“آيزنهاور” تغادرُ المنطقة برصيد تأريخي من الفشل.. اليمنُ يطوي صفحةَ الهيمنة البحرية الأمريكية
بعدَ محاولاتٍ للتكتم على الضرباتِ اليمنية العسكرية التي طاردت حاملةَ الطائرات الأمريكية “آيزنهاور” في البحر الأحمر خلال الأسابيع الماضية، أعلنت الولايات المتحدة مساءَ السبت، وبشكل رسمي، سَحْبَ حاملة الطائرات الشهيرة ومجموعتها الهجومية من المنطقة؛ الأمر الذي أعاد طرحَ السؤال المحرج لواشنطن حول ما أنجزته هذه المجموعة خلال الأشهر الماضية، وفقًا للأهداف التي تم نشرها لأجل تحقيقها، وهو سؤال يجعل مهمة المجموعة البديلة بقيادة الحاملة “روزفيلت” أصعبَ بكثير.
مغادرةُ حاملة الطائرات “آيزنهاور” ومجموعتها الهجومية من المدمّـرات والسفن الحربية، بدت كأنها خطوة اضطرارية سابقة لأوانها المخطّط له؛ فالحاملة كانت قد حاولت مؤخّراً أن تتقدم ببطء من شمال البحر الأحمر باتّجاه الجنوب، بمرافقة حاملة طائرات إيطالية ومجموعة من المدمّـرات؛ مِن أجلِ محاولة التغطية على هروبها شمالًا بعد استهدافها من قبل القوات المسلحة اليمنية؛ وبهدف إنكار وقوع تلك الهجمات وتأثيرها؛ وهو ما يعني أن الانسحاب تماماً لم يكن مخطّطًا له في هذا التوقيت؛ وهو ما يعني أن الهجومَ الرابعَ الذي أعلنت القوات المسلحة، الأحد، عن تنفيذه على “آيزنهاور” قد دفعها إلى تسريع عملية الانسحاب، وعدم انتظار حاملة الطائرات البديلة.
وبرغم أن الولايات المتحدة لا زالت تصر على إنكار الهجمات اليمنية على “آيزنهاور”؛ لما تمثله هذه الهجمات من ضربة تأريخية لسمعة وقوة البحرية الأمريكية، فَــإنَّها لا تستطيع أن تنكر فشل حاملة الطائرات ومجموعتها الهجومية في تحقيق الأهداف التي نُشرت لأجلها قبل أكثر من سبعة أشهر في البحر الأحمر، وأبرزها هدفُ حماية السفن المرتبطة بالعدوّ الصهيوني والولايات المتحدة وبريطانيا، وهدف تدمير القدرات البحرية والصاروخية والجوية اليمنية للحد من العمليات المساندة لغزة.
ففيما يتعلق بالهدف الأول، وبرغم أن الولايات المتحدة تزعم دائماً قيامها باعتراض صواريخ وطائرات مسيرة وزوارق يمنية، فَــإنَّ ذلك لم يسهم حتى في “تخفيف” آثار العمليات اليمنية أَو احتوائها في منطقة معينة، بل تصاعد مسار استهداف السفن المعادية بشكل واضح سواء على مستوى المدى (من البحر الأحمر وباب المندب إلى البحر العربي ثم المحيط الهندي وُصُـولاً إلى البحر المتوسط) أَو على مستوى نوعية الأهداف (من السفن الإسرائيلية والمرتبطة بالعدوّ الصهيوني إلى السفن الأمريكية والبريطانية ثم السفن المتجهة إلى العدوّ الصهيوني ثم سفن الشركات التي تتعامل مع العدوّ مهما كانت جنسيتها أَو وجهتها) أَو حتى على مستوى شدة الضربات (من الاستهداف التحذيري إلى الإغراق).
