القوات المسلحة والتصنيع الحربي.. الإنجاز الأعظم لثورة الـ21 من سبتمبر الخالدة
قبل ثورة 21 سبتمبر، كان المشهد العسكري مكبلاً بالوصاية الخارجية، فالبلد بأكمله كان مستباحاً على كل المستويات. وكتشخيص لهذا الواقع يقول الرئيس المشاط في خطاب له بمناسبة الذكرى العاشرة لثورة 21 سبتمبر إن أعداء اليمن بقيادة أمريكا قاموا بهيكلة الجيش، وتدمير أسلحته الاستراتيجية، واستهدافه بضربات غادرة وتفجيرات دامية، فذبح الضباط على جوانب الطرقات، وفجّر الانتحاريون أنفسهم وسط العروض العسكرية، وأمام بوابات الكليات، وأسقطت الطائرات، وتوالت تلك الضربات حتى صارت الجماعات التكفيرية تسيطر على المدن، وأجزاء كبيرة من بعض المحافظات، وصارت الاغتيالات أحداثاً يومية روتينية وأصبحت أصوات الانفجارات التكفيرية حدثاً لا يثير استنكار أحد.
هذا المشهد كان يتم برعاية وتخطيط من قبل السفارة الأمريكية في صنعاء، التي كانت تخطط لاحتلال البلد والسيطرة على مقدراته دون أدنى أية مقاومة، وهو ما تحقق بالفعل، من خلال وجود المئات من الجنود وضباط المارينز الذين استباحوا صنعاء، وسيطروا على مقاليد الحكم، وتحول المسؤولون وقادة الأحزاب إلى مجرد بيادق يحركها السفير الأمريكي أينما شاء وكيفما شاء.
محاولة واشنطن وأد الثورة
لقد جاءت ثورة 21 سبتمبر في ظل هذا الواقع المأساوي، فرفعت شعار التصحيح في كل المجالات، وفي مقدمة ذلك وضع الجيش، وإعادة بنائه، فاستشعر الأمريكيون المحتلون للبلد خطورة هذا التوجه، فقرروا إخماد هذه الثورة في مهدها، مستغلين أوراق القوة التي يمتلكونها من خلال السيطرة على المسؤولين وقادة الدولة، وقيادات الأحزاب، وتجنيد السعودية والإمارات وكل الدول العربية المطبعة مع “إسرائيل” للقيام بهذه المهمة، ولهذا جاء العدوان الأمريكي السعودي على بلادنا في 26 مارس 2015م، مركزاً على استهداف كل المقرات والمواقع العسكرية، واستهداف مخازن الأسلحة حتى لا تستفيد منها الثورة.
وأمام هذه الحملة الشرسة، كان الهدف هو القضاء على ثورة 21 سبتمبر في مهدها، وهي حملة كبيرة جداً، سخرت لها كافة الإمكانات المادية والإعلامية والبشرية “المرتزقة”، وكانت بالفعل قادرة على القضاء على الثورة واجهاضها، لولا عناية الله، وحكمة القيادة وتدافع الشعب حولها.
تطوير الأسلحة الباليستية
كان التساؤل الأبرز هنا: كيف يمكن لثورة فتية أن تقاوم عدواناً كبيراً بهذا الحجم، ومؤامرة دنيئة من الداخل، ومعاناة كبيرة على كافة المستويات؟.
في بداية العدوان، توارى الكثير من أفراد الجيش الذين كانوا محسوبين على النظام السابق، وفضلوا البقاء في منازلهم، في حين اندفع التكفيريون وأعضاء حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) إلى الجهة المقابلة ليكونوا “مرتزقة” لدى الأمريكيين والسعوديين، ولم يبق في الساحة سوى الأحرار، والقبائل اليمنية، فتم تشكيل “الجيش واللجان الشعبية” الذين تولوا في البداية زمام المبادرة، ومقاومة العدوان بالأسلحة البدائية التقليدية، فكان المقاتل اليمني لا يمتلك سوى البندقية والرشاش، ليواجه بها طائرات إف 15 وإف 16، ودبابات الإبرامز، وطائرات الأباتشي، وجحافل المرتزقة الذين توافدوا من كل حدب وصوب.
