الاستباحة المتأصلة في التعليم والثقافة اليهودية
في خضم الأحداث الجسيمة التي تتعرض لها مدينة القدس، وفي قلبها المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين، نواجه واقعًا مؤلمًا يتطلب منا جميعًا وقفة جادة وحازمة. إن الاعتداءات المتكررة على هذا المعلم الإسلامي العظيم، ومحاولات هدمه وتجريده من هويته الإسلامية، ليست مجرد اعتداءات على الحجر، بل هجوما سافرا على تاريخنا وهويتنا وثقافتنا. إن ما يحدث في الأقصى هو تجسيد لسياسات التهويد التي تسعى إلى طمس معالم الإسلام، وإلغاء حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه المقدسة.
واسنادا للشعب الفلسطيني، الذي يواجه هذه التحديات بشجاعة وإيمان، ويستحق دعما من الأمة جمعاء في نضاله للحفاظ على هويته وحقوقه. خاصة وأن ما يدافع عنه الشعب الفلسطيني هو المسجد الأقصى، الذي لم يكن مجرد مكان عبادة، بل هو قلب الأمتين العربية والإسلامية، وعلى المسلمين جميعًا أن يكونوا حراسًا له، مدافعين عن هويته الإسلامية في وجه كل محاولات التهويد والتجريد. إن الأمتين العربية والإسلامية مطالبون اليوم بأن نكون صوتًا لمن لا صوت لهم، وأن يرفع المسلمون أصواتهم في وجه الظلم والعدوان، مستلهمين من تاريخنا المجيد ومواقف أجدادنا الأنصار الذين واجهوا التحديات بشجاعة وإقدام.
نداء القدس والمقدسات
وجه السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، كلمته، الخميس، بمناسبة احتفالات شعبنا بالمولد النبوي الشريف على صاحبه وآله أفضل الصلاة وأزكى التسليم، إلى الشعب اليمني، قيادات ونخب وأفرادا. إلى الشعب الذي يمثل رمز الإيمان والوفاء، يدعوه إلى الخروج في ساحات المسؤولية، متمسكًا بمبادئه وقيمه، في وقت يكثر فيه الآخرون في حفلات الترفيه والعار. إن هذا النداء ليس مجرد دعوة للخروج إلى مسيرات وجمع التبرعات، بل هو دعوة للوعي واليقظة، لتأكيد أن المسجد الأقصى هو رمز للكرامة والعزة، وأن الدفاع عنه هو واجب شرعي وإنساني.
وقال السيد القائد، في كلمته: إن ما يعتري الكيان الصهيوني من سوءٍ وانحرافٍ وإفلاسٍ قيميٍ وإنسانيٍ وأخلاقي، يعكس مكرًا وخبثًا وحقدًا وطمعًا متجذرًا في نفوسهم. لقد تكررت الإساءة الصريحة إلى الله “سبحانه وتعالى” في أوساطهم، وأصبح استباحة حقوق الآخرين، سواء في حياتهم أو أموالهم أو أعراضهم، عقيدة وثقافة متأصلة في مختلف أنشطتهم التعليمية ومصادر التعليم التي يعتمدون عليها.
وأشار إلى أن ذلك الانحراف السلوكي يمثل حقائق تتجلى في كل جريمة يرتكبها العدو الصهيوني في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو القدس أو أي جزء من فلسطين. فهي واضحة وجلية، سواء في الماضي أو الحاضر، وتمثل الصورة الحقيقية لهم التي يجب أن يستوعبها الجميع.
وتابع “لا ينبغي لأحد أن يقبل محاولات الزيف والخداع المفضوحة، التي لا يمكن أن تنطلي إلا على من ينهج نهجهم، أو من هو مفلس على المستوى الإنساني والأخلاقي”. وعرف “هؤلاء هم الأشخاص غير الطبيعيين، الذين يعبر الله عنهم في القرآن الكريم بقوله: “فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ”. منوها بأن من يفتقر إلى الصحة النفسية والأخلاقية والقيمية، يمكن أن ينحرف ويتجه نحوهم، لأنه يتناغم معهم، كما يقول المثل: “الطيور على أشكالها تقع.
