دخان السفينة (SOUNION) ينهي التفوق البحري الأمريكي
يُشِيرُ انطفاء إشعاعات نجم التفوق التكنولوجي الأمريكي إلى مسارات جديدة تُرسم فيها ملامح مستقبل الخلاص من الغطرسة الإمبريالية. ما تلقته البحرية الأمريكية من ضربات قوية عند بوابة البحر الأحمر في مضيق باب المندب، على يد صواريخ ومسيرات وزوارق البحرية اليمنية، هي دلالة واضحة على فقدانها للسيطرة على أحد أهم المنافذ البحرية بعد هيمنة مطلقة لأكثر من 200 عام.
إن البحرية اليمنية، تمثل قوة رادعة أجبرت الغطرسة الأمريكية على إظهار وجهها القبيح. أولاً، عندما وقفت (واشنطن) إلى جانب الكيان الصهيوني في عدوانه البربري على غزة، من خلال تقديم الدعم المعنوي واللوجستي، وإمداده بصفقات سلاح قاتلة، مما يُظهر تناقضها الصارخ مع ما نادت به طيلة عقود من احترام مواثيق الأمم المتحدة وحقوق الشعوب.
ثانياً، إقدام أمريكا، بكل ترسانتها وبوارجها وأساطيلها البحرية، على شن عدوان وحشي على اليمن متجاهلة حق اليمن في السيادة على مياهه الإقليمية وحقه في دعم الشعب الفلسطيني يجعلها في موقف لا تستطيع معه الحديث عن الملاحة الدولية .
اليوم، أمريكا، تلك الدولة التي تُدعى بـ “العظمى” حامية “حقوق الإنسان والحريات”، تسقط أخلاقياً في الفصل الأخير من مسرحية الهزيمة المدوية، التي تتجلى مشاهدها في سيمفونية الضربات القاضية التي تلقتها من البحرية اليمنية.
لن نترك المتابع العزيز يتوه بعيدًا عن ملامح ذلك الوجه القبيح، حيث تسعى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إلى إخفاء مرارة الهزيمة ، وتلجأ إلى اختلاق ذرائع واهية لتبرير فشلها. هذه الذرائع سنتركها لمصادرها الأمريكية نفسها، فهي تكشف أكثر مما تخفي.
في الـ 21 من أغسطس كانت ( SOUNION) النفطية اليونانية تبحر في خليج عدن بعد أن أغلقت نظامَ التعريف الآلي الخاص بها أثناء مرورها قبالة سلطنة عُمان، ونظراً لتبعية السفينة لشركة “دلتا تانكرز” التي تتعامل مع العدو الإسرائيلي فإنها أصبحت هدفا مشروعا للقوات المسلحة، استنادا لإعلانها السابق العزم على استهداف جميع سفن أي شركة تتعامل مع الكيان الإسرائيلي حتى وقف العدوان على قطاع غزة.
في اليوم التالي أعلنت القوات المسلحة اليمنية استهداف السفينة لعدة مرات بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية والزوارق الحربية، ما أدى لإصابتها بشكل مباشر.
وحينها كشفت هيئةُ عمليات التجارة البحرية البريطانية عن تفاصيل استهداف السفينة النفطية (سونيون) في البحر الأحمر، حَيثُ أوضحت أن الهجوم وقع على بُعد 77 ميلًا بحريًّا غربي الحديدة، مشيرة إلى أنه بدأ باقتراب زورقَين مأهولين من السفينة وإطلاق النار عليها، ثم إصابتها لاحقًا بأربعة “مقذوفات” خلال حوالي ثلاث ساعات؛ الأمر الذي أَدَّى إلى تعطُّلِ محركها واشتعال النيران على متنها وخروجها عن سيطرة الطاقم، حَيثُ بدأت بالانجراف مع المياه.
