حالة التأهب الصهيونية تفشل في أول اختبار
يمانيون/
افتتح حزب الله، الأحد، مسار الرد على التصعيد الصهيوني على مستوى جبهة الإسناد اللبنانية وعلى مستوى المحور، بضربة عسكرية كبيرة استهدفت هدفاً حساساً في عمق العدو، و11 قاعدة وثكنة بمئات الصواريخ والطائرات المسيرة.
وإلى جانب ما حققته من إصابات، فقد مثلت أيضاً إنجازاً تكتيكياً مهماً من شأنه أن يعصف بحسابات العدو، وإجراءاته واستعداداته الدفاعية، حيث أعلن حزب الله أن العملية تمثل مرحلة أولى من الرد، وهو ما يجعل العدو وشركاؤه عالقين في مأزق مواصلة الاستنفار المرهق والمكلف والقلق تجاه سقف وحجم الرد سواء على المستوى الإقليمي أو على مستوى كل جبهة إسناد لحالها.
العملية التي وصفتها المقاومة الإسلامية بأنها “رداً أولياً على العدوان الصهيوني الغاشم على الضاحية الجنوبية لبيروت والذي أدّى إلى استشهاد القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر -رحمه الله- وعدد من أهلنا الكرام من نساء وأطفال” انطلقت فجراً وتضمنت مسارين، كان أولهما استهدف 11 موقعاً وثكنة وقاعدة عسكرية للعدو، وشمل ذلك إطلاق 320 صاروخ كاتيوشا، وقد جاء ذلك تمهيداً للمسار الثاني الذي تم بالتزامن، وتمثل في إطلاق عدد كبير من المسيرات على هدف عسكري وصف بـ”النوعي” في عمق الأراضي المحتلة.
وقد أكد حزب الله أن العملية حققت أهدافها بنجاح، وهو أيضاً ما تأكد من خلال بعض مقاطع الفيديو التي صورها المستوطنون، برغم التعتيم الإعلامي الكامل الذي فرضه العدو، حيث أظهرت بعض المشاهد وصول صواريخ سريعة وطائرات مسيرة بنجاح.
رد فعل العدو أكد أيضاً نجاح العملية، حيث قام بفرض رقابة إعلامية كاملة عن نشر أي أخبار بخصوص الضربات، وقالت وسائل الإعلام العبرية إنه تم منع حتى المسؤولين والوزراء من الإدلاء بأي تصريحات، الأمر الذي يعكس بوضوح إصابة أهداف حساسة ووقوع أضرار يُخشى من انكشافها.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد لجأ العدو إلى محاولة مكشوفة للتقليل من حجم العملية، من خلال شن عشرات الغارات على عدد من المناطق في جنوب لبنان، وزعم أنها “عملية استباقية” لتدمير آلاف الصواريخ اللبنانية، لكن الغارات وقعت عقب ضربات حزب الله، كما أن أرقام الصواريخ التي نشرها العدو كانت غير واقعية، وكشفت بوضوح عن حرصه الكبير على التغطية الإعلامية على ما حدث بالفعل في عمق الأراضي المحتلة.
وإلى جانب ما حققته العملية من إصابات، فقد زعزعت بشدة استراتيجيات واستعدادات العدو الدفاعية التي عمل طيلة الفترة الماضية على تعزيزها إلى أعلى مستوى إلى درجة إرهاق قواته، فالعملية كشفت بوضوح أن كل ذلك الاستنفار ليس له فائدة كبيرة أمام قدرات حزب الله.
ومن خلال تحديد العملية كـ”رد أولي” فإن المقاومة الإسلامية قد وجهت ضربة كبيرة أخرى لاستنفار العدو، فاندفاعه للتصدي للضربات كشف كل ما يستطيع فعله، ومنح المقاومة ميزة معرفة الكثير عن استعداداته والاستفادة من ذلك في العمليات القادمة ضمن الرد والتي لا يستطيع العدو سوى أن يكرر نفس سلوكه لمواجهتها.
