العلاقات العربية -الإيرانية وتداعياتها..!
يمانيون/ كتابات/ طه العامري
أتذكر حين قامت الثورة الإيرانية عام 1979م بقيادة الإمام الخميني أن (الناصريين) في اليمن كانوا أول من أصدروا بيانا رحبوا فيه بقيام الثورة الإيرانية التي أسقطت أحد أعظم طغاة المنطقة المتمثل بنظام (الشاه) حليف الصهاينة وشرطي أمريكا في الخليج والوطن العربي، وأتذكر أن (البيان الناصري) أكد في سطوره أن الناصريين في اليمن يرحبون بالثورة الإيرانية ويباركون للشعب الإيراني هذا الإنجاز الثوري العظيم وأنهم مع (إيران الثورة) وليس مع (إيران الدولة) التي تحتاج لتطبيعها حوارا عربيا -إيرانيا معمقا، يشمل كل القضايا الخلافية بين العرب وجارتهم إيران، وهذا الحوار يتطلب انخراط كل الأطراف العربية وليس انخراط نظام عربي بذاته، بل دعا البيان جامعة الدول العربية -حينها – إلى أن تتبنى هذا الحوار الذي من شأنه أن يحدد مسار العلاقات العربية -الإيرانية على قاعدة حسن الجوار والشراكة الجغرافية وحماية مصالح الطرفين وحل الخلافات وتصفية النفوس، إيمانا بحقائق التاريخ والجغرافية والعقيدة والشراكة الحضارية، وهو ما لم يتحقق حينها ولم يتحقق حتى اليوم والسبب غياب الإرادة العربية الواحدة، لأن الأنظمة العربية اختلفت في كل شيء يجمعها، من وحدة العقيدة والهوية والجغرافية والمصير المشترك، ولم تتفق هذه الأنظمة على شيء إلا في ارتهانها للقوي الاستعمارية وتبعيتها المطلق لأمريكا وبريطانيا ورغبتها في (الاستسلام والتطبيع مع العدو الصهيوني) وتخليها عن فكرة الصراع مع هذا العدو، إضافة لهذا الاتفاق الذي اجتمعوا عليه، اجتمعوا أيضا على خيانة بعضهم والتآمر على بعضهم ومنافسة بعضهم في تقديم التنازلات لأعداء الأمة والارتهان لهم والتبعية المطلقة والمخلصة لهؤلاء الأعداء، والدليل تعاملهم الراهن مع أحداث فلسطين والجرائم الصهيونية المرتكبة في قطاع غزة..!
منذ الغزو الصهيوني لبيروت عام 1982م الذي جاء بعد اتفاقية (كامب ديفيد) تخلى النظام العربي عن فلسطين –رسميا- بمعزل عن التصريحات الزائفة التي يطلقها النظام العربي هنا وهناك وفي المؤتمرات وأمام وسائل الإعلام، وهي تصريحات كاذبة وزائفة، خاصة وأن هذه الأنظمة قد تبنت رؤية وموقف أمريكا والصهاينة تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتحولت الأنظمة العربية التي كان ملوكها وشيوخها وقادتها وزعماؤها يخطبون ود (ملك الملوك شاه إيران المخلوع)، تحولوا تلقائيا بعد قيام الثورة إلى أعداء للثورة وقادتها تماشيا مع الرغبة الأمريكية -الصهيونية..!
كانت أولى مؤشرات استهداف العلاقة العربية –الإيرانية، تتمثل بتطبيق استراتيجية الاحتوي المزدوج بين العراق وايران وهي استراتيجية ابتكرها مستشار الأمن القومي الأمريكي (بريجينيسكي) والتي تعني دفع العراق وايران لتدمير قدراتهما لتوفير أمن الكيان الصهيوني، لأن قدرات البلدين تشكل خطرا حقيقيا على أمن ومستقبل هذا الكيان..!
الأمر الآخر وخشية من تأثير الثورة الإيرانية على شعوب المنطقة وخاصة دول الخليج -حلفاء أمريكا- حيث (الكنز) الذي تسيطر عليه أمريكا وبريطانيا والغرب الاستعماري، ابتكرت أمريكا واتباعها فكرة (الصراع الشيعي -السني) والخطر الشيعي وسخرت لهذه الفكرة ماكنتها الإعلامية الجبارة ونخباً فكرية وسياسية وكتاباً وصحفيين ودعاة وفقهاء ومفتين وأجهزة استخبارية، أضف لكل هذا أن أمريكا راحت تخوف قادة بعض الأنظمة العربية بخطورة الثورة الإيرانية التي تهدد عروشهم وأنظمتهم وأنه لا حل أمامهم إلا الارتهان المطلق لها والتفاهم مع الكيان الصهيوني وتشكيل تحالف يواجه أخطار ومخاطر الثورة الإيرانية..!
عام 2000م وبطلب من أمريكا، رفع النظام العربي يده عن فلسطين قضية ومقاومة ورفض فكرة المقاومة وأجبر الرئيس الشهيد ياسر عرفات على قبول (المبادرة العربية للسلام) التي قدمتها السعودية لقمة المغرب عام 1982م باسم ولي العهد عبدالله بن عبدالعزيز، وكتب المبادرة الصحفي الأمريكي (توماس فريدمان) المقرب من البنتاجون..!
وجدت حركة المقاومة الفلسطينية نفسها معزولة بدون راع وبدون داعم من العرب الذين اعتبروها مقاومة (إرهابية)، مع أنهم يدركون أن هذا العدو لم يعترف بسلام ياسر عرفات ولم يعترف بالاتفاقيات التي أبرمت معه برعاية أمريكية وعربية ودولية، وتعرض أعضاء حركتي حماس والجهاد للاعتقالات والمطاردات والقتل في أكثر من بلد عربي وخاصة دول الخليج والأردن والمغرب ومصر لاحقا بعد خلافها مع جماعة الإخوان ..!
فاتجهت المقاومة إلى الجمهورية الإسلامية التي أبدت استعدادها تقديم كل أشكال الدعم والإسناد لها، مع العلم أن الجمهورية الإسلامية كانت قد بدأت سابقا بتقديم المساعدات المادية والعسكرية واللوجستية (لحركة فتح) بقيادة الرئيس الشهيد ياسر عرفات الذي تلقى (تسع شحنات من الأسلحة عبر سفن نقلتها إلى غزة)، وتلقى دعما معنويا وسياسيا وماديا ولوجستيا من الجمهورية الإسلامية، قبل أن تلتقي حركتا حماس والجهاد مع إيران وتقيمان علاقة معها، وكأن هذا الموقف الإيراني أتى تجسيدا لمقولة وعهد الإمام الخميني الذي قال خلال لقائه بالرئيس ياسر عرفات عام 1979م بعد قيام الثورة الإيرانية (سأقف خلف المدفع الفلسطيني ولو تخلى عنه ياسر عرفات)..!