مسؤولية الأمة
وحمل السيد القائد، الأمتين العربية والإسلامية، مسؤوليتهما الدينية والأخلاقية والإنسانية تجاه ما يقوم به العدو من استهداف بالإبادة الجماعية لشعبٍ مسلمٍ مظلوم، هو جزءٌ منا، جزءٌ من المجتمع البشري، وجزءٌ من المسلمين والعرب. وتتضاعف المسؤولية على المسلمين قبل غيرهم، كلما زادت المأساة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، وكلما كبرت مظلوميته، زادت معها المسؤولية. إن جزءًا كبيرًا مما يعانيه الشعب الفلسطيني يعود إلى التخاذل الواضح من قبل أبناء الأمة، مما ساهم في تفاقم مظلوميته، وجعل العدو الإسرائيلي يتجرأ على ارتكاب الجرائم التي قد يتحرج البعض من القيام بها.
وشدد السيد القائد “أن العدو الإسرائيلي يتجاوز كل الخطوط الحمراء، وينتهك الأعراف والقوانين، دون أن يعبأ بأي اعتبارات إنسانية. لذا، فإن المسؤولية كبيرة على المسلمين وعلى بقية المجتمع البشري. معتبرا الصمت عن استمرار الإجرام الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني بكل وقاحة وجسارة، عارٌ إنساني سيظل محفورًا في ذاكرة الأجيال القادمة، لافتا على كل المتخاذلين والمتواطئين؛ لن ينجو من هذا العار إلا الذين تحركوا لأداء واجبهم الايماني والإنساني والأخلاقي في نصرة الشعب الفلسطيني. مذكرا بأن “حالة الصمم والتجاهل التي يعتمدها البعض تجاه ما يحدث لا تعفيهم من المسؤولية، ولن تمنع النتائج والعواقب المترتبة على التفريط والتقصير”.
الجرائم والانتهاكات
في غضون ذلك، صعّد المستوطنون الصهاينة اقتحاماتهم المستمرة للمسجد الأقصى تحت حماية من جيش العدو الإسرائيلي منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر، حيث أقدم مئات المستوطنين والمتطرفين الصهاينة، على اقتحام المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة.
وقال مسؤول في الأوقاف الإسلامية بالقدس إن أكثر من 400 مستوطن ومتطرف يقتحمون المسجد الأقصى بصورة متكررة، مضيفا أن شرطة العدو الإسرائيلي منعت حراس المسجد الأقصى من الاقتراب من مسار اقتحامات المستوطنين، مشيرا إلى أن اقتحامات المستوطنين وانتهاكاتهم للمسجد الأقصى لم تعد تقتصر على مناسبات دينية.
بدوره قال خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري إن الاقتحامات تزداد إلى درجة أنها صارت تكرر بشكل شبه يومي، وهذا اعتداء صارخ وتحدٍ واستفزاز لمشاعر المسلمين، منوها بأن ادعاء وزير “الأمن القومي” الإسرائيلي “إيتمار بن غفير” باطل، والهدف من الاقتحامات فرض السيطرة على المسجد الأقصى.
وقال صبري إن “الأحزاب اليمينية” المتطرفة بحكومة العدو الإسرائيلي تجد الوقت مناسبا للانقضاض على الأقصى، وتتزامن الاقتحامات مع “الأعياد” اليهودية والصهاينة يستغلون ذلك لإقناع يهود العالم بالقدوم لفلسطين.
