هذه هي ورقة السنوار “الضاربة” التي يقلب فيها طاولة التفاوض ويُجبر نتنياهو على قبول شروطه
تمر مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، بأصعب وأخطر مراحلها، في ظل التصعيد الإسرائيلي “الساخن” على لبنان وغزة، والمرجح لمزيد من الانفجار وإشعال حربًا إقليمية “طاحنة” لا يمكن التنبؤ بصعوبتها وخطورتها وحتى النيران التي ستأكلها.
ورغم أن الكثير يعلقون آمالاً ضعيفة على مفاوضات “الفرصة الأخيرة” التي ستنطلق بعد أيام في العاصمة المصرية القاهرة، إلا أن معظم المؤشرات تتجه نحو جولة تصعيد جديدة، خاصة في ظل تعنت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ورفضه بشكل قاطع التوصل لاتفاق مع حركة “حماس” لإنهاء حرب غزة.
هذا المؤشر يجعل حركة “حماس” ومحور المقاومة بأكمله وإيران، أمام أصعب وأخطر السيناريوهات التي قد تم تأجيلها، بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران نهاية الشهر الماضي، وكذلك أبرز قادة “حزب الله” في العاصمة اللبنانية بيروت فؤاد شكر قبل بيوم واحد فقط.
فالخيار المتاح الآن، اتفاق على وقف حرب غزة أو الدخول بتصعيد إقليمي سيُشعل المنطقة بأكملها، ويبدو هذا ما يسعى له نتنياهو، الذي يتعرض لهجوم إسرائيلي داخلي غير مسبوق بسبب تعطيله انجاز صفقة تبادل للأسرى مع حركة “حماس” وإنهاء الحرب.
ورقة “حماس” القوية
وتحدثت وسائل إعلام عبرية، الأربعاء، عن آخر مستجدات مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة والتوصل لصفقة تبادل بين إسرائيل و”حماس”، وقالت قناة “كان” نقلاً عن مصادر في فريق التفاوض الإسرائيلي، إن نتنياهو لا زال يضع عقبات أمام التوصل لصفقة تبادل أسرى، وأضافت أنه حتى الليلة الماضية كان هناك عدة أشخاص في الدوحة في محاولة يائسة لإنقاذ احتمالات نجاح الصفقة.
وأشارت القناة إلى أن هذه المفاوضات الملموسة تعود بالكامل إلى نتنياهو وتحت إدارته والمسؤولية عنها تقع تحت عاتقه، مؤكدة أن من بين العقبات التي يضعها نتنياهو ما يخص نتساريم وفيلادلفيا، حيث أنه يصر على عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا.
بدورها قالت صحيفة “يديعوت احرونوت” العبرية، إنه لا يزال 109 أسرى محتجزين في قطاع غزة بينهم عشرة مواطنين أجانب، ورسميا أعلنت إسرائيل مقتل 36 منهم “ثلاثة منهم أجانب، بمعنى أنه لا يزال هناك 73 على قيد الحياة”.
وأوضحت الصحيفة أنه “من الناحية العملية ووفقا للتقديرات والتقارير المختلفة فإن عدد الأسرى الأحياء أقل وربما أكثر من 50″، ولفتت إلى أن “هذا الغموض بشأن مصير العديد من المختطفين يعتبر أحد الخلافات الرئيسية بين إسرائيل وحماس وهو ما يمنع إلى جانب قضية فيلادلفيا ونتساريم من تقدم الصفقة المطروحة”.
وأكدت الصحيفة، أن “هناك شكوك أيضا فيما إذا كان سيتم التوصل إلى صيغة مقبولة لكل من إسرائيل وحماس فيما يتعلق بالانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية ولذلك لا زالت الخلافات والفجوات كبيرة”.
محرر الشؤون العربية في صحيفة “هآرتس”، إن حركة “حماس” ترى فخا في أحدث مقترح لوقف إطلاق النار بعدما تبنت الولايات المتحدة موقف إسرائيل، وإن ردها على ما يجري في غزة قد يكون استئناف العمليات “الاستشهادية”، في حين شككت افتتاحية الصحيفة في أن يكون نتنياهو قد قبل فعلا الخطة الأميركية الجديدة.
وفي تقرير بعنوان “وحدة الجبهات: العمليات الاستشهادية رد حماس على ما يجري في غزة”، كتب جاكي خوري محرر الشؤون العربية في هآرتس أن حماس ترى -في الأساس- في أحدث نسخة من مقترحات وقف إطلاق النار الأميركية المتقلبة تبنيا لموقف إسرائيل في رفض نهاية الحرب والانسحاب الشامل من قطاع غزة.
وكتب أن عملية التفجير في تل أبيب قبل يومين، والأهم منها تبني حماس وحركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتهما عنها، أحيت خوفا قديما وهو عودة العمليات “الاستشهادية” إلى قلب إسرائيل كما في تسعينيات القرن الماضي، حتى إنه لم يُعرف إذا ما كانت الحركتان قادرتين عملياتيا على شنها.
ولاحظ الكتاب أن توقيت التفجير الذي أدى لمقتل شخص وإصابة آخر يكتسي أهمية هو الآخر، إذ جاء في خضم حراك دبلوماسي وسياسي لمحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وقبيل زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
ورغم أن الهجوم محدود، فإن القلق لن يختفي حسب كاتب التقرير الذي ذكّر بأن رسالة الفلسطينيين، خاصة حماس والجهاد، واضحة، وهي أن مواصلة تعطيل الصفقة، خاصة من قبل نتنياهو، تعني أن الصراع سيتغير، إن لم يكن في القطاع، ففي داخل إسرائيل، وستُطرح العمليات الاستشهادية خيارا مرة أخرى.