تفاصيل العملية كشفها قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطابه الأخير، موضحا أن وحدتين من القوات البحرية اقتحمت السفينة وباشرت باقتحامها، وأعقب تصريح السيد القائد توزيع الإعلام الحربي لمشاهد اقتحام السفينة والتجول في قمرة القيادة ومن ثم تلغيمها في 7 أماكن من سطح السفينة، ووثقت المشاهد لحظة الانفجارات الهائلة على متن السفينة.
السيطرة يمنية
ومع العملية العسكرية الأخيرة للقوات المسلحة اليمنية وإحراق السفينة النفطية اليونانية” سونيون” يتضح أن الجيش اليمني بات المتحكم الوحيد في مسرح العمليات من المحيط الهندي إلى باب المندب مرورا بالبحر الأحمر على امتداد 500 ميل بحري (وهي مسافة تراجع القطع البحرية الأمريكية إثر الضربات اليمنية)
استهداف القوات المسلحة اليمنية للسفينة “سونيون” أثناء مرورها في خليج عدن والبحر الأحمر بالطائرات المسيرة والصواريخ البحرية والزوارق المفخخة، ومن ثم اقتحامها وتفجيرها بالعبوات الناسفة شديدة الانفجار، مثّل لحظة فارقة في تاريخ الصراع البحري مع قوى الاستكبار وخلق علامة فارقة في موازين القوى، خلاصته أفول زمن الهيمنة الأمريكية على البحار العربية.
هذا الواقع لم يعد مجرد تحليلات عسكرية، أو استنتاجات، بل واقع أقر به ” البنتاغون” الأمريكي وأثبتته وقائع الميدان.
المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية باتريك رايدر، أظهر في مؤتمر صحفي له، الثلاثاء، عجز الولايات المتحدة ردع القوات المسلحة اليمنية أو الحد من عملياتها، حيث أقر بصريح العبارة أن قواته تعاني في البحر الأحمر، ولا قدرة لها على إنقاذ السفينة المحترقة، لافتا إلى أن سحب السفينة أسند إلى طرف ثالث غير أن الجيش اليمني منعه من الاقتراب و هددوا بمهاجمتهما.
وبشأن القطع البحرية الأمريكية التي أتت إلى السواحل اليمنية، مع بدء عملية طوفان الأقصى، فقد فشلت في المهمة سريعاً واضطرت لمغادرة المنطقة وإخلاء الساحة بعد تلقيها ضربات نوعية من الجيش اليمني.
موقع “اكسيوس” الأمريكي أكد هذه الحقيقة، وأوضح في تقرير له خلو البحر الأحمر من أي سفينة حربية أمريكية، كاشفاً عن المواقع التي تتموضع فيها السفن الأمريكية الحربية من الشرق الأوسط.
ونشر الموقع، الأربعاء، تقريراً تضمن خريطة تظهر أماكن تموضع القطع العسكرية البحرية للولايات المتحدة في منطقة ” الشرق الأوسط”.
وبحسب الخريطة، فلم تظهر سوى اثنتين من حاملات الطائرات الأمريكية هما (روزفلت) و(ابراهام لينكولن) تتواجدان برفقة ثماني مدمرات في خليج عمان، فيما تتواجد غواصة حربية وثلاث مدمرات وثلاث سفن برمائية شرق البحر الأبيض المتوسط.
وأظهرت الخريطة عدم وجود أي قطع حربية في البحر الأحمر، عندما كتب الموقع على خريطة البحر الأحمر عبارة “لا توجد أي سفن معروفة”، لكنه، عاد ليموه بالقول: إن القوات الأمريكية تواصل مراقبة نشاط الحوثيين في البحر الأحمر”. حسب تعبيره.
وكانت صحيفة “تلغراف” البريطانية أكدت في تقرير لها نشرته قبل أيام أن البحرية الأمريكية لا تملك أي سفن حربية في البحر الأحمر، وأنه لا توجد أي سفن حربية تابعة لتحالف “حارس الازدهار” ضمن مسافة 500 ميل في منطقة العمليات.
