشا وتمزيقا وتفتيتا، وهذا ليس عيب الثورة، بل هو مؤشر مميزات كبيرة، لا سيما إذا كان معارضو الثورة وأعداؤها هم أعداء الوطن، والمتآمرين عليه في الداخل والخارج.