(نص) الدرس الأول للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من حكم الإمام علي عليه السلام
دروس من حكم أمير المؤمنين علي “عَلَيْهِ السَّلَام” ألقاها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يَحْفَظُهُ اللَّه” الدرس الأول السبت 2 ذو الحجة 1445هـ 8 يونيو 2024م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
بمناسبة دخول شهر ذي الحجة الحرام، نتوجه إلى شعبنا اليمني المسلم العزيز، وإلى أمتنا الإسلامية كافَّة بالتهاني والتبريكات.
شهر ذي الحجة هو من الأشهر المباركة، وفيه مناسباتٌ دينيةٌ في غاية الأهمية، وبركاته في القربة إلى الله، ومضاعفة الأجر، وما فيه من الفرص التي فتح الله فيها أبواب رحمته لعباده، لذلك هناك فرصة عظيمة، وهناك بركة كبيرة لشهر ذي الحجة المبارك.
في هذا الشهر المبارك (شهر ذي الحجة)، من ضمن مناسباته الدينية وفي مقدمتها هو: أداء ركنٍ عظيمٍ من أركان الإسلام، وفريضةٍ عظيمةٍ مقدسة، هي فريضة الحج، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كما قال في القرآن الكريم: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران: من الآية97]، فريضةٌ عظيمة، وأهميتها كبيرة، على المستوى التربوي في تزكية النفس، في التزود بالتقوى، فيما يتعلق أيضاً بجانب الهداية، والحج باعتباره ركنٌ عظيمٌ من أركان الإسلام له أهداف عظيمة، وله غايات كبيرة ومقدسة، وهو من أهم معالم الدين الإسلامي، بعطائه الواسع، فله أهمية على المستوى التربوي، والأخلاقي، وتزكية النفس، وعلى المستوى الروحي في الانشداد إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأيضاً على المستوى المتعلق بالمسؤولية، بمسؤوليات الأمة، وبوحدة كلمتها، وبأخوتها، ومن أهم ما يرمز إلى وحدة المسلمين، ومن أهم المعالم التي تتجلى فيها وحدة المسلمين ضمن تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وله أثره الكبير في حياة المسلمين على مستوى دينهم ودنياهم، وبركاته واسع، ولأن المقام في هذه الكلمة وفي هذه الدروس ليس مقام الحديث عن هذه التفاصيل المتعلقة بالحج، وإنما من باب الإشارة الإجمالية في هذا السياق نفسه، عن أهمية شهر ذي الحجة، وما جعل الله فيه من المناسبات والبركات.
وللأسف الشديد فالمسلمون يعانون بشكلٍ كبير فيما يتعلق بالتمكن من أداء فريضة الحج، والفوز بما فيها من العطاء الكبير، الذي يَمُنُّ الله به على عباده المسلمين، يعانون في مسألة التمكن من أداء هذه الفريضة معاناة كبيرة؛ بسبب القيود، والإجراءات، والتعقيدات التي يمارسها النظام السعودي تجاه المسلمين، وتنوعت هذه القيود، قيود، وإجراءات، وتكاليف مادية باهظة في المقدمة، أعاقت الكثير من المسلمين عن التمكن- أصلاً- من أداء تلك الفريضة العظيمة والمباركة؛ لأن إجراءات السفر لها من أصعب الإجراءات، حتى لتكاد أن تكون أكبر تعقيدات في أي سفر يريد الإنسان أن يسافره إلى أي بلد، أو إلى أي مناسبة، سيجد التعقيدات الأكبر، والإجراءات المعقدة بشدة تتعلق بأداء فريضة الحج، على مستوى قيود كذلك تحرم الكثير من أبناء الأمة من أداء هذه الفريضة، على مستوى التكاليف المالية، وهناك متاجرة من جانب النظام السعودي، متاجرة ليس له فيها أي حقٍ أبداً تجاه فريضة الحج، فهو يبتز الحجاج، ويأخذ مقدماً الكثير من الأموال، في هذا الموسم نفسه، موسم هذه السنة، كان هناك في الالتزامات المالية، في الجباية المالية، في القيود المالية، كذلك زيادة، زيادة مكلفة، وباهظة، ومؤثرة على الكثير من أبناء الإسلام، لا سيما مع الظروف الصعبة التي يعاني منها المسلمون، والشيء المؤسف أنه مجرد ابتزاز، واستغلال، وكسب محرم، يعني: ليس النظام السعودي بحاجةٍ إليه.
من حكمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أنه هيأ لأن تكون في بلاد الحرمين ثروة، وسعة في الرزق، وكانت هذه المسألة في تدبير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” منذ البداية، من زمان قديم، من دعوة نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، حينما استجاب الله له دعاءه، مع أنه في دعائه كان يريد أن تقتصر دعوته للمؤمنين، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أجاب عليه بقوله: {قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا}[البقرة: من الآية126]، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في تدبيره جعل هناك سعة، سعة تُسْقِط أي تعلل، أو تبرير، يحاول من يسيطر على مكة أن يبرر به ابتزازه لحجاج بيت الله الحرام لأخذ المال منهم، فالنظام السعودي يجب أموالاً طائلةً جداً، ويتعامل مع بيت الله الحرام، والديار المقدسة، والشعائر الإسلامية، يتعامل معها كمورد مالي، من ضمن موارده المالية، لم يكفه أن لديه موارد ضخمة وهائلة جداً، في مقدمتها: أكبر احتياطي من النفط على مستوى العالم، وأكبر إنتاج نفطي لديهم، يصدرونه ويجنون من ورائه مليارات الدولارات، لم يكفهم ذلك؛ وإنما اعتبروا الشعائر الإسلامية مورداً من الموارد المالية، وفرضوا جبايات مالية، من خلال شعائر الحج، ومن خلال العمر، هذا شيءٌ مؤسف!
وفعلاً نحن في اليمن، ونحن بلد مجاور، بلدٌ مجاورٌ لبلاد الحرمين الشريفين، ومع ذلك معظم اليمنيين يجدون مسألة الحج مسألةً معقدة في إجراءاتها، وترتيباتها، وكلفتها المالية، الكلفة المالية التي تؤخذ من الحاج مقدماً، دع عنك مسألة النفقات هناك، وهم يستغلون حتى هذه المسألة، عندما يأتي موسم الحج يقومون برفع الأسعار هناك، ويقومون أيضاً برفع الأسعار، ورفع الإيجارات، ورفع مستوى أي شيء يتعلق به تكاليف مالية، بحيث يحاولون أن يستغلوا ذلك- كما قلنا- كمورد مالي، لكن إلى أسوأ مستوى يتخيله الإنسان، ثم يطلقون على أنفسهم ألقاب (خادم الحرمين)، ويقدمون أنفسهم أنهم يخدمون الحرمين الشريفين؛ ينما هم يستغلون الحرمين الشريفين؛ للحصول على أموال هائلة جداً ولابتزاز الناس.
ثم المعاملة هناك، المعاملة مع الحجاج، القيود التي تُفرض عليهم أثناء أداء فريضة الحج، وأثناء شعائر الحج، قيود في إطار النظرة المذهبية الوهابية الضيقة، وأيضاً في إطار آخر: إطار التوجه السياسي للنظام السعودي الذي يطغى على كل شيء، ثم يكون هو السقف فوق شعائر الحج، فوق ما فيه من فرائض، ما يفترض فيه أيضاً من أنشطة تُعزز الأخوَّة الإسلامية بين المسلمين، وتساعد من التفاف المسلمين حول قضاياهم الجامعة والكبيرة، ومسؤولياتهم المقدَّسة… وغير ذلك، يحاول ما يفترض أن يخرج به الحجاج أيضاً من ترسيخ لموقفهم الإسلامي تجاه أعداء الأمة، وتجاه الشيطان وأولياء الشيطان، ويرمز إلى ذلك رمي الجمار… إلى غير ذلك من التفاصيل، فهناك أيضاً التوجه السياسي للنظام السعودي، الذي يجعل منه سقفاً، ويحاول أن يهبط بكل أمور الحج، شعائره، ما فيه من مناسبات، ما فيه من أمور مهمة تحت سقف توجهه السياسي، وليس على سبيل أن يقوم هو بتحويل توجهه السياسي، ليكون سقفه ما في الحج من فرائض، من شعائر، من أذكار، من مناسبات، ما فيه أيضاً من هدايةٍ إلهية، ما فيه من أنشطة عملية لها دلالة إلى واقع الأمة، ترتبط بواقع الأمة، وقضايا الأمة، ومسؤوليات الأمة… إلى غير ذلك، فهو عكس المسألة تماماً، هذا شيءٌ مؤسف!
