رسالة السنوار للسيد حسن نصر الله.. الأبعاد والدلالات
في رسالةٍ حملت عدةَ أبعادٍ استراتيجيةٍ ودلالاتٍ مهمة؛ عكست قوةَ وثباتَ المقاومة الإسلامية في غزة وصمودها لما يقارب العامَ من معركة “طوفان الأقصى” البطولية؛ ومستوى التضامن والوَحدة في مواجهة كيان الاحتلال الصهيوني.
رسالة القائد “يحيى السنوار”، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إلى الأمين العام لحزب الله، سماحة السيد حسن نصر الله، جاءت كردٍّ على رسالة تهنئة وتعزية أرسلها السيد نصر الله بعد استشهاد القائد “إسماعيل هنية”، الرئيس السابق للمكتب السياسي لحماس، الذي استشهد في طهران في 31 يوليو الماضي.
في رسالته، شكر “السنوار” السيد “نصر الله” على دعمه ومساندته لحماس في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وأكّـد أن دماءَ الشهداء، بما في ذلك دماء القادة مثل إسماعيل هنية، ليست أغلى من دماء أبناء الشعب الفلسطيني، وأشَارَ إلى أن هذه التضحيات ستزيدُ من صلابة وقوة المقاومة في مواجهة الاحتلال.
وأكّـد “السنوار” أن حركةَ حماس ستظل ثابتةً على مبادئها، والتي تشمل وحدة الشعب الفلسطيني على خيار الجهاد والمقاومة، ووحدة الأُمَّــة في مواجهة المشروع الصهيوني، حتى تحرير الأرض وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
رسالةٌ للتأكيد على الوَحدة والتضامن والاستمرارية:
في هذا الإطار؛ يعكسُ شكرَ القائد “السنوار” في الرسالة السيد “نصر الله” على دعمه؛ وَحدةَ الصف بين حماس وحزب الله في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ويقرأ فيها ما يعزز فكرة التضامن بين مختلف فصائل الجهاد والمقاومة في عموم محور الجهاد والمقاومة.
كما أن الرسالة تشير إلى التأكيد على استمرارية المقاومة، إذ يشدّد القائد “السنوار” على أن دماء الشهداء، بما في ذلك القادة، ليست أغلى من دماء الشعب الفلسطيني، وأن هذه التضحيات ستزيد من عزيمة المقاومة، وتعكس التزام حماس بمواصلة العمل المقاوم حتى تحقيق أهدافها.
هذه الرسالة -بحسب مراقبين- تؤكّـد على ثبات حماس على مبادئها، مثل: “وحدة الشعب الفلسطيني وخيار الجهاد والمقاومة، ووحدة الأُمَّــة في مواجهة المشروع الصهيوني”؛ وهذا يعكس الرؤية الاستراتيجية لفصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية طويلة الأمد.
كما أن جوهرَها يتضمَّنُ الرَّدَّ على التحديات، في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها حماس، بما في ذلك الاغتيالات والضغوط الدولية، وتأتي هذه الرسالة كإشارة إلى أن الحركة لن تتراجع وستظل متمسكة بمواقفها ومبادئها مهما كانت تلك التحديات.
رسالة إظهار الثبات والقوة للمقاومة:
في السياق، وفي قراءةٍ متصلة يرى عدد من الخبراء أن الرسالة عكست مستوى التحالف العالي بين حماس وحزب الله؛ ما يعزز من قوة المحور المقاوم في المنطقة، وهذا التحالف يمكن أن يكون له تأثير كبير على التوازنات الإقليمية، خَاصَّة في مواجهة الضغوط الإسرائيلية والدولية، من خلال التأكيد على الاستمرار في المقاومة وعدم التراجع.
وترسل حماس رسالة إلى أعدائها وحلفائها على حَــدٍّ سواء بأنها لا تزالُ قويةً ومتماسكة، في تأكيدٍ على التمسك بالمبادئ الأَسَاسية؛ ما يعزز من شرعية حماس بين أنصارها وحاضنتها الشعبيّة، مؤكّـدةً التزامها بأهدافها الطويلة الأمد.
وفي إطار الرد على اغتيال “إسماعيل هنية”، يؤكّـد مراقبون أن الرسالة تأتي كإشارة إلى أن هذه الاغتيالات لن تضعف الحركة بل ستزيدها إصرارًا على مواصلة النضال، كما أنها ترسلُ رسالةً إلى المجتمع الدولي، من خلال التأكيد على وحدة الأُمَّــة في مواجهة المشروع الصهيوني، تسعى إلى كسب دعم أوسع من الدول والشعوب التي تتعاطف مع القضية الفلسطينية.
