ماذا يعني خروجُنا لساحات التضامن والنصرة لغزة؟
عبد القوي السباعي
أنا وأنت.. وهذا وذاك؛ جميعنا نمتلك من المشاعر والأحاسيس الإنسانية؛ ما يجعلُنا نتأثَّرُ ونتفاعلُ عند مشاهدة أَو سماع قصصٍ مؤثرة أَو تفاعلية تتناولُ مواضيعَ إنسانيةً عميقة.
حتى وإن كانت قصصًا من وحي الخيال تُعرَضُ على شاشات التلفزة، لكنها تعكسُ معاناةً كبيرةً وتدفع الكثيرين منا للتفكير فيها والتأثر من محتواها.
ورؤيةُ أشلاء الأطفال قبل دموعهم وصرخاتهم، وعويل النساء الثكالى ونحيب المكلومين والمقهورين وآهات الجرحى والمرضى، أليس بالإمْكَان أن تكون هذه المشاهد مؤلمةً للغاية ومؤثرة على الكثير من الناسِ؟ ويمكن أن تكونَ المشاعرُ والأحاسيسُ التي يتم نقلُها قويةً ولا تطاق ولا يسعُ الفردَ منّا تحمُّلُها لشدة وَقْعِها على نفسياتنا.
هكذا هي معاناة غزة.. معاناةٌ ترويها شلالاتٌ من الدماء وأكوامٌ من الأجساد المحترقة والمتناثرة، لأطفال ونساء ورجال بمختلف الأعمار، في مجازرَ وحشية يومية يشُنُّها الكيانُ الصهيوني الغاصب، على مرأى ومسمع العالم كله، في واحدةٍ من أكبر القصص والقضايا الإنسانية الواقعية المؤلمة في وقتنا الراهن.
في غزةَ كُـلُّ شيء يئنُّ ويتوجع.. البشر.. الشجر.. الحجر؛ في غزة كُـلّ شيء يصرُخُ ويستصرخ مَن يمتلك في نفسه ذرةً من إنسانية، ليس لتقديم الدعم والمساعدة، مثل الماء والغذاء والدواء، فحسب، بل بالدم والنصرة واستمرار الموقف المساند المتضامن، والضاغط حتى تحقيقِ الحرية والاستقلال والعدالة والانصاف والعيش الكريم فيها.
في اليمن تمثِّلُ فعالياتُنا اليومية وخروجُنا الأسبوعي في المسيرات المليونية أسمى أشكال التعبير عن التضامن والنصرة، ودعم الكرامة الإنسانية، وأرقى صور الانتصار للحرية التي لا وطن لها ولا أرض؛ لأَنَّها سماء، والسماء وطن الجميع، وفلسطين أرض العروبة والإسلام.
خروجُنا موقفٌ يعبِّرُ عن الحرية التي هي روحُ الموقف الأخلاقي والإنساني؛ فبدون الحرية لا أخلاق ولا إنسانية ولا إبداع في موقف ولا واجب؛ ولأنها أَسَاسُ القيم الإنسانية لا تُعطَى على جرعات؛ فالمرء إمّا أن يكونَ حُرًّا أَو لا يكون.
خروجُنا نصرةً لغزة، مسؤوليةٌ جماعيةٌ؛ لأَنَّها موقفٌ لا يُستجدَى بل هبةٌ مِنَّا عن رغبة بأن نكون مسؤولين عن أنفسنا، فالمواقفُ الحرة ثمرةٌ نادرة، تنبت على شجرة نادرة تُدْعَى الوعي والفهم والإدراك لما يجب أن نكونَ عليه، في موقفٍ يلخِّصُ أهميّة حياتنا وكيف يمكن لمشاركتنا أن تكونَ وسيلةً لتحقيق مبادئنا في هذه الحياة.
خروجُنا إلى ساحات فلسطين خطوة أولى قوية، تتطلَّبُ شجاعة وإصراراً واستمرارية؛ كونها تعبيرًا صادقًا عن الوقوف في المستقبل في مواجهة مباشرة مع ذلك العدوّ الذي ينفردُ بغزة وأهلها، وضد كُـلّ أشكال الظلم والقمع، بما يعكسُ قِيَمَنا الإيمانية والإنسانية والأخلاقية.
خروجُنا إلى الساحات يبعَثُ برسالةِ دعم معنوي قوية وفورية إلى أهلنا في غزة وكل فلسطين، بأنهم ليسوا وحدَهم، فنحن إلى جانبهم؛ ما يمنحُهم الأملَ والقوةَ لمواصلة صمودِهم وثباتهم وجهادهم ونضالهم، ونشاركُ ونساهمُ في زيادة الوعي بالقضية الفلسطينية العادلة، بين شعوب الأُمَّــة وشعوب العالم، ونحُثُّ المجتمعَ الدولي على اتِّخاذ إجراءات ملموسة.
لا تستصغروا مواقفَكم، فالاستمرارُ في فعالياتنا اليومية وخروجنا الأسبوعي الكبير يمكن أن يحقّق تغييراً ملموساً على أرض الواقع؛ فكل خطوة من هذه الخطوات هي تعبيرٌ عن التزامنا بالقيم الدينية والإنسانية والأخلاقية، وهي أولى خطوات التحضير لدخول معركة “وعد الآخرة”، المفصلية وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.. فلا تتردَّدوا في أن تكونوا أنتم طليعةَ المشاركين فيها.. والجمعةُ موعِدُنا.