والنظام السعودي لا يمتلك الحق في تلك الممارسات والسياسات، التي حوَّل بها الحج إلى موردٍ ماليٍ من جهة، وفرض سياساته من جهةٍ أخرى، إضافة إلى بعض الممارسات، منها: ممارسات تكررت في عدة أعوام، ممارسات تستهدف الحجاج في حياتهم، وتؤثِّر على أمنهم وسلامتهم، ومنها الاعتقالات، البعض من الناس اعتقلوا من بلدان متعددة، من اليمن، من مصر… من دول متعددة، واعتقلوا وهم يؤدون شعائر الحج، وهم في الديار المقدسة، وهم في الموطن الذي أراده الله أن يكون آمناً، وجعل له حرمته العظيمة، فيقومون باعتقال من يريدون اعتقاله دون تقدير حرمة بيت الله الحرام والديار المقدسة، وحرمة شعائر الحج، والبعض أيضاً كذلك في العمرة، ولها حرمتها كذلك، لكنهم ينتهكون كل الحرمات.
ليس لهم الحق في كل تلك الممارسات، التي يدخل كثيرٌ منها تحت عنوان (الصَّدّ عن المسجد الحرام)، هذا العنوان تحدث عنه القرآن الكريم في آيات كثيرة، وكان من أبرز جرائم الكافرين في عصر رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، حينما كانوا يسيطرون على مكة المكرمة، ويتحكمون بشعائر الحج، كان الحج بقي متوارثاً بين العرب حتى في الزمن الجاهلي، ولكن أثناء سيطرة المشركين على مكة كان هناك معاناة كبيرة، فكانوا يمارسون ممارسات تدخل ضمن الصَّدّ عن المسجد الحرام، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج: الآية25].
السيطرة على مكة لا تعطي أي جهة سيطرت عليها مشروعية التصرف كما يحلوا لها، كما تشاء وتريد، وفق سياساتها الخاطئة، وتوجهاتها الخاطئة والمنحرفة عن تعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولذلك ليس للنظام السعودي شرعية في قيوده وإجراءاته الظالمة والخاطئة، وقيوده التي تشكِّل عائقاً لأكثر المسلمين عن الذهاب إلى الحج، أو عن أداء فريضة الحج كما ينبغي، وفق هدي الله وتعليماته المباركة، وفق الأهداف التي رسمها الله لتلك الفريضة العظيمة، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عندما قال في القرآن الكريم: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[الأنفال: من الآية34]؛ لأن الإجراءات التي تُشكِّل عائقاً للناس عن الذهاب لأداء فريضة الحج، وعن الذهاب إلى العمرة، هي تدخل في عنوان (الصد عن المسجد الحرام)، كذلك القيود التي تعود إلى سياساتهم الخاطئة، التي يتحكمون بها على الناس في أدائهم لتلك الفريضة المقدسة، فيقول الله: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ}[الأنفال: من الآية34]، ليس لهم ولاية عليه، ما يمارسونه من ممارسات هي ممارسات لا شرعية لها، وليس لهم الحق فيها، {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[الأنفال: من الآية34].