وتعزز هذه المعلومات رواية الجيش اليمني حول نجاحه في إبعاد البحرية الأمريكية، و”سيطرتها” على منطقة العمليات، وهو ما تحدث عنه السيد القائد عبد الملك الحوثي في أكثر من خطاب.
وكان القائد السابق لمجموعة حاملة الطائرات (ايزنهاور) مارك ميجيز، قد قال هذا الأسبوع في حديث على منصة يوتيوب، إنه “اضطر لتحريك حاملة الطائرات عدة مرات لحمايتها” من هجمات قوات صنعاء، التي قال إن كثافة عملياتها بالطائرات المسيرة كانت شيئا لم تتدرب عليه القوات الأمريكية من قبل.
“البتاغون” يراوغ
في المقابل، عبّرت الولايات المتحدة، في أول ردة فعل على سيطرة “البحرية اليمنية” على حركة الملاحة في مضيق باب المندب، بغضب شديد. حيث أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بيانًا هاجمت فيه ما وصفته بأفعال “الحوثيين” في البحر الأحمر.
وكعادة أمريكا، فقد حاولت التهرب من تبعات الهزيمة بالتحذير من مخاطر تهدد التجارة الدولية، وفي نفس الوقت الإدلاء بمزاعم حول أضرار بيئية محتملة إذا ما استمر التصعيد في المنطقة.
وعلى العكس من ذلك، اعترف البنتاغون في بيانه بنجاح القوات البحرية اليمنية في إحراق سفينة النفط “سونيون”، مُتهمة البوارج الغربية بالفشل في إنقاذها من الغرق.
وفي إقرارٍ واضح منها بصحة الرواية اليمنية، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أن هناك طرفًا ثالثًا حاول إرسال إشارتين لإنقاذ السفينة، لكن، في ذات الوقت دخلت في مواجهة مع البحرية اليمنية، فأجبرتها الأخيرة على الفرار.
إن ما يُثير السخرية في هذا البيان هو توقيته بحيث تزامن مع تصريحات جديدة من البحرية الأمريكية التي تحاول فيها تبرير فشلها في احتواء العمليات اليمنية، التي بدأت تمتد آثارها إلى البحر المتوسط. وقد ُقلت وسائل إعلام أمريكية عن قائد البحرية الأمريكية تأكيدات تفيد برفض إدارة بايدن اقتراحات بشن غارات أقوى على اليمن بدعوى “خشية الرد الإيراني”.
لكن الحقائق تكشف أن هذه التصريحات ما هي إلا محاولة يائسة للهروب من تبعات الفشل في البحر الأحمر. فكافة المؤشرات تُظهر أن القوات الأمريكية استمرت، منذ يناير الماضي، في قصف المدن اليمنية في شمال البلاد ووسطها وغربها بشكل هستيري أظهر عبثية الخيارات الأمريكية في المنطقة وأعاد رسم خريطة التأثير الاستراتيجي.
مؤشر الغروب
هروب القطع البحرية الأمريكية والأوروبية، وتصعيد الجيش اليمني لعملياته العسكرية، وانعدام الخيارات أمام واشنطن، كلها مؤشرات بدء زمن أفول النجم الأمريكي.
مجلة” national review”، نشرت في 26 أغسطس، مقالة بقلم رئيس التحرير انطونيو رايت، تحت عنوان” سياسة الردع التي ينتهجها بايدن في البحر الأحمر فشلت” تحدث خلالها الكاتب عن تداعيات إحراق القوات المسلحة اليمنية للسفينة اليونانية، وما تأثيرات ذلك على هيمنة أمريكا على الملاحة البحرية، مؤكدا أن عملية إحراق السفينة يجب أن تؤخذ على محمل الجد، فما يشهده مضيق باب المندب يشكل كارثة ذات أهمية أكبر بكثير من مجرد إحراق ناقلة النفط، لأنه مؤشر أن شمس أمريكا قد تغرب، وأن نجم زمن التفوق الأمريكي والهيمنة على أمن خطوط الإمداد البحري الذي امتد على مدار 200 عام قد أفل، وطمست معالمه.