واجه الأبطال الأحرار بكل شراسة العدوان الغاشم، وبمقاومة لا مثيل لها في التاريخ، ومع المقاومة كان مسار التصنيع الحربي يشق طريقه بكل ما هو متاح، وحين تم صناعة أول الصواريخ البدائية، كانت اليمن تثبت أول المداميك نحو هذه الخطوة الهامة، لتمضي بعد ذلك في تحقيق الإنجازات الواحدة تلو الأخرى، وفجع العدوان ومرتزقته بضربات مؤلمة سددها أبطال الجيش واللجان الشعبية في أكثر من جبهة قتالية، كانت كفيلة بإفشال الكثير من مخططاته الجهنمية وإحباطها قبل تنفيذها، لا سيما بعد دخول صواريخ الزلزال الباليستية محلية الصنع إلى الميدان لأول مرة عام 2016، حيث كشف قسم التصنيع العسكري عن منظومة صواريخ “الصرخة” 3 محلية الصنع، وتم استخدامُها لأول مرة على معسكر العين الحارة السعودي في جيزان جنوبي السعودية، منتصف ابريل 2016، حيث تميزت بأنها أكثر دقة في إصابة الهدف، إضافة إلى القدرة العالية على اختراق التحصينات للعدو وتدميرها.
وفي سياق التطوير للقدرات العسكرية أطلقت القوة الصاروخية مساء الأحد 9 أكتوبر 2016م صاروخاً باليستياً من طراز بركان1 المطوَّر محلياً، على قاعدة فهد الجوية في الطائف، حيث سادت حالة من الإرباك والهلع سيطرت على محيط القاعدة الجوية بالطائف وهرعت سياراتُ الإسعاف صوب المكان، ثم توالت العمليات، فتم إطلاق بركان 1 على مطار الملك عبد العزيز بجدة في 27 أكتوبر 2016م، كأول صاروخٍ يصل إلى هذه المدينة منذ بدء العدوان على اليمن في 26 مارس 2015.
ويعتبر صاروخ بركان1 المطوّر محلياً عن صاروخ سكود بمدى يصل إلى 800 كيلومتر وطوله 12 متراً من أقوى نسخ صاروخ سكود المعدلة عربياً.
الطيران المسير.. تحول استراتيجي في المعركة
وفي سياق التطوير في الصواريخ الباليستية، مضت القوات المسلحة اليمنية في صناعة الطيران المسير، الذي دخل كسلاح فاعل ومؤثر في المعركة، وحقق ضربات مؤلمة وموجعة على الأعداء.
في مطلع يناير 2019م أكد المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع أن لدى الجيش واللجان الشعبيّة مخزوناً كبيراً من الطائرات المسيرة، وكذلك الصواريخ الباليستية الحديثة، مُشيراً إلى أن التصنيع الحربي حقّق خطوات متقدمة في تصنيع الطيران المسيّر، وأن العام الخامس من العدوان على اليمن سيكون عام الطيران المسير.
وبالفعل تحولت الأقوال إلى أفعال، وبدأ الطيران المسيّر يشقُّ طريقَه، متتبعاً تجمعاتٍ المرتزِقة والمنشآت النفطية الحيوية للسعوديّة، وقد حقّق هذا السلاح تحولاً استراتيجياً في مسار المعركة، ونفّــذ الكثير من العمليات الكبرى.
ومن أبرز العمليات للطيران المسير، عملية التاسع من رمضان 2019م في الخامس عشر من شهر مايو 2019، حيث نفّــذ سلاحُ الجو المسيّر عمليةً هجوميةً كبرى استهدفت منشآتٍ حيويةً تابعة للنظام السعوديّ في محافظتَي الدوادمي وعفيف بمنطقة الرياض، وَسُمِّيَت هذه العملية بـ “عملية التاسع من رمضان” ، وتمت بـ 7 طائرات مسيرة، لأول مرة منذ بدء العدوان على بلادنا في 26 مارس 2015، واستهدفت تلك الطائرات محطتي الضخِ البتروليةَ في خطِ الأنبوب الرئيس للنفطِ 8-7 الذي يربط بين رأسِ التنورة وينُبع والذي يضخُ ثلاثةَ ملايين برميلَ نفطٍ يومياً.