فالقيود المالية، والإجراءات الظالمة والمعقدة، والمخاطر الأمنية في الاعتقال والتهديد للناس في حياتهم، القيود على أداء هذه الفريضة تدخل بكلها تحت عنوان (الصد عن المسجد الحرام)، وهي مما تعانيه الأمة، في عدم تمكُّنها من الاستفادة من ذلك الركن العظيم، الذي له أهميته الكبرى، وكان يمكن لو تهيأت الظروف للأمة لأداء ذلك الركن العظيم، في ظروفٍ مريحة، بدون تعقيدات، بدون قيود ظالمة، كان يمكن أن يكون له أثر كبير جداً، في واقع المسلمين على المستوى التربوي والأخلاقي، وعلى مستوى القضايا الكبرى والجامعة، والمسؤوليات المقدسة، وعلى مستوى أيضاً الواقع الاقتصادي للأمة… على كل المستويات.
في شهر ذي الحج أيضاً هناك مناسبة أخرى، هي: مناسبة عيد الأضحى، الذي هو عيدٌ للمسلمين، له أهميته الكبيرة، وله أيضاً علاقة بالحج نفسه من جهة، وفيه أيضاً تخليدٌ لموقفٍ عظيم، يمثل درساً عظيماً للأجيال البشرية إلى قيام الساعة، درسٌ قدَّمه نبي الله وخليله إبراهيم “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ”، مع ابنه نبي الله إسماعيل “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ”، درس عظيم: في التسليم لأمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والمحبة لله، والطاعة لله “جَلَّ شَأنُهُ”، وإيثار رضا الله على كل الاعتبارات، وهو درس مهم جداً، تحدثت عنه الآيات المباركة من (سورة الصافات)، في قصة الرؤيا التي رآها نبي الله إبراهيم في منامه، عندما كان يرى في المنام أنه يذبح ابنه نبي الله إسماعيل “عَلَيْهِمَا السَّلَام”: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}[الصافات: من الآية102]، القصة معروفة، ليس المقام أيضاً في الدخول في التفاصيل المتعلقة بها.
في العيد نفسه، له دلالة مهمة في تعزيز الأواصر والروابط الأخوية بين المسلمين، والعناية بالفقراء، والمواساة لهم، والصلة لذوي الأرحام… وغير ذلك.
أيضاً فيه ذكرى حجة الوداع، حجة الوداع التي ودَّع النبي “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” فيها أمته، وأعلن عن قُرب رحيله من الحياة الدنيا، وقدَّم فيها توجيهات وتعليمات ذات أهمية كبيرة جداً للأمة.
فيه أيضاً ذكرى يوم الولاية، الذي أتم الله فيه النعمة، وأكمل فيه الدين، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: من الآية3].
في أول شهر ذي الحجة، الثلث الأول من الشهر: الليالي العشر، التي ورد عند المسلمين بمختلف مذاهبهم روايات أنها الليالي العشر المقصودة بقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في (سورة الفجر): {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ}[الفجر: 1-2]، هناك روايات لدى مختلف المذاهب الإسلامية أن المقصود بها عشر ذي الحجة، الأولى من شهر ذي الحجة، وردت روايات عن فضلها، ومن الواضح عندما أقسم الله بها في القرآن الكريم أن لها فضلها. وردت روايات عن فضل الأعمال فيها، ومضاعفة الأجر، وأهمية الإكثار فيها من ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والدعاء، والتَّقَرُّب إلى الله بالأعمال الصالحة، ولذلك فهي موسم من المواسم المباركة، والشهر بكله كثرت فيه المواسم والمناسبات التي لها أهميتها وبركاتها، ولذلك ما المهم الاستفادة من هذا الموسم العظيم في القربة إلى الله تعالى، والسعي للارتقاء الإيماني والأخلاقي، وعلى مستوى الوعي وزكاء النفس، الإنسان بحاجة مُلِحَّة وحاجة ضرورية جداً إلى الاستفادة من مثل هذه المواسم في واقعه النفسي، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فتح لعباده أبواب رحمته، مثل هذه المواسم هي من أبواب رحمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفضله العظيم، وفضله الواسع، ومن الفرص التي يهيئها الله لعباده، ويتيحها لهم.