وأبدى كاتب التقرير اندهاشه من كون الرئيس الأمريكي وادارته ليسوا منزعجين بشكل ملحوظ من الحقيقة على الأرض والمتمثلة في أن “البحرية اليمنية” تمكنت من تهديد أحد طرق الشحن البحري الرئيسة في العام، وكذلك بعد أن أصبح الوصول إلى قناة السويس دون التعرض لانتكاسة كارثية من قبل القوات البحرية المتحالفة وعلاوة على ذلك استمرار الوضع الهش وغير المعقول لمدة عامل كامل تقريبا.
تقرير المجلة، أوضح أنه لا يقصد الإساءة لأفراد البحرية الأمريكية الذين خاضوا أطول فترات القتال منذ الحرب العالمية الثانية ولكن القصد هو إظهار أن هناك “فشل تام للسياسة والاستراتيجية الأمريكية على أعلى مستوى”.
الصحيفة زعمت أن الولايات المتحدة تمكنت من منذ السابع من أكتوبر2023م، من إسقاط مئات الطائرات بدون طيار والقذائف التي أطلقت من اليمن وتم استهداف منصات إطلاق ومراكز لوجستية باستخدام أكثر الذخائر الموجهة تقدما، وهذا يثبت التفوق التكنولوجي الأمريكي، لكن ما لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيقه هو إقناع الجيش اليمني بأن إطلاق النار على السفن الحربية الأمريكية والسفن التجارية الصديقة التي تمر في المياه الدولية أنها فكرة سيئة، وأضافت:” لقد فشلنا في ردع هجمات البحرية اليمنية”.
وخلصت الصحيفة إلى أن المشكلة في البحر الأحمر، باتت أكبر ولم يعد ينفع التعامل معها حتى بالذخائر المتقدمة والبنية الأساسية للاستخبارات ومنصات التسليح عالية التقنية.
مشيرة إلى ضرورة الحملة العسكرية طويلة الأمد لمواجهة وتحييد عدو مصمم على ممارسة النفوذ على نقاط الاختناق الساحلية الاستراتيجية.
واستبعدت الصحيفة رغبة الشعب الأمريكي في إرسال مشاة البحرية إلى اليمن مهما كانت مزايا هذه الفكرة، وأكدت أيضا على عدم التعويل على حلفاء واشنطن في شبه الجزيرة العربية(السعوديين، العمانيين، والإماراتيين)، أو قوى أخرى في المنطقة كالمصريين مثلا في أن يقدموا أي مساعدة على الإطلاق.
الصحيفة أكدت أن الاعتماد على السياسة الأمريكية الحالية القائمة على استهداف اليمن جوا وبحرا لا يمكن أن يمثل حلا لمشكلة بالغة الخطورة، مؤكدة أن من يعتمد على هذه الخطة فإن عليه الاستعداد للتنازل عن حرية المرور عبر قناة السويس والبحر الأحمر لما وصفته بأهواء” البحرية اليمنية”، وأضافت: “حسناً، نحن نعيش هذه اللحظة”.
الهزيمة الأمريكية لن تقف تبعاتها عن حدود اليمن، فهناك أعداء كثر لولايات المتحدة، كالصين وإيران، وقد أشارت الصحيفة إلى ذلك وتساءلت عن الدروس التي تعلمها خصوم أمريكا في إيران والصين من فشل الاستراتيجية الأمريكية عند نقطة الاختناق في البحر الأحمر وخليج عدن؟ وكيف سيترجمون عجز البحرية الأمريكية عن إيقاف استهداف “البحرية اليمنية” للسفن الأمريكية والسفن التجارية في حال اندلع إطلاق النار بلا هوادة على الأمريكيين في مضيق هرمز؟ أو إقدام الصين على حصار مضيق تايوان؟.