ووصف ذلك بنوع آخر من وحدة الجبهات، فأحداث غزة تؤثر على الضفة الغربية وما يستشعره سكان الضفة سيؤثر على كبريات مدن إسرائيل.
التوقيت مهم أيضا بالنسبة لحماس من حيث إنها تنظر لا فقط إلى ما حدث الأيام القليلة الماضية، بل أيضا إلى ما لم يحدث، فالضغط الدولي (بما فيه العربي) ضعيف، والأمم المتحدة نفضت يديها مما يجري، ولم يعد يُعوّل كثيرا على محكمة العدل الدولية، أما غزة فعمها الخراب، وفق تعبيره.
وأضاف الكاتب الإسرائيلي أن رئيس حركة حماس يحيي السنوار لا يزال يحتفظ بورقتين أشبه بالجزرة والعصا: فمن جهة يمسك بالأسرى الإسرائيليين الذين يتطلب الإفراج عنهم إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وإنهاء الحرب والانسحاب من غزة، ومن جهة أخرى يشن حرب عصابات في القطاع ويحاول إضرام النار في الضفة وإطلاق عمليات انتقامية داخل إسرائيل.
الفخ الأمريكي
وقال الكاتب خوري إن حماس ترى فخا في المقترح الأميركي الأحدث الذي قضى أساسا بوقف متدرج لإطلاق النار مع احتفاظ إسرائيل بخيار استئناف القتال في نهاية المرحلة الأولى.
وأضاف أن المقترح يعني بالنسبة لها أن واشنطن تتبنى موقف إسرائيل التي ترفض أساسا الالتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب والانسحاب التام من غزة، لذا تعمدت حماس -حسبه- تسريب تفاصيل الخطة وأبرزها تأجيل بحث نهاية الحرب حتى نهاية المرحلة الأولى، مع غياب التزام واضح بالانسحاب من محور فيلادلفيا وبتجسيد آلية مراقبة في محور نتساريم، ناهيك عن مطالب إسرائيل بترحيل عشرات الأسرى الفلسطينيين ورفضها إدراج أسماء عشرات آخرين.
واختتم خوري كاتبا أن حماس ليس لديها ما تخسره، فقد فهمت أن هدف واشنطن الحصول على سلام حتى انتخابات الرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل وتقديم صورة نصر في عودة المحتجزين المدنيين (وربما بعض المجندات) مقابل الإفراج عن عدد محدود من الأسرى الفلسطينيين، وهي تعتقد أن المرحلة الثانية تكتسي أهمية أقل بالنسبة لواشنطن وحتى بالنسبة لإسرائيل التي ترى في كل ذلك ثمنا من أثمان الحرب، لذا تركز الحركة معركتها الحقيقية على المرحلة الأولى على أمل أن تكون الأخيرة.
وبهذا الصدد، علّقت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية على التفاؤل الذي تحاول إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أن تبثه بشأن المفاوضات الجارية لإبرام صفقة وقف إطلاق نار وتبادل أسرى، في وقتٍ تقول إسرائيل وحماس إنّ “الخلافات الكبرى لا تزال من دون حل”.
وقالت الصحيفة الأميركية إنّ إدارة بايدن “تضع، مرةً أخرى، ثقلها الدبلوماسي وراء الجهود المبذولة لكسر الجمود في المفاوضات بين إسرائيل وحماس، بشأن وقف إطلاق النار، لإنهاء الحرب المستمرة منذ 10 أشهر في غزة. وأعرب المسؤولون الأميركيون عن تفاؤلهم بشأن إمكان التوصل إلى اتفاق”.
ونقلت الصحيفة، عن مسؤولين مطلعين على المحادثات، أنّه بموجب الاقتراح الأميركي الجديد، “سوف تتمكن القوات الإسرائيلية من مواصلة دورياتها في جزء من حدود غزة مع مصر، وإن كان عبر أعداد مخفضة”.
لكن هذا الحل “من المرجح أن يكون غير قابل للتطبيق بالنسبة إلى حماس”، كما “أعربت مصر أيضاً عن اعتراضاتها الشديدة على الوجود الإسرائيلي طويل الأمد في تلك المنطقة”، وفق “نيويورك تايمز”.
وأكّدت القاهرة أنّها لن تقبل بقاء قوات إسرائيلية في محور “فيلادلفيا”، وهو ما يقول عنه المسؤولون المصريون إنّه “قد يشكل تهديداً للأمن القومي، ومن المرجح أن يثير غضب الرأي العام المصري”.
وفي إشارة إلى إحباط مصر، “صعّدت وسائل الإعلام الحكومية لهجتها ضد إسرائيل في الأيام الأخيرة، متهمةً إياها بمحاولة إثارة قتال مع مصر بشأن الممر، من أجل تأخير التقدم في وقف إطلاق النار في غزة”، بحسب الصحيفة.
وما يُشكّل عقبةً أخرى هو طلب المسؤولين الأميركيين أيضاً، خلال محادثات وقف إطلاق النار، التي انتهت يوم الجمعة الماضي، تأجيل المحادثات المعمقة بشأن طلب “إسرائيل” “فحص” النازحين الفلسطينيين العائدين إلى شمالي قطاع غزة، وفقاً لمسؤولين مطلعين على المحادثات.
وعليه، “يبدو الآن أنّ المحادثات تواجه خطر الوصول إلى طريق مسدود آخر”، بينما قال مسؤولان إسرائيليان إنّ موعد الاجتماع المقبل “لم يتم تحديده بعد”، وإنّه “من غير الواضح أين قد يُعقد”.
وامام هذا التطور.. هل ستقع “حماس” في الفخ؟ وهل ستقبل مصر بتواجد إسرائيلي على معبر رفح وفيلادلفيا؟ وماذا عن رد إيران