الأيام المعلومات، والأيام المعدودات، التي ورد الحث على الاكثار من ذكر الله فيها (في سورة الحج، وفي سورة البقرة) هي ضمن هذا الشهر، من العشر الأواخر، وأيضاً في أيام التشريق، والإكثار من ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من أهم العبادات، ومن أعظم القُرَب إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والله يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد: الآية28]، الإنسان بحاجة على المستوى الروحي، الحاجة النفسية للشعور بالسكينة، والاطمئنان، والقرب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الحاجة إلى العناية بالإكثار من ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
فشهر ذي الحجة فيه مناسبات متعددة، وهو موسم مبارك، وداخله مواسم مباركة؛ ولذلك يفترض بالإنسان أن يكون هناك فارق في مسيرة حياته، في أيام حياته، فإذا أتت مثل هذه المواسم: موسم شهر رمضان المبارك، موسم شهر ذي الحجة الحرام، وما شابهها من المواسم التي فيها بركات، ويفتح الله فيها من أبواب رحمة ما يساعد الإنسان على الارتقاء في علو الدرجات الإيمانية، وفي القربة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفيما يتعلق بمستقبله الأبدي في الآخرة، ولسعادته في الدنيا والآخرة، يفترض أن يكون لدى الإنسان اهتمام، لا يكون الإنسان في مسيرة حياته تغلب عليه الحالة الروتينية الاعتيادية، فلا يفرق ويلحظ الفرص التي هيئها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من الغبن الكبير للإنسان أن تفوته مثل هذه الفرص، التي هو في أمسِّ الحاجة للاستفادة منها.
في أجواء هذه المناسبات والمباركات، وما فيها أيضاً من البركات، نُقَدِّم- كما في العامين الماضيين- دروساً من حكم أمير المؤمنين عليًّا “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، الذي قال عنه رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”: ((عَلِيٌّ مَعَ القُرْآنُ، وَالقُرْآنُ مَعَ عَلِي))، وقال عنه أيضاً: ((عَلِيٌّ مَعَ الحَقّ، وَالحَقُّ مَعَ عَلِي))، وسمَّاه أيضاً باب مدينة علمة، ففي هذه الأيام المباركة- عادةً كما في العام الماضي والذي قبله قدمنا دروساً- نُقدِّم في هذه الأيام- إن شاء الله- دروساً كذلك من حكم أمير المؤمنين علي “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، التي هي من نور القرآن، من نور الهدي النبوي، من تعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
في مقدمة المواضيع التي سنتحدث عنها– إن شاء الله- خلال هذه الأيام موضوع مهم: موضوع المسؤولية العامة، وإدارة شؤون الأمة، باعتبار هذا الموضوع من أهم المواضيع التي يحتاج المسلم فيها إلى وعي، وإلى فهمٍ صحيح، وإلى نظرة إسلامية قرآنية، ورؤية سليمة، وسبق أن قدَّمنا ما قبل العام الماضي (دروس عهد أمير المؤمنين عليٍّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” إلى مالكٍ الأشتر النخعي “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”)، وكان فيها الشيء المفيد جداً فيما يتعلق بهذا الموضوع نفسه، وأيضاً في هذه الأيام المباركة سنقدِّم أيضاً نصوصاً تتعلق بهذا الموضوع، ونتحدث على ضوئها إن شاء الله.