بشكلٍ عام، فهذه الرسالة تعكس استراتيجية حماس في تعزيز تحالفاتها، وإظهار قوتها وثباتها، والتمسك بمبادئها، والرد على التحديات بصلابة.
رسالةٌ للردع وتعزيز التنسيق:
ميدانيًّا، رسالة القائد “يحيى السنوار” يمكن أن تُقرأ على عدة مستويات عملياتية، من خلال التأكيد على العلاقة القوية مع حزب الله والتي تشير إلى تعزيز التنسيق العملياتي بين الجانبين، وقد يشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتخطيط المشترك للعمليات، وتقديم الدعم اللوجستي.
في السياق؛ يرى مراقبون أنها تحمل رسالة ردع قوية إلى “إسرائيل”، مفادها أن اغتيال القادة لن يضعف الحركة بل سيزيدها إصرارًا، وهذا سيكون له تأثير على حسابات حكومة الكيان في اتِّخاذ قراراتها العملياتية المستقبلية، وقد تضطر إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الأمنية والعسكرية في التعامل مع حماس.
في إشارة إلى أن حركة حماس لا تزال قادرة على تنفيذ عملياتها ولن تتراجع تحت أي ظرف؛ ما يعكس استعدادها لمواصلة الجهاد وتعزيز تحالفاتها، حتى لو تطلب الأمر تصعيدًا كبيرًا للمواجهات العسكرية.
في رسالة تهدف أَيْـضاً؛ إلى رفع معنويات المجاهدين في الميدان العسكري، والأعضاء السياسيين للحركة؛ ما يعزز من الروح القتالية في الميدان (العسكري والسياسي) ويزيد من استعدادهم للتضحية، وتعزيز وحدة الصف الداخلي.
تأثير رسالة “السنوار” على المستقبل القريب:
في السياق، يجمع كثير من المحللين بأن رسالة “السنوار” قد تؤدي إلى زيادة العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، حَيثُ يمكن أن تشجّع المجاهدين على تنفيذ هجمات جديدة كرد فعل على الجرائم اليومية بحق سكان غزة.
الرسالة تشير إلى أن العلاقة مع حزب الله يمكن أن يؤديَ إلى تنسيق أكبر بين الجانبين؛ ما يزيد من فعالية العمليات المشتركة ويعزز من قدرات المقاومة، بعد التأكيد على أن هذه العلاقة قوية؛ ما يعزز من موقف حماس في المفاوضات، حَيثُ يمكن أن تستخدم هذا التحالف كورقة ضغط إضافية.
وفي إطار تعزيز الموقف التفاوضي، يلفت محللون أن الرسالة تضمنت التأكيد على الثبات وعدم التراجع، حَيثُ تسعى حماس إلى تعزيز موقفها التفاوضي، وهذا يمكن أن يجعلها أكثر صلابة في المطالبة بشروطها، مثل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ورفع الحصار عن غزة، ويزيد من الضغط على الوسطاء العرب والدوليين، مثل مصر وقطر وأمريكا، لتقديم ضمانات أكثر جدية لتنفيذ أي اتّفاق يتم التوصل إليه.
وعلى اعتبار أن حركة حماس تطالب بجدول زمني واضح وخطة تنفيذية محدّدة؛ ما قد يعقّد المفاوضات؛ بحسب مراقبين، ولكنه يضمنُ التزامَ الأطراف المختلفة، إذ ترسل حماس رسالةً إلى “إسرائيل” بأن أية محاولات للضغط العسكري لن تؤدي إلى تنازلات في المفاوضات، وهذا يدفع حكومة “نتنياهو” إلى إعادة تقييم استراتيجياتها التفاوضية؛ لأَنَّ المماطلة والتسويف قد يزيد الأعباء والمترتبات الكارثية على الكيان.
ووفقاً للمراقبين، فَــإنَّ الرسالة قد تؤثر على الرأي العام الفلسطيني والعربي؛ ما يزيد من الدعم الشعبي والجماهيري لحماس ويعزز من موقفها في المفاوضات، ويضع ضغطًا إضافيًّا على الأطراف الأُخرى لتقديم تنازلات.
تأثيراتُ الرسالة على جبهة الضفة الغربية المحتلّة:
وفقاً لتقاريرَ ميدانية، فَــإنَّ رسالةَ القائد “السنوار” قد تؤدِّي إلى زيادة التوترات في الضفة الغربية المحتلّة، من خلال تشجيع المجاهدين فيها على تصعيدِ العمليات ضد القوات الإسرائيلية، مع التأكيد على وَحدة الصف الفلسطيني، وتشجيع فصائل الجهاد والمقاومة المختلفة في الضفة المحتلّة على تنسيق جهودها بشكلٍ أكبر؛ ما يزيد من فعاليتها ويعزز من تماسك الجبهة الداخلية فيها.
