“نيويورك تايمز”: الولايات المتحدة لم تعد تقود العالم
يمانيون – متابعات
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية مقالاً للكاتب ستيفن فيرتهايم، وهو مؤرخ ومحلل للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، يتحدث فيه عن تراجع هيمنة الولايات المتحدة على العالم، ويصفها بأنها باتت زعيمَ فصيل فقط، ويذكر أنّها باتت تواجه مقاومة دول متحالفة ضد هيمنتها، وأنها تنخرط في حروب إقليمية دعماً لحلفائها بدلاً من أن تسعى إلى إحلال السلام.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
بعد أربع سنوات من حكم دونالد ترامب، كان من المفترض أن يعيد جو بايدن الولايات المتحدة إلى موقع القيادة العالمية. نجح بايدن في حشد حلف شمال الأطلسي للتصدي للعملية الروسية في أوكرانيا، وعمل على دعم التحالفات القديمة في آسيا، وبنى تحالفات جديدة، وأجج الرياح الاقتصادية المعاكسة للصين، لكن مع ذلك، فإنّ القيادة العالمية تنطوي على ما هو أكثر من دعم الأصدقاء وهزيمة الأعداء. إنّ القادة لا يبقون في القمة فحسب؛ إنهم يحلون المشكلات ويلهمون الثقة أيضاً.
أين تقف القوة الأميركية اليوم؟ لم يحدث قط خلال العقود التي تلت الحرب الباردة أن بدت الولايات المتحدة أقل زعامة للعالم، لتغدو زعيماً لفصيل فقط، ويقتصر دورها على الدفاع ضد الخصوم المتحالفين بشكل متزايد.
في الأشهر الأولى من العملية الروسية، حقق البيت الأبيض نجاحات تكتيكية، ما مكّن من الدفاع عن أوكرانيا وتنظيم المساعدات من الحلفاء وتسهيل انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو. ومع ذلك، فإنّ الصراع يمثل أيضاً انتكاسة استراتيجية للولايات المتحدة.
والأسوأ من ذلك أنّ الصين وإيران وكوريا الشمالية اقتربت من بعضها بعضاً لدعم المجهود الحربي الروسي ومقاومة ما يسمونه الهيمنة العالمية الأميركية. وقد أثبت هذا الوفاق المناهض لأميركا بالفعل قوته بالقدر الكافي للتخفيف من تأثيرات المساعدات الغربية لأوكرانيا. ولروسيا حدود مباشرة مع 6 دول تلتزم الولايات المتحدة بالدفاع عنها بموجب معاهدة. وفي الوقت نفسه، يستعد البنتاغون لغزو صيني لتايوان. الولايات المتحدة ليست متفوقة على الإطلاق. إنها مفرطة بشكل سيئ.
في الوقت نفسه، باقي دول العالم لا تتداعى للوقوف إلى جانب أميركا. بايدن لم يساعد في حل الأمور. ومن خلال تصوير الصراع على أنه “معركة بين الديمقراطية والاستبداد” وبذل القليل من الجهود الواضحة للسعي إلى السلام من خلال الدبلوماسية، بدا كأنه يطلب من الدول الأخرى الاشتراك في حرب لا نهاية لها. ولم تفرض أي دولة تقريباً، إلى جانب حلفاء الولايات المتحدة، عقوبات على روسيا. أما عزل الصين، إذا هاجمت تايوان، فسوف يكون مهمة أطول. وفي أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، تحسنت بالفعل التصورات عن روسيا والصين منذ عام 2022.
جاءت حرب غزة في أسوأ وقت ممكن، ورد بايدن على هذه الكارثة بالاندفاع، وتعهد على الفور بدعم الحرب الإسرائيلية القاسية بدلاً من وضع شروط على “إسرائيل” بإيجاد استراتيجية من شأنها حماية المدنيين في مقابل إرسال المساعدات العسكرية لها. اختار بايدن أن يتبع، وليس أن يقود. وفي صراع حاسم، الولايات المتحدة ظهرت ضعيفة وقمعية في الوقت نفسه. لقد بدأت التكاليف المترتبة على سمعة أميركا وأمنها في الظهور للتو. وحتى وقت ليس ببعيد، حاولت الولايات المتحدة التوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
في الوقت نفسه، في مقابل تطبيع السعودية علاقاتها مع “إسرائيل”، تسعى واشنطن إلى الالتزام، بموجب معاهدة، بالدفاع عن المملكة السعودية بالقوة العسكرية الأميركية. إنّ هذه الصفقة، إذا حدثت، فلديها فرصة ضئيلة لإحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وفرصة كبيرة لزيادة توريط الولايات المتحدة في العنف الإقليمي.