هذا الموضوع له أهميته الكبيرة في حياة الناس، وهذا شيءٌ واضح، أهم عامل مؤثِّر في حياة الناس، في معيشتهم، في استقرارهم، في دينهم ودنياهم، هو إدارة شؤونهم، إذا كانت تُدار شؤونهم على أساسٍ صحيح، ومبادئ صحيحة، وبأداءٍ صحيح؛ سيكون لهذا آثاره الإيجابية، والطَّيِّبة، والمهمة في حياتهم، وإذا أُديرت شؤون حياتهم على أسس خاطئة وباطلة، وبممارسات وأداء خاطئ؛ سيكون لذلك تأثيره السيء على حياتهم، في كل مجالات حياتهم: في الجانب الاقتصادي، في الجانب الأمني، في الجوانب الإنسانية، والأخلاقية، والاجتماعية، في كل شؤون حياتهم.
الشيء المؤسف أن السائد في أوساط الأمة: إمَّا- وبالذات النخب- إمَّا التأثُّر بالرؤية الغربية، الرؤية التي تعتمد عليها أمريكا والغرب وأوروبا والغرب بشكلٍ عام تجاه هذا الموضوع، فهناك من أوساط النخب في أوساط الأمة الإسلامية من يتأثر بتلك الرؤية، ويراها الرؤية المثلى، يدعو إليها، يدفع باتجاه تطبيقها والالتزام بها، والبعض في اتجاهٍ آخر لديهم أيضاً تمسُّك بمفاهيم خاطئة، حُسِبت على الإسلام والإسلام منها بريء، ودجنت الأمة الإسلامية على مدى قرونٍ من الزمن للطغاة، الجائرين، المظلين، الظالمين، الذين أوصلوا الأمة إلى الحضيض في دينها ودنياها؛ ولذلك نحتاج إلى أن نستوعب الرؤية الصحيحة، التي قدَّمها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم، وقدَّمها رسوله وخاتم أنبيائه محمد “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وتحرَّك على أساسها، ثم أيضاً كان من نماذجها العظيمة، والمستوعبة لها، والملتزمة بها، أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”.
الرؤية الغربية هي رؤية لا تنسجم أبداً مع هوية أمتنا، وأول أساس ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار في هذا الموضوع هو: هوية أمتنا وانتماؤها؛ لأن كل ما يرتبط بحياتها وشؤونها من المفترض أن يرتبط بذلك: بهويتها وانتمائها، وهذا شيء طبيعي، الشيء الصحيح يعني، هويتها الإيمانية الإسلامية، وانتماؤها الإسلامي، يجب أن يكون هو الأساس، الذي تم بثق عنه وتتفرع عنه بقية التفاصيل، بقية الأمور، في مقدمتها هذا الموضوع: كيف تدار شؤون حياتها في مختلف المجالات، الرؤية الغربية لا تنسجم بأي حال مع هوية أمتنا، وانتمائها الإسلامي الإيماني.
انتماء أمتنا للرسالة الإلهية، بما فيها من المبادئ العظيمة، والقيم، والأخلاق، والتعليمات الإلهية، والشرع الإلهي، والأهداف، والغايات العظيمة والمقدسة، يجعلها بشكلٍ لا يمكن أن تنسجم أبداً مع الرؤية الغربية، التي تنسف القيم والأخلاق بشكلٍ تام، ووصلت إلى ما وصلت إليه من محاولة لقوننة الشذوذ والفساد الأخلاقي، هل يمكن أن تنسجم أمتنا الإسلامية معهم؟! وهم وصلوا إلى أسوأ مستوى من الانحطاط، وضرب القيم الإنسانية الفطرية، والقيم الإلهية، والأخلاق النبيلة، كل ذلك منسوفٌ عندهم هم، ما هم عليه من الهمجية والطغيان والإجرام تجلَّى في كثيرٍ من الأحيان، تجلى كثيراً وكثيراً، من آخر ما فيه: دعمهم للعدو الصهيوني الإسرائيلي، للإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
فإذاً في ما هم عليه هم، نرى أنهم لا يعيرون أي اعتبار للأخلاق الإنسانية، للقيم الإلهية، للتعليمات الإلهية، ونجد كيف أنهم يتوحشون، ويرتكبون الجرائم، والفظائع، والموبقات، والمخزيات، وليس لديهم قيمة نهائياً، لا للأخلاق، ولا للقيم، ولا للحق، ولا للعدل، ولا لأي شيءٍ من هذه الأمور، وأمريكا بنفسها تُقدِّم نفسها على أنها أكبر نموذج لتطبيق الرؤية الغربية الليبرالية، فنحن نراها في ما هي عليه من همجية وطغيان وإجرام، ومن ظلم، ومن فساد بكل أشكاله، وفي المقدِّمة الفساد الأخلاقي، ومن طغيان، تستهدف بقية الأمم والشعوب. العدو الإسرائيلي يقدِّم نفسه أيضاً نموذجاً آخر، ونحن نرى ما هو عليه من إجرام، وطغيان، وفساد، وظلم، وتوحش.