مشددة أن على الأمريكيين ألا يخطئوا في الحسابات فأعداء أمريكا ليسوا أصدقاء للقوة البحرية الأمريكية، بل هم يتلذذون بفكرة كسرها فهل أمريكا ملتزمة بالتفوق البحري الأمريكي؟.
فشل ذريع لسياسة “بايدن”
السخرية من الإخفاق الأمريكي وصل إلى ” بايدن” فقد ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية بأن واحدة من الإخفاقات البارزة في السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي جو بايدن تتجسد في حادثة سفينة “Sounion” المهجورة والمشتعلة في البحر الأحمر.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الحادث يعكس التحديات المستمرة التي تواجه الإدارة الأمريكية في تأمين الممرات المائية الحيوية في المنطقة، وسط تصاعد التوترات الإقليمية.
في ذات السياق أفاد موقع “ريسبونسيبل ستيتكرافت” الأمريكي أنّ نهج واشنطن تجاه اليمن هو تجسيد للإهمال الاستراتيجي.. مُشدداً على أنه “لن ينجح”، وأنه “ ويكلّف الكثير، ويعرّض حياة الجنود الأمريكيين المتمركزين في المنطقة للخطر”.
وشدّد الموقع على أنّ ما ينبغي على واشنطن فعله، هو إنهاء نشاطها العسكري ضد اليمن على الفور، والضغط على الدول الأوروبية والآسيوية كي تتولى دوراً أكبر في حماية سفن الشحن الخاصة بها، والتوقف عن دعم حرب “إسرائيل” على غزة، على أمل أن يسهم ذلك بتهدئة التوترات المتصاعدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وتحدث الموقع عن ثلاث مشاكل رئيسة في استراتيجية واشنطن الحالية تجاه اليمن: الأولى هي خلوّها من الأهداف السياسية الملموسة والقابلة للتحقيق، وإثقالها كاهل دافعي الضرائب الأمريكيين بتكاليف باهظة.. لافتاً إلى أنّ أغلب الهجمات اليمنية وقعت بعد بدء الولايات المتحدة وشركائها حملتهم الانتقامية، ما يُظهِر أن الجهود الأمريكية فشلت في تحقيق الردع.
أما المشكلة الثانية، وفقاً للموقع، فهي أنّ استمرار تبادل الضربات العسكرية بين الولايات المتحدة والقوات اليمنية يُهدّد بمزيد من زعزعة استقرار اليمن الممزّق بالحرب بالفعل.. فيما تتلخص المشكلة الثالثة، في أنّ هجمات الولايات المتحدة تهدّد بتفاقم التوترات الإقليمية المتزايدة، وتدفع بالشرق الأوسط نحو حرب إقليمية واسعة النطاق.
وختم الموقع بالتأكيد أنه إذا كان هدف الولايات المتحدة إقناع اليمنيين بوقف هجماتهم، فمن غير المتوقع أبداً أن تحقق القوة العسكرية هذا الهدف.. مُشدداً على أنه لا توجد مصالح وطنية حيوية للولايات المتحدة على المحك في اليمن، تُبرّر هذا المستوى من التدخل العسكري، أو إهدار مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.
صفعة قوية
بدورها، تحدثت صحيفة “ذا هيل” الأمريكية، عن فشل تحالف الولايات المتحدة في تقويض قدرات قوات الجيش اليمني، مع استمرار عملياته الأخيرة المساندة لغزة.
وقالت الصحيفة في تقرير إن ” العملية الكبرى للبحرية الأمريكية منذ أكثر من نصف عام من القتال، فشلت في ردع “هجمات البحرية اليمنية” أو تدهور قدراتهم بما يكفي لوقف الهجمات”.
