مناعة اليمن مقابل القوة الغربية
يمانيون – متابعات
انطلقت أعمال المساندة العسكرية اليمنية رسميًا لغزّة في العاشر من أكتوبر 2023 بإعلان قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي استعداد الحركة لدخول الحرب باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة، واتخاذ خيارات عسكرية أخرى في حال تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ مباشرٍ إلى جانب إسرائيل، وقد تدرّج التصعيد اليمني من مهاجمة كيان الاحتلال بالصواريخ إلى استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وعند باب المندب، ومن ثمّ توسعت دائرة الاستهداف ليشمل بحر العرب والمحيط الهندي وصولا إلى المرحلة الرابعة من التصعيد والتي تؤكد على استهداف أي سفينة تدخل موانئ فلسطين المحتلة بما فيها موانئ البحر الأبيض المتوسط وتكسر الحصار المفروض الذي أعلنته القوات المسلحة اليمنية ضمن هذه المرحلة، معلنة عن الإعداد المستمر للمرحلتين الخامسة والسادسة من سلّم التصعيد ضدّ كيان الاحتلال الصهيوني وحلفائه الغربيين.
تتحدث هذه الدراسة المرفقة أدنى الملخص عن ضغوط الولايات المتحدة والغرب على حكومة صنعاء وفشلها في ردع أنصار الله وتسييل قوتها العسكرية على شكل منع التصعيد في البحر الأحمر وحماية الملاحة الإسرائيلية فيه وحماية مصالحها وصعوبة استخدام أسلحة غير تقليدية في المواجهة.
مارست الولايات المتحدة والغرب ضغوطاً عسكرية واقتصادية وأمنية على حكومة صنعاء بهدف ردعها عن مساندة غزة وإجبارها على التراجع عن قرار إغلاق الملاحة بوجه السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وحشدت لذلك اساطيل حربية ومدمرات لحماية هذه السفن، وشنّت الغارات الجوية على الأراضي اليمنية مستهدفة مراكز إطلاق الصواريخ والمسيرات ومنشآت حيوية أخرى، وكان نصيب هذا الجهد الفشل في تحقيق هدف ردع اليمن عن سياسته، ولم تتح للغرب والولايات المتحدة فرصة استعمال أسلحة غير تقليدية لمهاجمة اليمن والقضاء على حكومة صنعاء لأسباب موضوعية تتصل بموقع اليمن في الجيوبوليتيك وتفادي أي هزة عنيفة في منطقة باب المندب وتداعيات ذلك على التجارة العالمية، وأيضاً لأسباب تتصل بالكلفة الباهظة لهذه العملية العسكرية غير التقليدية ونسبة نجاحها، فالمستوى العسكري الأمريكي خبر فشل العمليات العسكرية التقليدية، البرية منها والجوية، وغير التقليدية في أفغانستان بمواجهة أفراد محليين تمرّسوا على القتال في الجبال وتحصنوا في مراكز القيادة والسيطرة، ولم تفلح الأسلحة التكتيكية وغير التقليدية في القضاء على حركة طالبان.
وفي الجانب الآخر، فإنّ استعمال أسلحة غير تقليدية ضدّ اليمن هو قرار بشن حرب وهو بحاجة إلى إذن الكونغرس الأمريكي وتفويضه بعد إجراء دراسة لحيثيات هذا الاستعمال ومخاطره والوقوف على أهدافها وكلفته المادية، ومسألة صرف أموال إضافية غير مقررة للجهد العسكري الأمريكي هي فكرة غير مرحب بها لدى المشرّع الأمريكي المنشغل بتأمين مليارات الدولارات لأوكرانيا بمواجهة روسيا، ومنشغل أيضاً ببرنامج ضخم جداً لتحديث الجيش الأمريكي ليكون على أهبة الاستعداد لمواجهة الخصم الصيني براً وبحراً وجواً، وهو في غنى عن فتح جبهة عسكرية جديدة سوف تمتد لعشرات السنين في منطقة باب المندب من مخاطرها إثارة الاضطرابات في أسعار المشتقات النفطية والغاز ما يؤثر على الاقتصاد الأوروبي والأمريكي بالسلب، وقد واجه التواجد الأمريكي في البحر الأحمر من صعوبة التأمين اللوجستي لتعويض استعمال الصواريخ والمقذوفات المضادة من المدمرات والبوارج الباهظة الثمن، وكان من أسباب عدم نجاح حملة “تحالف الازدهار” في ردع التصعيد اليمني عدم توفر الجاهزية المالية لتكون الحملة بمستوى التصعيد اليمني، وظهرت هذه الثغرة بوضوح أكبر لدى الشركاء الأوروبيين الذين عانوا من كلفة التشغيل وتأمين الذخائر المناسبة، حتّى أنّ بعض صواريخ الحماية للفرق والبوارج الحربية تبين أنّ خطوط إنتاجها قد تمّ إقفالها.
ومن جهة ثالثة، فإنّ فشل الغرب في تسييل قوته العسكرية على شكل منع التصعيد في البحر الأحمر وحماية الملاحة الإسرائيلية فيه وحماية مصالحه، وتردده في استعمال أسلحة غير تقليدية لإنهاء هذا التصعيد، هي نتاج حساب الكلفة والجدوى، فشن حرب أمريكية على اليمن تعني عودة الفلسفة الأمريكية لتحقيق مصالحها عن طريق القوة العسكرية واستحضار حقبة غزو العراق وأفغانستان وما تلا ذلك من تمكن بعض الدول جبي مكاسب استراتيجية مثل إيران جراء هذا النهج، وتعني أيضاً السماح برفع سقف المواجهة مع محور المقاومة واستدعاء دور أكبر لأطرافه في منطقة البحر الأحمر في تكرار لتجربة العدوان السعودي على اليمن ومآلاته الإقليمية وتعاظم دور حركة أنصار الله نتيجة تهيئة هذا العدوان لأحد أسباب بروز الحركة وتعاظمها. ويعني استخدام السلاح غير التقليدي لردع اليمن فتح أبواب التسابق في استعمال هذه الأسلحة الفتاكة أمام الدول التي تخوض صراعات “مماثلة” مثل روسيا أمام أوكرانيا، وإسرائيل ضدّ غزة وضدّ إيران، والهند ضدّ باكستان، فلا مصلحة للولايات المتحدة في فتح هذا الباب كسابقة في تاريخ الحروب طالما أنّ لديها البدائل الدبلوماسية والقدرة على احتواء التصعيد اليمني و “محاصرته” ريثما يقتنع الصهاينة بعدم جدوى الحرب على غزة.
– موقع الخنادق / ناصر الحسيني