الرؤية الغربية ليست رؤية صالحة لأن تعتمد عليها أمتنا، المفهوم الخاطئ الذي تبناه البعض في الوسط الإسلامي، في تدجين الأمة للطغاة، الظالمين، المجرمين، المضلين، الذين لا يهتدون بهدي، ولا يستنون بسنة، كذلك لا ينسجم مع القرآن، ولا مع الإسلام، ولا مع مصلحة الأمة، وأضراره كانت كبيرةً جداً على الأمة، ولازالت الأمة تعاني من أضراره بشكلٍ كبير إلى الآن.
كما تجلى لنا في دروس عهد أمير المؤمنين علينا “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، التي سبقت قبل العام الماضي، وفي الواقع التطبيقي لأمير المؤمنين، عظمت الرؤية الإسلامية، سنلحظه أيضاً وتتجلى لنا في الدروس التي سنتحدث على ضوئها، والنصوص التي سنتحدث عن ضوئها- إن شاء الله- في هذه الدروس.
هناك أسس مهمة تحكم نظرة الإنسان إلى هذا الموضوع: إدارة شؤون الأمة والمسؤولية العامة، في مقدِّمة هذه الأسس هو: إيماننا بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبرسله وأنبيائه وكتبه، ونظرتنا أيضاً إلى الدور الذي يقوم به الإنسان، وفهمنا لعلاقتنا بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كيف هي كبشر، وكيف ينبغي أن تكون أيضاً، هذا جانبٌ مهمٌ جداً.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” نحن نؤمن به أنه الخالق، والرازق، والملك الحق المبين، والإله الحق، ونحن عبيده، فعلاقتنا بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” علاقة العبيد بربهم، وإلههم، وملكهم، له فينا حق الأمر والنهي والملك؛ ولذلك فنحن نرى أنفسنا عبيداً لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لا نعبد إلا إياه، هذه الرؤية هي تحررنا من العبودية لغير الله، وبالتالي نحن لا نرى لأحدٍ من البشر أن له الحق في أن يكون هو من يمتلك حق الأمر المطلق، والنهي المطلق، والتشريع للعباد، هذا هو حقٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنه ربنا، وإلهنا، وملكنا، ومالكنا، ونحن عبيده، هذا أساسٌ مهم، تبنى عليه هذه المسألة بكل ما فيها من التفاصيل.
دورنا أيضاً كبشر في هذه الحياة، دور الإنسان هو خليفةٌ في هذه الأرض، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الذي استخلفنا في هذه الأرض، وهو المالك للأرض، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” خلق السماوات والأرض، وهو ملك السماوات والأرض ومالك السماوات والأرض، والأرض من ممتلكاته، هو الذي يملك هذه الأرض، واستخلفنا فيها، ونحن عبيده، ضمن دورٍ محدد رسمه لنا في هذه الحياة؛ ولهذا في بداية التدبير الإلهي لوجود البشر، بيَّن الله هذا الدور للإنسان، في قوله للملائكة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: من الآية30]، فالإنسان هو مستخلفٌ في هذه الأرض، أكَّد الله على هذه الحقيقة في كتبه، في القرآن الكريم نفسه، قال الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأنعام: الآية165].
