حشودُ الأحرار في يمن الأنصار
عبد القوي السباعي
في كُـلِّ جمعةٍ لموعدٍ يضمُّهم لقاء.. من كُـلِّ فَجٍّ عابقٍ يأتون في إباء.. جاءوا هُنا استجابةً لدعوةٍ مضمونُها نداء.. ودونما يعوقُهم ملل، أَو يعتريهم الكسل.. تدفقت حشودُهم خالصةً لا مَنَّ منهم أَو رياء.
وهكذا المعهودُ من قِدم، مُذ خُط بالقلم، والسيد العلم قد قالها بأنهم أهل الحمية والوفاء.. وعهده بهم في منشطٍ ومكره.. في شدةٍ أَو رخاء.. هم الأباة والتقاة، من يركبون صهوة الخطر، في البرد والصقيع.. في الحر والرمضاء.. في الشمس.. في المطر.. في صيف أَو شتاء.. يمضوا مجاهدين، وغير آبهين لتقلبات الطقس، وحالة الأنواء.. لسان حالهم: لا ضير أن تسري بهم يا سيدي في ذات صبحٍ أَو مساء.
يأتوك في ولاء، هاماتهم في الأفق شامخةً تناطح السماء، يلجون في الميدان كالنجوم، يأتوك من كُـلّ التخوم، ومن حَيثُ لا تدري؛ وكيف ما تشاء، يأتون أرقاماً تَعُدُّها فلا تُعد.. جاءوا هُنا؛ فيملؤون بوعيهم، بحماسهم، معالمَ الساحات، ومسالك الأرجاء.
يتدفقون كالسيول العارمة، ويزفرون كالرياح الصاخبة، وكأنهم أمواج بحرٍ هائج؛ وصلوا هُنا، ما بين أشوسٍ ماجدٍ معطاء، وغضنفرٍ كاسرٍ يتوهج حماساً ويتوقد فداء.. صرخاتهم، هتافاتهم، وقبل أن تعانق الفضاء، يطؤون بالأقدام موطئاً مباركاً، فهؤلاء الكرماء عظماء أشداء، يغتاظ من مجيئهم أئمة الطغاة وسائر الأعداء.
في يمن الأنصار ما عدت تعرف من هُنا وصل، ومن يقف في الصف والمسار، فقد تماثلت سحناتهم واستحضر الأجداد والأحفاد بالآباء والأبناء، والأقيال والأذواء.. وباختصار، ما عدت تعرف أيَّهم سبأ وحمير المغوار، وأيهم تبع الأكبر وكهلان وذو ريدان ظفار، وأيهم يسأر يهنعم وأسعد الوتار، وأيهم شمر يهرعش وذو يزن ومعد يكرب أَو الأشتر وعمار، وأيهم يحيى وزيد، وأيهم البدر والحسين، وأيهم حيدرة الكرار، وكأنَّهم يا سيدي في واحدٍ تمازجت هيئاتُهم وفوقها الأسماء.. جميعهم في واحدٍ كالمعصراتِ جاء.