وأكّـد مراقبون أن الرسالةَ رفعت من معنويات المقاومين في الضفة الغربية المحتلّة، مع رصد ارتياح شديد لها؛ ما قد يشير استعدادهم لمواجهة التحديات والمخاطر، وزيادة العمليات الفردية والجماعية ضد الأهداف الإسرائيلية الضفة والداخل المحتلّ.
كما أن الرسالة زادت من الضغط على السلطة الفلسطينية لتبني موقف أكثر صلابة في مواجهة الاحتلال، خَاصَّة إذَا شعرت الفصائل بأن السلطة لا تتخذ خطوات كافية لدعم المقاومة؛ لأَنَّه وفي حال تصاعدت العمليات في الضفة الغربية المحتلّة، يأمل المقاومون من السلطة فك الارتباط بالاحتلال لما يسمى “التنسيق الأمني”، كأقل واجب.
تأثير رسالة “السنوار” على الداخل الإسرائيلي:
وفي السياق؛ أشَارَت تقارير عبرية إلى زيادة القلق الأمني داخل “إسرائيل”، حَيثُ تم تفسير الرسالة على أنها إشارة إلى تصعيد محتمل في العمليات العسكرية من قبل حماس وحلفائها، وهذا ما دفع حكومة الكيان إلى تعزيز الإجراءات الأمنية وزيادة التواجد العسكري في المناطق الحساسة.
كما أن الرسالة -بحسب وسائل إعلام عبرية- قد أثّرت بشكل مباشر على الرأي العام الإسرائيلي؛ ما زاد من الضغط على حكومة “نتنياهو”، وانقسمت آراؤهم إلى قسمَين: الأول والذي يمثله التيار اليميني المتشدّد، يرى ضرورة اتِّخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد حماس، وخطوات عسكرية أَو سياسية جديدة لمواجهة التهديدات الأمنية.
كما يرى تيار اليسار وعائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة التي تعيش حالة من القلق والضغط الشديدين، وتنظم احتجاجات واسعة في “إسرائيل” للمطالبة بإتمام صفقة تبادل أسرى مع المقاومة الفلسطينية في غزة، بعد أن تعزز اعتقادها بأن العمليات العسكرية لن تكون كافية لإعادة جميع الأسرى، وتطالب حكومة “نتنياهو” بالتوصل إلى صفقة تبادل أسرى كحلٍ وحيد لإنهاء معاناتهم.
وفي الآونة الأخيرة، شهد الداخل الصهيوني موجة من الاحتجاجات في أكثر من 40 موقعًا، حَيثُ هدّد المتظاهرون بالتصعيد ضد حكومة “نتنياهو” إذَا لم يتم التوصل إلى صفقة تبادل، هذه الاحتجاجات تعكس الضغط الكبير الذي تمارسه العائلات على الحكومة، وتزيد من تعقيد الوضع السياسي والأمني في الكيان.
وبحسب تقارير عبرية، فَــإنَّ رسالة “السنوار” زادت من قلق العائلات بشأن مصير أحبائهم، خَاصَّة تضمنها تأكيدات على عدم التراجع عن المطالب، وزاد من الضغط النفسي على العائلات.
وأشَارَت وسائل إعلامية إلى أن “السنوار” في رسالته استخدم العائلاتِ كوسيلةٍ للضغط على الحكومة الإسرائيلية لتسريع المفاوضات والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى، وأثار الاحتجاجات والمطالبات باتِّخاذ إجراءات فورية، وزاد من تعاطف الشارع مع مطالب هذه العائلات من قبل المجتمع المدني والسياسيين.
إلى ذلك، يؤكّـد مراقبون أن الرسالة قد تؤثر على مسار المفاوضات، حَيثُ يمكن أن تجعل حكومة “نتنياهو” أكثر حذرًا في التعامل مع حماس، وقد تدفعها إلى تقديم تنازلات لتحقيق صفقة تبادل أسرى.
وبشكلٍ عام، فرسالة قائد بحجم “السنوار” إلى قائد بحجم السيد نصر الله، تعكس استراتيجية المقاومة في استخدام الضغط النفسي والسياسي لتعزيز موقعها وتأكيد ثباتها وصمودها وتواجدها في الميدان وتعزيز موقفها التفاوضي.