هل مِن مُـدَّكِر؟
في صراعنا مع اليهود..
إذا كنتَ تعتقدُ أنه صراعٌ عربي إسرائيلي،
فأنت تجهلُ طبيعةَ الصراع..
وإذا كنتَ تعتقدُ أنه صراعٌ فلسطيني إسرائيلي،
فأنت، في هذه الحالة، تجهلُ أمرَينِ اثنين:
طبيعة الصراع، وتاريخ الصراع..
وأيًّا كنتَ، هذا أَو ذاك، فالنتيجة واحدة هي:
خسارة الصراع..
على أية حال، في بداية خمسينيات القرن الماضي، وفي أثناء لقاء مغلق وخاص جمع رئيس وزراء العدوّ الصهيوني (بن جوريون) ووزير خارجيته (موشيه شاريت) صرخ بن جوريون فجأةً وقال:
(نحن نقطة صغيرة جِـدًّا في محيطٍ واسع من الأعداء..، ماذا نفعل؟!)
فرد عليه موشيه شاريت مقترحاً:
لا خيارَ أمامنا سوى أن نعملَ بكل جد على تقطيع أوصال هذا المحيط الواسع، وتمزيق مجتمعاته وتحويلها إلى فئات وجماعات وطوائف صغيرة متناحرة ومتقاتلة..
التفت بن جوريون إليه وقال:
وهل تظن أننا ننجح في ذلك..؟
قال موشيه شاريت:
(نحن لا نراهنُ على ذكائنا، ولكن نراهنُ على غباء الطرف الآخر).
أرأيتم؟ يراهنون على ماذا..؟
على غباءنا..؟!
ماذا يعني هذا الكلام..؟!
يعني: يراهنون على جهلنا بطبيعة وتاريخ هذا الصراع..!
جهلنا الذي لا يكاد يخفى على أحد..!
وهذه هي مشكلتنا..!
يعني: نعلم أننا في حَلْبَةِ صراعٍ وجودي مع اليهود، إلا أننا، ومع ذلك، كنا، ولا نزال، ومنذ أمدٍ بعيد، نجهل طبيعة وتاريخ وتفاصيل هذا الصراع..!
ومن يجهل الشيء، لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن يقدم أَو يضيف له أَو عليه شيئاً..!
ولهذا، خسرنا جميع جولات الصراع السابقة..
ذلك، أن اعتقادنا كان قائماً على معطى خاطئ وحيد هو أن منشأَ هذا الصراع لم يبدأ إلا مع إعلان (ديفيد بن جوريون) قيامَ دولة الكيان الصهيوني في عام ١٩٤٨م؛ الأمر الذي قَدَّمَ لنا رُؤيةً خاطئة حول طبيعة وكيفية وطريقة إدارة هذا الصراع..
فكانت النتيجة المعروفة..
ومن يبني مواقفَه وتحَرُّكاتِه على معلومات ومعطيات خاطئة وغير صحيحة، لن يجنيَ، بالطبع، سوى ثمار ونتائجَ عكسية..
والحقيقة أن هذا الصراع لم يكن وليدَ تلك اللحظة الزمنية المتأخرة على الإطلاق..
الصراعُ مع اليهود، في الحقيقة، كان قد بدأ في تلك اللحظة التي ناصَبَ فيها اليهودُ العداءَ لرسولنا الكريم “عليه وعلى آله الصلاة والسلام”، وأعلنوا فيه، ومن أول وهلة، موقفَهم الصريحَ المعلَن والواضح، والرافض لرسالته المباركة، رسالة الإسلام..
الصراع مع اليهود، باختصار، هو صراعٌ على الإسلام، وليس صراعاً مع الإسلام..
وهذا ما لم ندركه بعد..!
يعني: ليس صراعاً عربيًّا إسرائيليًّا، أَو فلسطينيًّا إسرائيليًّا، كما يتصوره الكثيرون، وإنما هو، في حقيقته، صراعٌ إسلاميٌّ إسرائيلي..
صراعٌ وضّح القرآن الكريم وبيّن لنا طبيعتَه، وأدقَّ تفاصيله، وكيفيةَ إدارته ومواجهته، لولا أننا، بصراحة، لم نعد نقرأُ القرآن..
لم نعد نستندُ إلى القرآن..!
فكانت الكارثة..!
كانت المصيبة..!
أن جَهْلْنا طبيعةَ وتاريخَ هذا الصراع..!
فاختلطت علينا التوصيفاتُ، وتباينت لدينا، وكما ترون، المواقفُ..!
فهل من مدَّكِر..؟!