في السياق، انتشرت على مدار الأشهر والسنوات الماضية عددا من المقاطع المصورة التي تظهر أداء اليهود لطقوسهم فيه بشكل مستفز لمشاعر المسلمين
والحقيقة أن هذه هي ليست المرة الأولى التي يدعو فيها المتطرفون الصهاينة إلى السماح لليهود بالصلاة في الحرم، ففي وقت سابق من هذا الشهر دخل أكثر من ألفي يهودي معه إلى باحات الحرم ورفعوا الأعلام “الإسرائيلية” في ذكرى ما يُعرف بـ “خراب الهيكل” ما أثار ردود فعل منددة.
وأعلن حينها السماح بأداء الصلوات داخل باحات الحرم.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أقدم بن غفير وزير ما يسمى بالأمن القومي الإسرائيلي، مع وزير آخر في حكومة العدو تتبعهما آلاف المستوطنين اليهود على اقتحام باحات المسجد، تحت حماية قوات العدو الإسرائيلي. وخلال التوغل، زعم بن غفير أنه تم إحراز تقدم كبير في فرض “السيادة” الصهيونية على ما أسماه جبل الهيكل، قائلاً: “سياستنا هي السماح بالصلاة اليهودية هنا”.
تصريحات مستفزة
وفي تحد منه لكل الأعراف ، أعلن “بن غفير” أن القانون الإسرائيلي يساوي بين حقوق المسلمين واليهود في إقامة الصلوات في المسجد الأقصى، مضيفاً أنه لو أتيحت له الفرصة، لكان علم “إسرائيل” قد رفع هناك. هذه التصريحات تأتي في ظل تصاعد التوترات والانتهاكات المستمرة في المسجد الأقصى، حيث اقتحم بن غفير المسجد عدة مرات منذ توليه منصبه.
وأشار “إيتمار بن غفير”، وزير ما يسمى بالأمن القومي في حكومة الكيان الإسرائيلي، إلى رغبته في بناء كنيس يهودي في المسجد الأقصى، المعروف لدى اليهود بجبل الهيكل.
وأثار بن غفير ضجة، في تصريحاته، بعد أن ادعى أن لليهود الحق في الصلاة في المسجد الأقصى، وأنه إذا استطاع، فإنه سيبني كنيساً في الموقع. وفي أعقاب هذه التصريحات، أصدر مكتب رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بياناً أكد فيه: “لا يوجد تغيير في الوضع الراهن في جبل الهيكل”.
و وافقت “حكومة” العدو الإسرائيلي على تخصيص تمويل لـ “جولات إرشادية ” لليهود في باحات المسجد الأقصى، حيث خصصت “وزارة التراث” الإسرائيلية بقيادة ” عميحاي إلياهو”، وهو أحد أعضاء حزب “قوة يهودية”، مبلغاً مالياً لهذه الجولات الإرشادية الجديدة في البلدة القديمة بالقدس الشرقية.
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، فإن المبلغ المخصص من قبل الوزارة هو 2 مليون “شيكل ” أي ما يعادل تقريباً 550 ألف دولار أمريكي.
ويأتي الإعلان عن تمويل هذه “الجولات الإرشادية” بعد يوم من تصريحات مثيرة للجدل على لسان بن غفير شكك فيها بالوضع القائم في القدس، مبدياً تأييده بناء كنيس يهودي في الحرم القدسي الشريف أو ما يعرف يهودياً بجبل الهيكل.
عقب الاقتحام، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن “الحكومة” الإسرائيلية تخطط، لأول مرة، لتمويل اقتحامات للمستوطنين اليهود للمسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة. وخصص مكتب “وزير التراث” في حكومة الكيان عميحاي إلياهو مليوني “شيكل” (545 ألف دولار) لهذا المشروع، المتوقع تنفيذه في الأسابيع المقبلة، وفقاً لوكالة أنباء الأناضول.
وأشارت شبكة “كان” إلى أن ما يسمى بوزارة التراث تتواصل مع وزارة الأمن القومي بقيادة المتطرف إيتمار بن غفير للحصول على تصريح من الشرطة الإسرائيلية لتنظيم جولات ممولة للمستوطنين داخل المسجد الأقصى. يأتي هذا الإعلان في ظل استمرار اقتحامات المستوطنين للمسجد تحت حماية الشرطة، حيث شارك بن غفير نفسه في بعض هذه التوغلات.