وقبلها بأيام، تلقت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، صفعة قوية، وذلك عندما قالت المتحدثة، خلال مؤتمر صحفي: إن “البحرية اليمنية تمتلك ترسانة ضخمة لكننا نجحنا في تقويضها”، قبل أن يفاجئها أحد الصحافيين بتساؤله: الحوثيون لايزالون ينفذون الهجمات بعد كل ما قام به البنتاغون، فهل ما زلتم تعتقدون أنكم قوضتم قدراتهم؟.
وهو التساؤل الذي اضطر المتحدثة باسم البنتاغون، إلى الاعتراف بفشلهم في تقويض قدرات “الحوثيين”، قائلة” قد نجحنا في تقويض بعض قدراتهم، ولكن لا يزالون يمتلكون ترسانة صلبة، ونفذوا هجمات بنجاح على السفن”.
وتأتي تلك الاعترافات، في ظل استمرار فشل التحالف الأمريكي البريطاني في فك الحصار اليمني المفروض على الملاحة من وإلى موانئ العدو الإسرائيلي.
تكتيك مفاجئ
وبالعودة إلى سير المعارك البحرية يتضح صعوبة المعركة، وأن مغادرة الولايات المتحدة المنطقة كان بفعل الهجمات النوعية بأسلحة متقدمة.
في هذا الصدد، قال القائد السابق لمجموعة حاملة الطائرات (ايزنهاور) مارك ميجيز: إنه اضطر لتحريك الحاملة عدة مرات في البحر الأحمر لحمايتها من هجمات الجيش اليمني، مؤكدا أن حجم هجمات الطائرات المسيرة اليمنية التي واجهتها المجموعة كان مفاجئاً وغير متوقع، ولم تتدرب عليه السفن الأمريكية وطواقمها من قبل.
ونشر موقع مجلة “ماريتايم إكسكيوتيف” الأمريكية المختصة بالشؤون البحرية الثلاثاء الماضي تقريرا جاء فيه إن “مجرد حماية حاملة الطائرات (يو. إس. إس إيزنهاور) من الهجوم كان بمثابة مسعى كبيرا، فقد كانت حاملة الطائرات لديها على الأقل طائرتان مقاتلتان في الجو في جميع الأوقات لتنفيذ مهمات الدفاع الجوي، وإذا لم تتمكن من الاحتفاظ بطائراتها المقاتلة في الجو، كانت تستعين بموارد القوات الجوية الأميركية، التي كانت ترسل طائرات للقيام بمهمة حماية مماثلة حول حاملة الطائرات”.
وأضاف أنه “في البداية، كانت (أيزنهاور) تتمتع بحرية الحركة داخل منطقة العمليات، ولكن مع مرور الوقت وتطور هجمات البحرية اليمنية، اضطر ميجيز إلى إعادة التمركز من أجل جعل حاملة الطائرات هدفًا أصعب”.
ونقل التقرير عن ميجيز قوله: “لحماية القوة، كان عليّ تحريك حاملة الطائرات عدة مرات”.
وجاء تصريح ميجيز خلال مقابلة على منصة يوتيوب مع “وارد كارول” الضابط السابق في البحرية الأمريكية، بحسب ما ذكر التقرير.
وقال التقرير إن “حاملة الطائرات (ايزنهاور) كانت تطلق المقاتلات في حوالي تسعة أحداث في اليوم الواحد، وقد قام طياروها بأكثر من 30 ألف ساعة طيران وأطلقوا أكثر من 60 صاروخًا جو-جو. وقد استخدمت المدمرات المرافقة لها الكثير من الصواريخ لدرجة أنها اضطرت إلى إنشاء عملية إعادة إمداد على جانب الرصيف في ينبع القريبة، بالمملكة العربية السعودية”.
وأشار التقرير إلى أن “ميجيز قال إن كل ذلك كان ضمن تدريب الطاقم، باستثناء الحجم غير المتوقع للمركبات الجوية بدون طيار الحوثية”.