الاستخلاف في الأرض للبشر هو نعمة عظيمة، وفيه تكريم كبير للإنسان، ونعمة كبيرة على الإنسان، واقترنت بهذه النعمة مسؤولية في نفس الوقت؛ ولذلك سخَّر الله للبشر ما في السماوات وما في الأرض في إطار هذا الدور، في إطار دور الاستخلاف في الأرض هذه النعمة، كما قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}[لقمان: من الآية20]، والمسؤولية كبيرة على الإنسان في كيف يتعامل مع نعم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كيف يؤدي دوره في الاستخلاف في الأرض وفق تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فهناك هدف مقدَّس من وجود الإنسان في هذه الحياة، ومن وجود الكون والحياة كذلك؛ ولذلك عَبَّر القرآن الكريم عن المسؤولية التي علينا كبشر تعبيراً عظيماً، يُقدِّم لنا مثالاً، يصوِّر لنا تصويراً حجم وكبر هذه المسؤولية، فقال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب: الآية72]، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” زوَّد الإنسان ومكَّن له بما يمكنه من أداء هذه المسؤولية، وهي مسؤولية لها هذا الثقل، هذه الأهمية الكبيرة جداً.
فوجود الإنسان في هذه الحياة ليس وجوداً عبثياً، والرؤية الغربية تجعل وجود الإنسان وجوداً عبثياً، لا يقترن به أي هدف مقدَّس، وابتنت على رؤيتها تلك الخاطئة، والله يقول: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون: الآية115]؛ ولذلك هناك ربط بين وجود الإنسان في هذه الحياة، ومصيره في الآخرة، ومصيره في الآخرة في الحياة الأبدية، الإنسان في إطار هذا الدور ما يفعله، ما يعمله هو مسؤولٌ عنه يوم القيامة، فالإنسان في إطار مسؤوليته في الاستخلاف في الأرض هو له هذه الصلة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذه العلاقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الله هو ربنا، ملكنا، إلهنا، له الأمر والنهي فينا، ولابدَّ لنا من الالتزام بتعليماته وهديه؛ لأداء دورنا بالشكل الصحيح، وبما يحقق لنا النتائج العظيمة والفوز العظيم، وأيضاً نحن بحاجة، نحن بحاجة، إعراضنا عن هدى الله، عن تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يترتب عليه حتماً الشقاء، حتى في المجتمعات التي لديها وفرة مادية، لا تخرج من حالة الشقاء بشكل آخر، فالإنسان بحاجة إلى الله، إلى رحمته، وحكمته، وهدايته، والرسالة الإلهية هي ترافقت مع الوجود البشري منذ بدايته، منذ آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، أتته تعليمات الله، وهديه، ووحيه، وشرعه، واستمرت ترافق المسيرة البشرية في كل مراحلها، إلى خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد بن عبد الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وباعتبار أنها هي الحقبة المتأخرة والأخيرة من حياة البشر.
هناك من ضمن المسؤوليات المهمة التي تقع على عاتقنا في هذه الحياة: إقامة القسط، نحن نؤمن بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أنه القائم بالقسط في خلقه وعباده، في نفس الوقت علينا مسؤولية تجاه العمل لإقامة القسط، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}[آل عمران: من الآية18]، وقيامه بالقسط يمتد إلى ما يقدمه لنا، من تعليمات، من هدى، من شرع، فيما يربط حياتنا به في مختلف المجالات؛ ولذلك يقول “جَلَّ شَأنُهُ”: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}[الحديد: من الآية25]، كمسؤولية، ويقول أيضاً لعباده المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}[النساء: من الآية135]، وهذه من المسؤوليات المهمة، التي تستقر بها حياة المجتمع البشري، وتزدهر بها، وتصلح بمقدار ما تتحقق في واقع الحياة.
إن شاء الله نجعل من هذه المقدِّمة لندخل في النصوص بشكلٍ مباشر، ثم نتحدث على ضوئها إن شاء الله تعالى، لكن نكتفي في هذا اليوم بهذه المقدِّمة للدروس.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