مواقف سلبية
وفي كل مرة يقتحم فيها بن غفير المسجد الأقصى، يرافقه عدد كبير من قوات الأمن “الإسرائيلية”، مما يؤدي إلى مواجهات مع المصلين الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن هذه الاقتحامات الاستفزازية، تزيد من حدة التوترات بين الفلسطينيين والصهاينة، وأن ما يدعيه بن غفير يعد من منظور المجتمع الدولي انتهاكاً للوضع الحساس للمسجد الأقصى كأحد أهم الأماكن المقدسة في الإسلام، يستمر بن غفير في تبرير اقتحاماته بالقول إنه يمارس حقه في زيارة “جبل الهيكل”.
تصريحات إيتمار بن غفير حول بناء كنيس يهودي في المسجد الأقصى تأتي في سياق محاولاته لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، مما يثير ردود فعل غاضبة ويعتبر تهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة.
يشعل حربا دينية
في ردة الفعل الفلسطينية، وصف الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة تصريحات بن غفير بالـ “خطيرة جداً”، وقال إن “الأقصى والمقدسات خط أحمر، لن نسمح بالمساس بهما إطلاقاً”.
فيما قال مسؤول في دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، لبي بي سي، اشترط عدم ذكر اسمه، إن “إسرائيل” تريد أن تشعل المنطقة من خلال وزرائها المتطرفين أمثال بن غفير وإلياهو.
واعتبر أن “الحكومة الإسرائيلية” تستغل ظروف الحرب وقوانين الطوارئ لفرض سيطرتها “بقوة السلاح”، على حد تعبيره، مؤكدا أن ما يحصل في باحات المسجد الأقصى من “انتهاكات هي استفزازات لمشاعر المسلمين ما يشعل حربا دينية من الصعب توقع تداعياتها”.
وأشار إلى أن الأمة الإسلامية والعربية “مقصرة” تجاه واجباتها في الحرم سواء من الناحية السياسية أو الدولية لمنع انفراد إسرائيل، مضيفاً بأنه “حق خالص للمسلمين”.
وقال المسؤول إن الأوقاف “موقفها ثابت” للحفاظ على دورها في المسجد الأقصى، محملاً الحكومة الإسرائيلية كامل المسؤولية عن أي تطور أو رد فعل بسبب التصريحات التي وصفها بـ”المتهورة”.
ردود فعل خجولة
في الوقت الذي تتصاعد فيه الانتهاكات، يثير الصمت العربي والإسلامي والدولي تساؤلات عديدة حول مدى جدية المجتمع الدولي في حماية حقوق الفلسطينيين. فقد اكتفت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية بيانات تدين الاعتداءات، ولكن لم يتم اتخاذ خطوات فعلية لوقف هذه الجرائم، وهاجمت منظمة التعاون الإسلامي بشدة تصريحات بن غفير والتوغلات المستمرة و”تدنيس” باحات المسجد من قبل مجموعات مستوطنين و”وزراء” صهاينة.
واعتبرت المنظمة في بيانها أن هذه التصرفات تمثل انتهاكات مستمرة لحرمة الأماكن المقدسة وحرية العبادة، فضلاً عن انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي. وشددت على أن جميع القرارات والإجراءات التي اتخذها العدو الإسرائيلي لتهويد مدينة القدس المحتلة ليس لها أي سند قانوني وتعتبر باطلة ولاغية بموجب القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
فيما جاءت التصريحات الرسمية من بعض الدول العربية والإسلامية خجولة، إذ أنها لم تتجاوز حدود الإدانة، دون أن تتبعها إجراءات ملموسة لدعم القضية الفلسطينية. وإنما اكتفت المملكة الأردنية الهاشمية بمطالبة المجتمع دولي بموقف واضح بالإدانة والتصدي لأي تغيير بالوضع القائم. كما أدانت مصر التصريحات واعتبرتها غير مسؤولة محذرة من خطورة استمرار ما وصفوه “بالانتهاكات الإسرائيلية”، وفق بيان للخارجيّة المصرية.