وبالتالي فقد مثلت العملية زلزالاً للاستنفار والاستعداد المسبق للعدو، وجردته من ميزة التأهب التي كان يعول عليها كثيراً ليس لمواجهة رد حزب الله فقط، بل رد المحور بأكمله، حيث أثبتت العملية أن حزب الله والمحور قادران على استعادة زمام “المفاجأة” من خلال تكتيك الرد، ولعل هذا ما دفع العدو إلى محاولة صناعة “عملية استباقية” دعائية من خلال قصف جنوب لبنان، حيث تكشف هذه المحاولة خشية انكشاف حقيقة فقدان ميزة الاستعداد المسبق.
وبعد أن كان العدو يعلق الكثير من الآمال على انتهاء رعب الرد بسرعة، أصبح الآن يواجه أفقاً مفتوحاً على المستوى الزمني والتكتيكي للرد، فحزب الله لم يغلق الحساب بعد، ولا يزال المحور يتأهب لرد أو ردود قد تكون مجتمعة أو متفرقة، وقد تأتي دفعة واحدة أو على مراحل، وبالتالي لا توجد نهاية واضحة للاستنفار الدفاعي المرهق للعدو وشركائه، بل أن استمرار هذا الاستنفار للمزيد من الوقت سيضاعف فرص الارتباك لأن العدو سيضطر للتعامل مع كل ضربة باعتبارها عملية رد رئيسية مفتوحة على كل الاحتمالات وسيندفع بكل قوة لمحاولة التصدي لها، وفي ظل تعدد الجبهات والمراحل، فإن ذلك سيفتح العديد من الثغرات لتنفيذ ضربات دقيقة ومركزة في عمق العدو.
بعبارة أخرى لقد وضعت عملية حزب الله العدو أمام تصعيد غامض مستمر، لا يستطيع العدو تحديد طريقة نافعة للتعامل معه، ولا يملك في مواجهته سوى مواصلة حالة التأهب القصوى المكلفة والمرهقة والتي أكدت وسائل الإعلام العبرية خلال الأيام الماضية أنها لا يمكن أن تستمر لفترة طويلة، بل أن استمرارها سيؤدي إلى الارتباك وفتح الثغرات، وهكذا بدل أن يكون العدو هو من يملك زمام الاستعداد المسبق مثلما حرص من خلال حشد الشركاء والحلفاء الغربيين والعرب، وجد نفسه تحت رحمة تكتيكات أطراف المحور التي كان يعتقد أنها فقدت عنصر المفاجأة.
لقد برهن الرد الأولي لحزب الله مجدداً فشل العدو في استعادة الردع من خلال عمليات الاغتيال والاعتداءات على طهران وبيروت والحديدة، وأثبت أن محور المقاومة قادر على ابتكار ما يلزم من التكتيكات القتالية لمواكبة التصعيد وإبقاء العدو دائماً في مساحة الخطر الوجودي وتحت الرعب الذي لا ينتهي والذي يحيل كل خياراته إلى مآزق تلتقي عن نفس النقطة وهي استحالة البقاء بأمان في المنطقة وحتمية الهزيمة.
أما الضربات الاستباقية التي حاول العدو الترويج لها خلال الأيام الماضية (وسعى إلى استحضارها إعلامياً بعد رد حزب الله) باعتبارها خيار إضافي لحماية نفسه، فقد بات واضحاً أنها مجرد دعاية للتغطية على هشاشة الاستراتيجية الرئيسية التي يعتمد عليها والمتمثلة في حشد القدرات والأحزمة الدفاعية الغربية والعربية، ذلك أن أي اعتداءات جديدة على أي من جبهات المحور لن تؤدي إلا إلى رفع مستوى التصعيد الإقليمي، وليس إلى تحقيق أي ردع، وإذا كانت أعلى درجة من التأهب قد أثبتت فشلها أمام رد أولي من حزب الله، فإن تصعيداً إقليمياً كبيراً وأكثر كثافة سيكون أثقل وطأة وأشد تدميرا على العدو العاجز.