وفي هذا السياق فقد أقرت الولايات المتحدة بإنفاق ما يزيد عن مليار دولار من الذخائر الدفاعية التي استخدمتها “آيزنهاور” ومجموعتها حتى إبريل الماضي، لكن ذلك لم يثمر شيئاً؛ إذ لا زالت جميعُ فئات السفن المستهدفة تتجنب المرور في منطقة العمليات اليمنية، والسفن التي تحاول انتهاكَ الحظر تتعرض لأضرار كبيرة وقد تغرق.
وقد أقر ضباط البحرية الأمريكية على متن “آيزنهاور” ومجموعتها خلال الأشهر الماضية بأن المهمة التي يواجهونها صعبة ولا يمكن أن تنجزها الولايات المتحدة، كما أقر الحلفاء الأُورُوبيون الذين لجأت إليهم واشنطن بالأمر نفسه.
ولا يختلفُ الحال بالنسبة للهدف الثاني والمتمثل في تدمير القدرات اليمنية من خلال العدوان الذي تولت “آيزنهاور” ومجموعتها تنفيذه من البحر والجو؛ فبرغم الغارات المُستمرّة منذ يناير، والتي تضمنت إطلاق مجموعة كبيرة من صواريخ “توماهوك” عالية التكلفة، كانت النتائج شبه معدومة، وبرغم من المزاعم التي تكرّرها القيادة المركزية الأمريكية بشكل مُستمرّ عن تدمير مخازن ومنصات إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة، فَــإنَّ تصاعد كثافة العمليات اليمنية وشدتها واتساع نطاقها يمثل دليلًا حاسمًا على أن الضربات العدوانية التي نفذتها مجموعة “آيزنهاور” فشلت في إحداث أي تأثير على القدرات اليمنية.
هذا أَيْـضاً ما اعترف به الأمريكيون خلال الفترة الماضية، بما في ذلك الرئيس الأمريكي نفسه، وما زالوا يعترفون به حتى الآن، حَيثُ أكّـدت صحيفة “واشنطن بوست” الأحد، أن الحملةَ العسكريةَ الأمريكية “لم تردع” اليمنيين، وكان قادة كبار على متن “آيزنهاور” نفسها قد أقروا سابقًا بأن القدرات اليمنية تمثل “ثقبًا أسودَ” بالنسبة للجيش الأمريكي، كناية عن عدم امتلاك أي معلومات حول حجم هذه القدرات.
وقد أقر الصهاينة أَيْـضاً وبشكل صريح بفشل التحالف الأمريكي البريطاني في الحد من العمليات اليمنية، حَيثُ عبر المدير التنفيذي لميناء أم الرشراش المحتلّة، جدعون جولبر، أكثر من مرة عن خيبة أمل كبيرة تجاه عجز الولايات المتحدة عن التخلص من الخطر اليمني.
ووفقًا لهذه الحقائق، فَــإنَّ “آيزنهاور” ومجموعتها المسماة بـ”المجموعة الضاربة” قد فشلت بشكل واضح وتام في مهمتها، ومغادرتها الآن تمثل محطة تأريخية شاهدة على أن الولايات المتحدة قد فقدت “سيطرتها” البحرية في المنطقة وعجزت على امتداد أكثر من 7 أشهر عن استعادة ولو جزء من هذه السيطرة.
هذا الرصيد الواضح من الفشل، يجعل مهمة حاملة الطائرات البديلة “روزفيلت” أكثر صعوبة، خُصُوصاً وأن قواعد ومعادلات الاشتباك اليمنية قد تطورت ووصلت إلى حَــدّ الاستهداف المباشر لـ”آيزنهاور”؛ الأمر الذي قد يجعل الحاملة “روزفيلت” معرَّضةً للاستهداف بمُجَـرّد وصولها إذَا نفَّذت هجمات على اليمن؛ وهو ما سيجعلها أعجزَ عن البقاء لنفس الفترة التي بقيت فيها “آيزنهاور” في البحر الأحمر.