وفيما استنكرت الخارجية السعودية تصريحات بن غفير مؤكدة رفض المملكة للتصريحات ” المتطرفة والتحريضية “، وشددت على ضرورة احترام الوضع التاريخيّ والقانوني في المسجد الأقصى، علقت الأمم المتحدة على تصريحات بن غفير، بأنها تخاطر بتفاقم الوضع المتوتر بالفعل وأنها تأتي “بنتائج عكسية للغاية”.
سيد القول والفعل
ختامًا، لا يسعنا إلا العودة إلى خطاب سيد القول والفعل، الخطاب الذي يضع الأمة على حقيقة ما تعانيه من التخاذل والانحراف عن جادة الصواب. خطاب أكد فيه قائد الثورة أن ما يحدث في المسجد الأقصى يتطلب منا جميعًا وقفة جادة. يجب أن نكون صوتًا لمن لا صوت لهم، وأن نرفع أصواتنا في وجه الظلم والعدوان. إن المسجد الأقصى ليس مجرد مكان عبادة، بل هو رمز للكرامة والعزة، وعلينا جميعًا أن نكون حراسًا له، مدافعين عن هويته الإسلامية في وجه كل محاولات التهويد والتجريد.
وأشار إلى أن الحديث عن بناء كنيس يهودي في المسجد الأقصى يمثل خطوة خطيرة تتطلب من المسلمين موقفًا حازمًا يتماشى مع واجبهم الديني ومسؤوليتهم تجاه مقدساتهم. منوها بأن الجهاد في سبيل الله والتحرك العملي والموقف الصادق هو ما ينبغي أن يقابل به هذا التوجه العدواني. ومع ذلك، فقد قوبل هذا الأمر من قبل معظم البلدان، سواء على مستوى الأنظمة أو النخب، وحتى في أوساط الشعوب، بالصمت والسكوت. هذه الحالة الملحوظة والخطيرة تعكس استسلامًا وذلةً وخنوعًا، مما قد يشجع العدو على التمادي في اعتداءاته.
وأوضح أن العدو يراقب هذا الصمت، ويقيم واقع الأمة بناءً عليه. عندما يُمزَّق القرآن الكريم وتحرق مصاحفه، وعندما يُهدد المسجد الأقصى ويُقتحم بشكل شبه يومي، فإن السكوت عن هذه الجرائم يعكس حالة من الخوف وعدم المبالاة. واصفًا هذا الموقف بالأرعن، الذي يجعل العدو يرى في الأمة شعوبًا وأنظمةً يسهل السيطرة عليها، لأنها تعيش حالة من الهزيمة والخنوع.
وبيَّن أن التهاون تجاه هذه الاعتداءات له عواقب وخيمة، ليس فقط على المستوى الديني، بل أيضًا على المستوى الاجتماعي والسياسي. المسلمون في موقع مسؤولية كبيرة، وعليهم أن يكونوا الأمة التي تتحرك برسالة الله تعالى، حتى تحظى بدعمه ونصره. لكنهم فرطوا في هذه المسؤولية، وتجاهلوا ما يحدث من استهداف لمقدساتهم، مما يؤدي إلى تسليط إلهي وعواقب كبيرة على واقع الشعوب والأنظمة.
محذرًا: “إن هذه الحالة من التهاون والتجاهل ستؤدي إلى تأثيرات سلبية على الأمة، وستجعلها عرضة لمزيد من الاعتداءات. لذا، يجب على المسلمين أن يستعيدوا وعيهم ويقوموا بدورهم في الدفاع عن مقدساتهم، وأن يتحركوا بشكل فعّال لمواجهة هذه التحديات”.