ويكمن جزء من المشكلة في ميل بايدن إلى المبالغة في التعاطف مع شركاء الولايات المتحدة. لقد أذعن لأوكرانيا بشأن ما إذا كان ينبغي لها مواصلة مفاوضات السلام وتجنب تناقض أهدافها المتطرفة في الحرب. لقد قام بتسريع المساعدات لـ”إسرائيل” حتى مع الشك العلني في خططها الحربية. كما تعهد أربع مرات بالدفاع عن تايوان، وهو ما يتجاوز التزام الولايات المتحدة الرسمي بتسليح الجزيرة، ولكن ليس بالضرورة القتال من أجلها. على عكس بايدن، احتفظ أسلاف الرئيس الأميركي الحالي “بالغموض الاستراتيجي”، على سبيل المثال، بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة قد تخوض حرباً بسبب تايوان.
بعد الخروج من الحرب الباردة، خلط صناع السياسات الأميركيون بين القيادة العالمية والهيمنة العسكرية، وكانت الولايات المتحدة تمتلكهما بالتأكيد، ويمكنها توسيع نطاقها العسكري بأمان من دون مواجهة رد فعل مميت من الدول الكبرى. قامت الإدارات المتعاقبة بتوسيع تحالفات الولايات المتحدة، وبدأت حروباً متكررة، وكانت تهدف إلى نشر الديمقراطية الليبرالية، متوقعة أن يقبل المنافسون المحتملون نصيبهم في النظام الأميركي. واليوم، انتهى هذا التوقع الساذج. تواصل الولايات المتحدة توسيع نفسها بشكل أكبر، وتجد مقاومة هائلة، الأمر الذي يغري بدوره واشنطن بمضاعفة جهودها. إنّها لعبة خاسرة، وسيتعين على الأميركيين أن يخاطروا وينفقوا المزيد من أجل الاستمرار في لعبها.
هناك نهج أفضل متاح. ومن أجل استعادة القيادة العالمية، يتعين على الولايات المتحدة أن تظهر للعالم المشكك بأنها تريد صنع السلام وبناء المرونة، وليس مجرد استنزاف عدو أو دعم حليف، وهذا يعني دعم أوكرانيا، ولكن العمل بالقدر نفسه من الجدية لإنهاء الحرب على طاولة المفاوضات، إلى جانب التحول التدريجي إلى دور أصغر في حلف شمال الأطلسي والإصرار على أن تقود أوروبا دفاعها. وكان اقتراح بايدن الأخير لوقف إطلاق النار في غزة جديراً بالثناء، باستثناء أنه يفتقر إلى التهديد بوقف إرسال الأسلحة إلى “إسرائيل” إذا رفضت وقف الحرب.
إنّ الانسحاب من أوروبا والشرق الأوسط من شأنه أن يحسن المشاركة الأميركية في المجالات الأكثر أهمية في آسيا، ومن شأنه أن يوضح أن هدف أميركا ليس السعي إلى الهيمنة. لن يكون أي من هذا سهلاً بالطبع، لكن قارنه بالبديل. إن قيادة فصيل واحد فقط من العالم يحوّل الولايات المتحدة إلى تابع متوتر، فهو يضع الأميركيين بشكل دائم على أعتاب الحرب في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، لكن الخطر الحقيقي يكمن في المجازفة بقدر كبير من الأمن العالمي من أجل دولة واحدة مستعدة للإفراط في الالتزام. القادة الحقيقيون يعرفون متى يفسحون المجال للآخرين.
– الكاتب: ستيفن فيرتهايم – نقلته إلى العربية: بتول دياب
– الميادين نت