وقال ميجيز: “إن العدد الهائل من اشتباكات الطائرات بدون طيار التي خظناها، كان شيئًا لم نتدرب عليه بشكل شامل… ليس على المستوى الذي كان علينا مواجهته في القتال” بحسب ما نقل التقرير.
وانتهت قيادة ميجيز لمجموعة حاملة الطائرات “أيزنهاور” في 16 يونيو الماضي، تزامنا مع سحبها من البحر الأحمر.
وتؤكد تصريحات ميجيز حول تحريك حاملة الطائرات عدة مرات “لحمايتها” ما أعلنته قوات الجيش اليمني حول مطاردة “ايزنهاور” بعدة ضربات صاروخية وجوية وهو ما أكدته وقتها بيانات تتبع حركة الحاملة والتي أظهرت أنها أعادت تموضعها عدة مرات باتجاه شمال البحر الأحمر قبل أن تنسحب.
ضراوة المعركة بلغة الأرقام
المعارك التي خاضتها القوات المسلحة اليمنية مع التحالف الأمريكي وصفت بأنها غير مسبوقة، من حيث العدد الهائل من الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقها الجيش اليمني، طوال الفترة الماضية، على أهداف تمتلك أحدث تكنولوجيا بحرية موجودة في العالم، ومزودة بأحدث المنظومات الاعتراضية، ولكن كلها فشلت ونجح اليمن في إبعادها لمسافات بعيدة.
المتحدث باسم البحرية الأميركية كشف جانبا من المعارك البحرية في حديث له مع موقع “بيزنس إنسايدر”، حيث أكد أن مجموعة حاملة طائرات تابعة للبحرية الأميركية وعدد قليل من السفن الحربية في البحر الأحمر وما حوله أطلقت ذخائر بقيمة 1.16 مليار دولار خلال عمليات قتالية نشطة.
ويضيف “موقع بيزنس إنسايدر” القول “يغطي هذا الرقم الذي لم يتم الإبلاغ عنه من قبل التكلفة الإجمالية لـ 770 ذخيرة أطلقتها مجموعة حاملة الطائرات دوايت دي أيزنهاور”، ما يعني أن القوات المسلحة اليمنية أطلقت ما يزيد عن 770 صاروخا وطائرة مسيرة وهذا الكم الهائل من الأسلحة المستخدمة، يكشف أولا الزيف الأمريكي بقدرته على الحد من القدرات العسكرية اليمنية، وفي نفس الوقت فإن هذا الرقم الهائل يؤكد جدية اليمن وإصراره على هزيمة التحالف الأمريكي مهما كانت التكلفة، وقد تمكن من ذلك في الأخير.
ارتفاع تكاليف التأمين
وفي السياق ذاته، قالت وكالة “رويترز” الأربعاء، إن تكاليف التأمين على السفن المعرضة للاستهداف في البحر الأحمر ارتفعت إلى حوالي الضعف بعد الهجوم الذي نفذه الجيش اليمني على ناقلة النفط اليونانية (سونيون) لأن الشركة المالكة لها تتعامل مع الموانئ الاسرائيلية.
ونقلت رويترز عن مصادر في قطاع التأمين قولها إن “أقساط التأمين الإضافية ضد مخاطر الحرب، التي تُدفع عندما تبحر السفن عبر البحر الأحمر، وصلت إلى 0.75% من قيمة السفينة مقارنة مع 0.4% قبل الهجوم، على الرغم من أنها كانت قد وصلت إلى 1% من قيمة السفينة في فبراير الماضي”.
وأضافت المصادر أن “الارتفاع الأخير في التكلفة قد يصل إلى مئات الآلاف من الدولارات لرحلة عبر المنطقة”.