وقال السيد: إن تصور البعض أن حالة التخاذل والصمت والتجاهل ستفيدهم من جهة الأعداء هو تصور خاطئ. هؤلاء الذين يعتقدون أنهم سيضمنون مستقبلهم بالتواطؤ مع العدو، يدعمونه بأشكال مختلفة، هم في واقع الأمر واهمون. فحتى القنوات التي تدعي أنها عربية، أصبحت تقدم محتوى إسرائيليًا بوضوح، مما يعكس حالة من الانحراف عن المبادئ والقيم.
مؤكدًا أن التاريخ الإسلامي مليء بالدروس والعبر، ولكن هؤلاء لا يستفيدون منها. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}، ويصفهم بأنهم يريدون لكم أقصى الضرر، حتى وإن كنتم تحبونهم. كيف يمكن لأحد أن يحب من يحمل صورة بشعة وإجرامية؟ ومع ذلك، حتى من يحبهم، لا يبادله العدو بمشاعر المحبة، بل يحتفظ بمشاعر الكراهية والاحتقار.
وشدد: “إن العدو لا يعترف حتى بمن يحبهم من العرب، ويعتبرهم مجرد حيوانات مستباحة الدم والعرض. الله سبحانه وتعالى أخبرنا عن نظرتهم للآخرين، حيث يقول: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}، مما يعكس استباحة تامة للدماء والأعراض.
عندما يشخص الله سبحانه وتعالى أعداء الأمة، يقول: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}، وهو الأعلم بهم والأصدق في وصفهم. إن الإجرام والعدوان الذي يمارسه العدو الإسرائيلي في قطاع غزة مستمر، وفي هذا الأسبوع، الذي يمثل الأسبوع السابع والأربعين، بلغ عدد الشهداء والمفقودين أكثر من خمسين ألفًا، والجرحى تجاوزوا التسعين.
خياران لا ثالث لهما
وبالطبع، إن خطاب السيد القائد، لابد يضع الأمة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السعي إلى نيل العزة والاقتداء بما عليه سيد الخلق محمد صلوات الله عليه وآله من الجهاد وعدم إعطاء العدو فرصة الاستهانة بكرامة هذه الأمة، وإما البقاء على ما هي عليه من حال التخاذل والتطبيع، وبالتالي يبقى هذا العدو ينتهك في حقوقها ويدنس مقدساتها إلى ما لا حدود.
إن الخيار الأول يتطلب من الأمة أن تتوحد وتعمل بجد من أجل استعادة حقوقها، وأن تدرك أن العزة لا تأتي إلا من خلال الجهاد والمقاومة. يجب أن نكون جميعًا في صف واحد، نعمل من أجل تحرير مقدساتنا والدفاع عن حقوقنا.
أما الخيار الثاني، فهو خيار الذل والخنوع، الذي سيؤدي إلى مزيد من الانتهاكات والاعتداءات. إن التاريخ يعلمنا أن التهاون مع الأعداء لا يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر، وأن العزة والكرامة لا تأتي إلا من خلال الصمود والمقاومة.
لذا، يجب على الأمة أن تستعيد وعيها وتتحرك بشكل فعّال لمواجهة هذه التحديات، وأن تكون على استعداد للتضحية من أجل الحفاظ على هويتها ومقدساتها. إن الوقت قد حان لنقف جميعًا في وجه الظلم والعدوان، ولنؤكد للعالم أن الأمة الإسلامية لا تزال حية، وأنها قادرة على الدفاع عن حقوقها ومقدساتها مهما كانت التحديات.
فلنكن جميعًا صوتًا واحدًا في مواجهة هذا العدوان، ولنستعد للعمل من أجل تحقيق العزة والكرامة، ولنؤكد أن الأقصى هو رمز وحدتنا، وأن الدفاع عنه هو واجب على كل مسلم ومسلمة.