وأدَّت العملية العسكريّة الناجحة التي نُفذت بعد رصد دقيق إلى التوقف الكامل لضخ النفطِ عبر خط الأُنبوب وأثرت بشكل مباشر على اقتصاد المملكة.
كانت هذه العملية تدشيناً لعمليات عسكرية كبيرة للقوات المسلحة اليمنية، وجهت بالتتابع على أهداف داخل المملكة العربية السعودية وبقية الجبهات، وكان لها الأثر الكبير على سير المعارك، فقد توقف مطار أبها عدة مرات نتيجة هذا الاستهداف، ثم جاءت بعد ذلك العملية الكبرى للجيش واللجان الشعبية ضد المنشآت النفطية السعوديّة، حيث نفّــذت 10 طائرات مسيّرة يوم 14 سبتمبر 2019 هجوماً استهدف حقلَي نفط بقيق وخريص في المنطقة الشرقية بالسعوديّة، وأسفرت هذه العملية عن توقفِ نصفِ إنتاج السعوديّة من النفط، أي خسارة السعوديّة ما يقارب 5 ملايين برميل من النفط يومياً.
ما بعد طوفان الأقصى.. القوة الخفية
استطاعت القوات المسلحة اليمنية حماية مكتسبات ثورة 21 سبتمبر خلال 9 أعوام من العدوان الأمريكي السعودي الغاشم على البلد، والانطلاق بقوة نحو التصنيع الحربي، واستخدام هذه الأسلحة بطريقة فاجأت الصديق والبعيد.
قبل طوفان الأقصى، كانت القوات المسلحة قد عرضت الكثير من أسلحتها الاستراتيجية خلال العروض العسكرية المتعددة، وأشهرها عرض “وعدة الآخرة” في الحديدة، بالتوازي مع احتفالات الشعب اليمني بالذكرى التاسعة لثورة 21 سبتمبر عام 2023م، ثم العرض العسكري في ميدان السبعين في المناسبة ذاتها، وظهرت خلال العرض الكثير من الأسلحة، أشهرها طوفان الباليستي، وقدس بأنواعه المتعددة، وفلق، وغيرها من الأسلحة.
غير أن ما حدث في السنوات التاسع الماضية كانت مساراً، وما حدث بعد عملية طوفان الأقصى مسار آخر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالمشاركة اليمنية في مساندة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، دفعت القوات المسلحة اليمنية للمزيد من الصناعة والتطوير للأسلحة والطائرات المسيرة، حتى وصلنا في مجال تصنيع الطيران المسير إلى إنتاج أحدث نوع من هذه الأسلحة المتمثل بطائرة “يافا” التي تمكنت من اختراق كافة الدفاعات الجوية وضرب عمق الكيان الصهيوني في عاصمته المسماة “تل أبيب”.
وفي مجال تصنيع الصواريخ الباليستية تمكنت القوات المسلحة اليمنية من إنتاج أفضل الصواريخ وأكثرها تطوراً، وآخرها ما تم الإعلان عنه من تصنيع صاروخ “فلسطين 2” الفرط صوتي، الذي تبلع سرعته أكثر من سرعة الصوت 16 ماخ، وقد تم اطلاقه صوب “تل أبيب” وتجاوز كل أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية والخليجية والصهيونية.
هذا التطور في مجال التصنيع الحربي، سواء في الطيران المسير، أو الصواريخ الباليستية، ما كان ليحدث لولا قيام ثورة 21 سبتمبر، وثبات وصمود الشعب اليمني طيلة السنوات التسع الماضية من عمر العدوان الغاشم، وتحويل التحديات إلى فرص، وهي تحديات أفشلت كل مخططات الأعداء، فقبل العدوان والثورة كان المخطط الأمريكي الصهيوني هو تحويل اليمن إلى بلد، فاقد للقوة العسكرية وللأسلحة، ومنهار أمنياً وعسكرياً، لكن اليمن بعد هذه السنوات الطويلة من الحرب تحول إلى قوة عسكرية كبيرة مهابة في المنطقة، وإلى قوة تجابه الأمريكيين وتحطم بوارجهم، وتفر حاملات الطائرات من بأسهم وقوة صلابتهم، وهي قوة لا تزال تتراكم يوماً بعد يوم، في حين تبشرنا القيادة الثورية والسياسية بأن القادم سيكون أعظم.