وفي الوقت ذاته أكدت المصادر أن أسعار التأمين على السفن المملوكة للصين انخفضت بنسبة تصل إلى 50% منذ فبراير، في إشارة إلى انخفاض أسعار السفن التي ليست أهدافاً للجيش اليمني ، وذلك لانتفاء ارتباط تلك السفن بإسرائيل، وعدم كونها أمريكية أو بريطانية، وهذا ما يؤكد أن العمليات العسكرية اليمنية، ذات طابع إنساني ولا تمثل أي خطورة على الملاحة الدولية.
ونقلت رويترز عن أحد المصادر قوله إن “بعض شركات التأمين لا توفر حاليا التغطية للسفن عبر المنطقة بسبب المخاطر المحتملة لغرق الناقلة (سونيون)”.
ما وراء (سونيون)
الجدير بالذكر، أن منصة إيكاد المتخصصة بالتحقيقات الاستخبارية، نشرت تحقيقا كشفت فيه دواعي وأسباب استهداف القوات المسلحة اليمنية للسفينة اليونانية “SOUNION “خلال عبورها البحر الأحمر، فإلى أين كانت متجهة، وما علاقة الشركة المالكة لها بالعدو الإسرائيلي؟.
ووفقا لما نشرته “إيكاد” التي تتبعت مسار السفينة عبر برنامج الملاحة Marine Traffic، فقد انطلقت السفينة من البصرة في العراق متجهة إلى سنغافورة، وبعد تجاوزها مضيق هرمز انعطفت واتجهت إلى البحر الأحمر دون التحرك إلى سنغافورة.
بدورها قالت الحكومة اليونانية في مسعى منها لتزييف الحقيقة إن وجهة السفينة إلى ميناء “كورنيث” وسط البلاد، وبالتالي ستعبر البحر الأحمر للوصول إليها، فيما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية عن هيئة التجارة البحرية البريطانية UKTMO أن السفينة كانت تتجه إلى ميناء “إيلات” في فلسطين المحتلة.
وحول ملكية السفينة قالت المنصة إنها تتبع شركة delta tankers اليونانية وترفع العلم اليوناني وتستطيع حمل 150 ألف طن من النفط، وحسب قاعدة البيانات العالمية Equasis التي تقدم معلومات مفصلة عن السفن وصناعة الشحن فإن شركة Delta تمتلك أسطولًا يتكون من حوالي 29 سفينة.
إيكاد وباستخدام برنامج الملاحة البحرية Marine Traffic عادت إلى أرشيف حركة جميع السفن التابعة للشركة منذ 3 مايو الماضي وحتى الوقت الحالي وبعد تحليل مسارات 29 سفينة، وجدت واحدة تحمل اسم DELTA STAR وصلت إلى “إسرائيل” في 10 يوليو الماضي، وقد أخفت إشارتها عند دخول الموانئ هناك.
وبعد أن أعلن الجيش اليمني في 3 مايو الماضي بدء المرحلة الرابعة من التصعيد في البحر الأحمر، والتي شملت استهداف كافة السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة وكذلك منع جميع سفن الشركات المرتبطة بموانئ فلسطين المحتلة من المرور فقد قامت إحدى السفن التابعة لششركة Delta اليونانية برحلة إلى موانئ فلسطين المحتلة في 10 يوليو؛ أي أنها خرقت ما أعلنته القوات المسلحة اليمنية وباتت جميع سفنها في مرمى الاستهداف، وهذا ما يفسر الهجوم على SOUNION.
وأشارت “إيكاد” إلى أن سفينة SOUNION، ليست الوحيدة التابعة لشركة Delta التي تستهدفها البحرية اليمنية، بل سبق أن هاجمت ناقلة النفط DELTA BLUE أربع مرات في 8 أغسطس الجاري بقذائف صاروخية، وحسب شركة الأمن البحري “فانغارد” فإن السبب في استهداف ناقلات شركة Delta هو ارتباطها بسفن وصلت إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة.