القوات المسلحة اليمنية.. لا خطوط حمراء والتصعيد بالتصعيد
يوم بعد آخر تفاجئنا القوات المسلحة اليمنية بجديد معادلاتها الرادعة وعملياتها العسكرية النوعية، ضد المدمرات الأمريكيةُ والسفن البريطانية والسفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، وهي عمليات يقول عنها قادةُ البحريةِ الأمريكيةِ إنها الأخطر منذُ الحربِ العالميةِ الثانية، ويعترفون بالتحدي الذي تفرضه القدراتُ اليمنية، وبجرأةِ قائدِها وهو ينتقل من مرحلةٍ تصعيديةٍ إلى أخرى، مُوسِّعاً مسرحَ المواجهةِ بما لا تقوى عليه القواتُ البحرية الغربية مجتمعة وهو ما حدا بالقوة البحرية الأوروبية للتعميم على السفن المرتبطة بالعدو بالابتعاد عن اليمن 800 ميل، وهو ما لن يجي نفعاً مع التطوير المتواصل للقدرات اليمنية.
أكثر من 115 سفينة وبارجة تم استهدافها على مسرح العمليات من البحر الأحمر إلى خليج عدن والبحر العربي امتدادً إلى المحيط الهندي وكذلك البحر الأبيض المتوسط، في جغرافيا مترامية تنتشر خلالها أحدث الأسلحة لدول كان يقال عنها “عظمى” وأصبحت عاجزة عن إحداث تغيير ، بل بات المشهد معقدا أكثر، فما كان مسموح للبوارج الغربية بالأمس بات اليوم ذنباً يوجب العقاب فوراً دون مماطلة.
آخر عمليات القوات البحرية نفذت في منتصف مايو الجاري واستهدفت المدمرةَ الأمريكيةَ “ميسون” في البحرِ الأحمرِ حيث جرى استهدافها بعدد من الصواريخِ البحريةِ المناسبة، وبالتزامن كان هناك عملية أخرى لسفينة حاولت المراوغة وخداع القوات المسلحة، فاستحقت العقاب ضعفين، من القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير في عملية مشتركة ضد السفينة (Destiny) في البحرِ الأحمرِ بعد انتهاكِها قرارَ حظرِ مرورِ السُّفِنِ المتجهةِ إلى موانئِ فلسطينَ المحتلةِ وذلكَ بتوجهِهَا إلى ميناءِ أُمِّ الرشراشِ في 20 أبريل الماضي بأسلوبِ الخداعِ والتمويهِ بادعاءِ توجهِهَا إلى ميناءٍ آخر، إلا أنّها كانتْ تحتَ الرصدِ والمتابعةِ من قواتِنا المسلحةِ، وتم توجيهُ التحذيراتِ إليها بعدمِ دخولِ موانئِ فلسطينَ المحتلةِ فأصرّتْ على انتهاكِ قرارِ المنعِ فأصبحتْ في قائمةِ السُّفُنِ المستهدفةِ والممنوعةِ منَ الإبحارِ في مِنطقةِ عملياتِ القواتِ المسلحةِ اليمنية.
وهكذا بات المشهد، فلا البوارج الحربية استطاعت حماية السفن ولا حماية نفسها، ولا استطاع التحالف الأمريكي بغاراته الجوية أن يحد من قدرات قواتنا المسلحة، وحتى الخداع والالتفاف لم يجدِ نفعا، وكل الطرق مؤصدة والأبواب مغلقة، والأزمة تشتد وتزداد تعقيدا يوما بعد آخر، وهو ما حدا بقيادات التحالف الأمريكي للإقرار بالفشل لمكاشفة الرأي العام الغربي بحقيقة المعركة وتحدياتها.
دفاع بريطانيا وبحرية أمريكا تقران بالفشل
وفي جديد الاعتراف البريطاني بتأثير العمليات البحرية اليمنية، فقد اعترف وزير الدفاع البريطاني بتطور أسلحة الجيش اليمني وفرضها واقعاً عسكرياً جديداً، مؤكدا عزمه تحديث ترسانة بريطانيا الحربية لمواجهتها .
وقال وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس ، في تصريحات 14 مايو : “مع استخدام الحوثيين في المقام الأول لطائرات بدون طيار غير مكلفة في العمليات البحرية، فمن الواضح جداً أننا نعمل في عصر عسكري جديد، وعلينا تحديث قدراتنا الدفاعية”، مضيفاً : “في أقل من عام، اضطرت البحرية إلى استخدام صواريخها عدة مرات، وهو أمر لم يحدث في السنوات الأخيرة” مشيراً إلى أن “بلاده ستقوم ببناء سفن حربية ذات قدرة على الضربات البرية لمساعدة بريطانيا على التكيف مع العصر العسكري الجديد” لافتاً إلى أن “الحكومة قد وضعت خطة لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5%”.
من جانبه أقر وزير البحرية الأمريكي، “كارلوس ديل تورو”، بتعرض البوارج الأمريكية في البحر الأحمر لنحو 300 هجوم يمني.
وقال “تورو” في تصريحات صحفية 15 مايو: “إن البوارج الأمريكية واجهت مئات الصواريخ والمسيرات التي أطلقها “الحوثيون” خلال الأشهر الستة الماضية”.
كما أقر وزير البحرية الأمريكي بتدشين اليمن عملياته في البحر المتوسط، زاعماً أن قواتهم بالبحر الأبيض المتوسط أسقطت مؤخراً عدة صواريخ باليستية موجهة نحو “إسرائيل”.
في ذات السياق، أقر مدير الحرب السطحية في البحرية الأمريكية الأدميرال “فريد بايل”، بأن القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط تعيش وضعاً حرجاً جراء الضربات اليمنية.
وقال بايل في تصريح له في 15 مايو: “إن قواتهم البحرية منخرطة باشتباك في البحر الأحمر بطريقة لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية”.
وأضاف أن “على البحارة الأمريكيين في البحر الأحمر أن يكونوا مستعدين في أي لحظة لإجراء الاشتباكات، وعليهم القيام بذلك بشكل صحيح في كل مرة”.
وأشار مدير الحرب السطحية في البحرية الأمريكية إلى أن البحرية بحاجة إلى الاستثمار في معدات أرخص لمواجهة الطائرات بدون طيار في البحر الأحمر.
إثر ذلك، أكدت صحيفة التلغراف البريطانية، أن اليمنيين هزموا الجيش الأمريكي خلال المواجهة البحرية التي يخوضونها دعماً لغزة.
وقالت الصحيفة في تقرير: إن” “الحوثيين” هزموا الجيش الأمريكي، وحان الوقت لأن يعترف المسؤولون الأمريكيون بحقيقة أنه لا يمكن لأمريكا أن تكون قوة مطلقة، تخوض كل معركة في جميع أنحاء العالم”.
وأوضح التقرير أن مهندسي السياسة الخارجية الأمريكية، يعتقدون في كثير من الأحيان أن أمريكا تتمتع بالقوة المطلقة، وأنها قادرة على إجبار الجميع على تكييف سياساتهم بما يرضي واشنطن، إلا أن هذا الافتراض تم دحضه مرارًا وتكرارًا خاصة في اليمن.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري كل أسبوع هو دليل على أن السياسة الأمريكية لا تؤثر على عملية صنع القرار في اليمن على الإطلاق، والعمليات البحرية اليمنية مستمرة.
ابتعدوا عن اليمن 800 ميل
وفي تأكيد على تطور القدرات اليمنية لتشمل المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، حي كشفت البحرية الأوروبية، منتصف مايو الجاري ترتيبات لمسارات ملاحية جديدة في المحيط الهندي بالتزامن مع تصاعد وتيرة العمليات اليمنية وسط ترقب تصعيد جديد.
ووجهت القوة البحرية الأوروبية في منشور على صفحتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي السفن بتعميق مجال مسارها خلال عبورها المحيط الهندي وعلى بعد يزيد عن نحو 800 ميل من السواحل اليمنية.
وأشارت القوى الأوروبية إلى أن خط تعرض السفن التي تبحر قبالة أفريقيا في المحيط الهندي يجب أن تتبع مسارا أبعد شرقا لتجنب ما وصفتها بالقدرات الهجومية بعيدة المدى والتي أظهرها من وصفتهم بـ”الحوثيين”.
واقترحت البعثة إنشاء طريق بحري بديل لا يقل عن 150 ميلا شرق الطريق الحالية.
ونشر الموقع الرسمي لعملية “اتالانتا” البحرية التي تتبع الاتّحاد الأُورُوبي، الأسبوع الماضي، مذكرة نصحت “السفن التي تبحر قبالة المحيط الهندي بالحفاظ على حالة يقظة شديدة” في ضوء ما وصفته بـ”التصعيد الأخير” للهجمات اليمنية باستخدام الطائرات بدون طيار في المحيط الهندي.
وأرفق الاتّحاد الأُورُوبي المذكِّرةَ بخريطة وضح فيها اتساع نطاق العمليات البحرية اليمنية إلى المحيط الهندي، على رقعة واسعة تشمل جزيرة سقطرى ومحيطها البحري والمنطقة البحرية المقابلة لكامل السواحل الصومالية، وُصُـولاً إلى شمال جزيرة مدغشقر.
خسائر ميناء “إيلات” تفوق 3 مليار دولار
وفيما يتعلق بتبعات العمليات العسكرية اليمنية على الكيان الصهيوني فقد قال مدير معهد البيئة والرفاه الإسرائيلي، “وشيه ترديمان”، في 10 من مايو: إن ميناء “إيلات” وحده تكبد خسائر مباشرة بقيمة 3 مليارات دولار بسبب عمليات اليمن ضد السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.
وذكر تقرير صادر عن “معهد الشرق الأوسط” ومقره واشنطن أن قوات صنعاء تملك ترسانة من الصواريخ والطائرات بدون طيار القادرة على الوصول إلى “إسرائيل” من اليمن، بما في ذلك صاروخ طوفان، وهو صاروخ أرض-أرض يبلغ مداه 1800 كيلومتر.
ووفقاً للتقرير، فقد أفادت الإدارة البحرية الأمريكية، أن قوات صنعاء وسعت هجماتها في الآونة الأخيرة لتشمل المحيط الهندي الأوسع، وقد أدت هذه الهجمات إلى شل العبور البحري عبر البحر الأحمر، مما أدى فعلياً إلى “فرض حصار بحري على إسرائيل من الجنوب”. وقال التقرير: لقد أضر الحصار اليمني الفعلي على البحر الأحمر بالاقتصاد الإسرائيلي.
ويضيف: “تكبد ميناء “إيلات”، الذي يتعامل بشكل رئيسي مع واردات السيارات وصادرات الأسمدة البوتاسية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وحده خسائر اقتصادية مباشرة تبلغ حوالي 3 مليارات دولار”.
وكان الكنيست الإسرائيلي استمع في 07 فبراير 2024 إلى مدير ميناء “إيلات”، جدعون غولبر، للتوضيح حول الآثار الاقتصادية لـ”الحصار الحوثي”، ودعا غولبر حكومة نتنياهو إلى التعبئة ودفع رواتب موظفي الميناء.
وتابع: “التحدي الآخر طويل الأجل الذي يواجه إسرائيل، والذي سيعتمد على مدة الأزمة المستمرة في البحر الأحمر، هو الاضطراب الأوسع لسلاسل التوريد العالمية”، مضيفا “ففي الوقت الحالي تمر كل التجارة البحرية الإسرائيلية عبر موانئ حيفا وأشدود على البحر الأبيض المتوسط، وتبحر شركات الشحن -التي تختار تجنب البحر الأحمر- الآن حول أفريقيا، مما يعني مسافة إضافية تبلغ 8000 ميل بحري ويستغرق وصول الواردات والصادرات الإسرائيلية ثلاثة أسابيع إضافية على الأقل، مما يزيد من تكاليف النقل من حوالي 2,000 دولار إلى 2,500 دولار أو 3,000 دولار للحاوية الواحدة”.
وجاء في التقرير “كما يرتبط بهذه التحديات خطرُ فرض عقوبات صامتة على إسرائيل، فالمزيد من خطوط الشحن الدولية، بما في ذلك شركة “كوسكو” الصينية الهامة للغاية لإسرائيل، وشركة “إيفرغرين” التايوانية، توقفت عن نقل البضائع إلى إسرائيل أو قبول البضائع الإسرائيلية”.
وأضاف “وكان رد إسرائيل الطارئ على هذا الحصار البحري، هو الاعتماد بشكل أكبر على طريق التفافي بري (خط نقل الشاحنات الجديد من موانئ دبي والبحرين إلى إسرائيل عبر السعودية والأردن)، وتشمل البضائع التي يتم نقلها عبر هذا الخط البري، المواد الغذائية والبلاستيك والمواد الكيميائية والأجهزة أو المكونات الإلكترونية، رغم أن “العملية لا تزال في المرحلة التجريبية قبل الاستخدام الكامل للخط”.
ووفق التقرير فقد كانت استراتيجية “إسرائيل” تجاه حصارها في البحر الأحمر، إظهارُ هذا الحصار على أنه قضية عالمية وليس قضية إسرائيلية فقط، إلا أن الإسرائيليين حسب المعهد واجهوا انتكاسات دبلوماسية كبيرة في الأشهر القليلة.
تأثير يمني على التجارة الأمريكية والأوروبية
في ذات السياق أفاد مركَزُ أبحاثٍ تابِع للكونغرس الأمريكي بأن الأخيرَ يواجِهُ تحدياتٍ لمعاجلة التأثيرات الاقتصادية التي تسبِّبُها العمليات البحرية اليمنية التي تستهدف السفن المتوجّـهة إلى كيان العدوّ الصهيوني والمرتبطة بالولايات المتحدة وبريطانيا.
ونشرت خدمة أبحاث الكونغرس (وهو مركز أبحاث يتبع الكونغرس الأمريكي) تقريرًا تناول تأثيراتِ الوضع في البحر الأحمر، وذكر أن الكونغرس قد يضطرُّ إلى “النظر في تكاليف وفوائد اعتماد تشريع يحاول تغيير طرق الشحن للسلع المستوردة أَو إعادة تخصيص الموارد داخل الاقتصاد نحو تطوير الإنتاج المحلي للسلع المستوردة” في إشارة إلى أن العمليات اليمنية قد سبَّبت مشاكلَ في آلية استيراد السلع إلى الولايات المتحدة.
وَأَضَـافَ التقرير أن “هذه السياسات يمكن أن تؤثر على تكلفة السلع والخدمات للمستهلكين الأمريكيين، وتغيّر تدفُّقات التجارة الأمريكية والعالمية، وتؤثر على القدرة التنافسية للشركات الأمريكية” في إشارة إلى حساسية التحدي الاقتصادي الذي تفرضه العمليات اليمنية.
وذكر التقرير أن “الكونغرس قد ينظر أَيْـضاً فيما إذَا كان ينبغي على الولايات المتحدة تشجيعُ الاقتراب من الداخل وتحويل عمليات التصنيع والإنتاج إلى البلدان المجاورة القريبة بدلًا عن المواقع الخارجية البعيدة، أَو استخدام قاعدة موردين أجانب أكثر تنوعًا للشركات الأمريكية لزيادة قدرتها على الصمود”.
وتابع أن “الكونغرس قد يستكشف أَيْـضاً خيارات مساعدة الشركات الأمريكية للحفاظ على قدرتها التنافسية” وهو ما يشير بوضوح إلى أن استمرار العمليات اليمنية يهدّد القدرة التنافسية لهذه الشركات.
وأشَارَ التقرير إلى أن “استمرار ارتفاع تكاليف الشحن نتيجة العمليات اليمنية يمكن أن يزيد من تضخم أسعار الواردات على المدى القصير في الولايات المتحدة بنحو 5 %، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”.
وتضاف هذه التحديات الاقتصادية إلى تحديات وخسائرَ مباشرة تتكبدها الولايات المتحدة في البحر، حَيثُ كشف وزير البحرية الأمريكية في وقت سابق عن استنفاد ذخائر بقيمة مليار دولار في مواجهة الهجمات اليمنية.
ودخلت السفن الأمريكية نطاق دائرة النيران اليمنية؛ رَدًّا على العدوان الذي شنته الولايات المتحدة على اليمن؛ بهَدفِ حماية الملاحة الصهيونية، وهو المسعى الذي فشلت واشنطن في تحقيقه، حَيثُ اتسع نطاق عمليات استهداف السفن المرتبطة بالعدوّ الصهيوني ليشمل السفن المتجهة إلى كُـلّ موانئ فلسطين المحتلّة، فيما اضطرت السفنُ الأمريكية لتغيير مسارها بعيدًا عن البحر الأحمر؛ نتيجةَ فشل القوات الأمريكية في حمايتها.
اليمن يربك القوات البحرية في العالم
وأوضح تقرير نشرته مجلة “ذا كريدل” الأمريكية أن التطور السريع للقدرات العسكرية اليمنية جعل هذا البلد لاعباً محورياً ليس فقط على المستوى الإقليمي ولكن على المستوى العالمي.
ورأت المجلة في تقرير لها 12 مايو أن الحصار اليمني على كيان العدو الصهيوني يمثل بدوره نقطة ضغط كبيرة ضد الكيان الصهيوني، وحلفائه الغربيين، الذين فشلوا في حماية مصالحهم في البحر الأحمر، أو التصدي لحظر صنعاء على السفن التي تدخل موانئ دولة الاحتلال.
وأفاد أن اليمن أظهر قدرات عسكرية بعيدة المدى، وتخطيطاً استراتيجياً مثيراً للإعجاب أربك أعظم القوى البحرية في العالم، موضحاً أن مناورات صنعاء الهائلة في المناطق البحرية في غرب آسيا دفعتها إلى طليعة محور المقاومة في المنطقة باعتبارها العضو الأكثر قدرة على التأثير على الأمن البحري العالمي والاستقرار الإقليمي.
وأضاف التقرير: “وبينما تتجمع الولايات المتحدة وحلفاؤها حول “رصيف المساعدات” الذي تم تشييده حديثاً على ساحل البحر الأبيض المتوسط في غزة، كما يعتقد الكثيرون، لتعزيز المنطقة كموقع مستقبلي للعمليات العسكرية الأمريكية وحماية منصات النفط والغاز الإسرائيلية، فإن اليمن يبرز كخط مواجهة”.
وبين أنه دعماً لغزة، نفذت القوات اليمنية أول عملية مباشرة لها ضد الكيان الصهيوني في 18 أكتوبر 2023، وشملت تلك العملية صواريخ كروز، وطائرات بدون طيار استهدفت ميناء “أم الرشراش” في جنوب فلسطين المحتلة، ثم بدأت القوات المسلحة اليمنية استهدافها لسفن الشحن المرتبطة بإسرائيل والمتجهة إلى البحر الأحمر، مما أدى فعلياً إلى منع مرورها عبر مضيق باب المندب.
وذكرت المجلة أن هذه كانت بمثابة المرحلة الأولى في اليمن من سلسلة من العمليات البحرية المخططة بدقة.. وشهدت المرحلة الثانية حظراً أوسع نطاقاً، حيث منعت السفن من أي دولة من الاقتراب من الموانئ الإسرائيلية، حصار الممر المائي، تماماً كما تحملته اليمن على مدى ثماني سنوات، ثم اتسع نطاق عمليات القوات المسلحة اليمنية في المرحلة الثالثة ليشمل المحيط الهندي، واستهداف السفن الإسرائيلية التي تبحر في طريق رأس الرجاء الصالح الأطول بكثير – حول القارة الأفريقية – لتوصيل البضائع إلى دولة الاحتلال.
وأكد تقرير المجلة أن القوات المسلحة اليمنية قامت بتوسيع نطاق أهدافها ليشمل الأصول البحرية الأمريكية والبريطانية، وفي وقت لاحق، قامت بتوسيع مسرح عملياتها إلى المحيط الهندي الشاسع.
ولكن مع تزايد التهديدات الإسرائيلية بغزو وقصف رفح في الأيام الأخيرة، أعلنت صنعاء بدء مرحلة رابعة من التصعيد، وهو تصعيد كبير في ردها العسكري.
وتابعت أن هذه المرحلة ستستهدف السفن الإسرائيلية أو تلك المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط، وفرض عقوبات شاملة على كافة السفن المرتبطة بالشركات التي تتردد على موانئ الدولة المحتلة علاوة على ذلك، سيتم تطبيق الإجراءات على جميع سفن وشركات الشحن التي تقوم بتسليم البضائع إلى إسرائيل، بغض النظر عن وجهاتها، وهذا يمنعهم فعلياً من الوصول إلى جميع الممرات المائية اليمنية العاملة.
وبحسب تقرير المجلة، فإن الإعلان عن الجولة الرابعة من التصعيد إشارة واضحة إلى توسيع منطقة الصراع لتشمل البحر الأبيض المتوسط وتشديد الحصار على إسرائيل التي تعتمد اقتصادياً على التجارة البحرية، مبيناً أن ذلك يشكل تحديًا متجددًا للكيان المحتل وحلفائه، مما يزيد من الضغوط، خاصة على واشنطن وشركائها الأوروبيين.
السفن الحربية تحت رحمة اليمنيين
في ذات السياق، كشف تقرير لموقع ميتا ديفانس في الأسبوع الثاني من مايو عن استمرار مشكلة قلة عدد الصواريخ الاعتراضية على متن السفن والمدمرات الحربية الأمريكية والتي تعترض بها بعض الطائرات والصواريخ الباليستية المضادة للسفن.
وقال موقع ميتا ديفانس الفرنسي المتخصص بالشؤون العسكرية والدفاعية: العدد القليل الذي يمكن أن تحتويه السفن الحربية من الصواريخ المضادة الخاصة بالدفاع الجوي يشكل معضلة كبيرة لدى البحرية الأمريكية كما هو الحال أيضاً مع السفن الحربية الأوروبية المشاركة في التصدي للهجمات اليمنية ضد السفن المحظور عبورها من البحر الأحمر وخليج عدن.
وقال الموقع: إن أمريكا تعمل على تسريع تطوير المدفع الميكرويف والذي تريد تصميمه ليكون ملائماً لتركيبه على متن السفن الحربية كون هذا المدفع أرضي إضافة إلى كونه يحتاج إلى طاقة كبيرة جداً لإطلاق قذيفة واحدة.
وتعتبر قذائف المدفع الميكرويف رخيصة الثمن مقارنة بالصواريخ الدفاعية التي يبلغ قيمة الواحد منها ما بين 2- 4 ملايين دولار، وفي كل مرة يتم فيها اعتراض صواريخ باليستية مضادة للسفن يتم إطلاق أكثر من صاروخ دفاعي الأمر الذي يسبب تكلفة كبيرة جداً على البحرية الأمريكية والأوروبية إضافة إلى كون الصواريخ الدفاعية أو الصواريخ التي يتم إطلاقها من المقاتلات في الجو ويتم إطلاقها أيضاً لإصابة الطائرات بدون طيار التي تشن بها القوات اليمنية هجماتها على السفن هي أيضاً باهضة اليمن.
يقول التقرير الفرنسي: إنه حتى وقت قريب كانت البحرية الأمريكية تتفاخر بأنها الأفضل على مستوى العالم وأن لا شيء يمكنه مجابهة الأسلحة على متن السفن الحربية الأمريكية المصممة لمواجهة التهديدات السوفييتية خلال الحرب الباردة وتلك الأنظمة انتشرت أيضاً على متن السفن الحربية الأوروبية وكوريا الجنوبية واليابانية والصينية، لكن التكتيكات اليمنية في الهجمات على السفن في البحر زعزعت يقين البحرية الأمريكية أن أسطولها البحري لا يمكن مجابهته.
وتحت عنوان “استهلاك الصواريخ ضد الطائرات بدون طيار والصواريخ اليمنية المضادة للسفن يقلق البحرية الأمريكية”، قال التقرير الفرنسي: إنه وعلى الرغم من الترسانة من الأسلحة المحملة على متن السفن والمدمرات الأمريكية الآن إلا أنها يمكن أن تواجه بسرعة مشاكل خطيرة، أبرزتها ردود الفعل من الاشتباكات في البحر الأحمر وخليج عدن، في مواجهة صواريخ القوات اليمنية وطائراتها المسيرة، وربما لا تحتوي أسلحتها الأخيرة على ذخيرة كافية، وهي تبذل جهوداً كبيرة للتعويض عما تعتبره محدوداً جداً لعمق مخزن مدمراتها، في مواجهة التهديد الذي يتطور بسرعة من ناحية تجاه الطائرات المسيرة الهجومية ومن ناحية أخرى تجاه الطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للسفن.
وأضاف التقرير أن من الممكن بسهولة أن يجعل اليمنيون السفن الحربية المعادية لهم تحت رحمتهم في أي وقت، إذ ما شنوا هجوماً بعدد كبير من الطائرات المسيرة لاستنفاد مخزون المدمرات من الصواريخ الاعتراضية بعد ذلك لن تكون السفن الحربية قادرة على التصدي لأي هجوم ويمكن حينها استخدام صاروخ باليستي أو صاروخ كروز أكثر تدميراً وفتكاً من الطائرات المسيرة لضرب السفن.
ولحل هذه الإشكالية تطرق التقرير الفرنسي إلى أن الخيار يتجه لمدفع الميكرويف الذي من المتوقع أن يصبح جاهزاً للاستخدام بحلول العام 2026 للتعامل مع تهديد الطائرات المسيرة، لكن التقرير يؤكد أن المشكلة لا تزال قائمة وهي أن مثل هذه الأنظمة (مدفع الميكرويف أو جهاز الليزر يتطلب طاقة كهربائية عالية جداً لتشغيلها واستخدامها.
تكلفة شحن الحاويات من آسيا تضاعفت ثلاثة أضعاف
وقالت صحيفة الجارديان البريطانية في تقرير لها في 5 مايو: إن حجم الوقود الإضافي الذي تستهلكه السفن التجارية عند عبورها طريق الرجاء الصالح بدلاً من البحر الأحمر، تتجاوز الـ40% من إجمالي الوقود اللازم للرحلة من شرق آسيا إلى أوروبا، إضافة إلى زيادة أيام الرحلة التي تتراوح ما بين 10 إلى 15 يوم إضافي وهو ما يؤدي إلى تأخير وصول البضائع.
وقالت الصحيفة في تقريرها: إن تكلفة شحن الحاويات من آسيا إلى شمال أوروبا تضاعفت بسبب القرار اليمني، ثلاثة أضعاف، فبدلاً من دفع 250 دولار للحاوية الواحدة يدفع التاجر في أوروبا الآن لشحن حاويته 750 دولار للحاوية الواحدة.
وحسب استبيان استقصائي أجرته غرف التجارة البريطانية (BCC) فإن 53% أي أكثر من نصف تجار التجزئة والمصنعين في بريطانيا قد تأثروا بأزمة البحر الأحمر وأن أسعار استئجار الحاويات ارتفع 300% وتأخير شهر كامل لوصول البضائع والسلع.
أما عن البضائع الأكثر تضرراً بالقرارات اليمنية، من تلك التي تستوردها أوروبا من آسيا، فهي السيارات والأثاث والمنسوجات.
وبالنسبة للسيارات فإنه وإلى جانب استيراد السيارات إلى أوروبا والذي تضرر أكثر من غيره من القطاعات، كشفت “الجارديان” أن 70% من جميع قطع غيار السيارات في كامل القارة الأوروبية يتم شحنها من آسيا عبر البحر الأحمر وهي الآن متوقفة عن استخدام هذا الممر.
وقد أدى انقطاع بعض الشركات الملاحية عن المرور من البحر الأحمر، إلى إيقاف بعض خطوط الإنتاج في مصانع السيارات في أوروبا، ومن ذلك على سبيل المثال شركتي فولفو وتيسلا.
وبينما يعاني القطاع التجاري والمستوردون في أوروبا من أزمة انقطاع الملاحة عن البحر الأحمر للشركات التي تتعامل مع كيان العدو الإسرائيلي، فإن المستهلك العادي (المواطنين) لم يلمسوا هذا التأثير، لكن ذلك لا يعني أن الأمور على ما يرام، حسب ما قال رئيس السياسة التجارية في غرفة التجارة البريطانية، ويليام باين، والذي أكد أن التأثير طويل المدى للأزمة سيعتمد على مدى استمرار هذا الأزمة، في إشارة منه إلى أن استمرار فرض الحظر اليمني هو ما سيجعل الأزمة ملموسة لدى المستهلكين العاديين في أوروبا الذين سترتفع الأسعار بالنسبة لهم.
ويضيف رئيس السياسة التجارية في غرفة التجارة البريطانية: “سيتعين على الشركات اتخاذ قرارات بشأن المصادر وسلاسل التوريد، وإذا أصبح الوضع الذي فرضه اليمن، أمرا واقعا جديدا، فسوف يتعين عليها أن تقرر ما إذا كان هذا أمرا يمكنها التكيف معه، أو ما إذا كان صعبا للغاية”.
واختتمت الصحيفة البريطانية تقريرها بالقول: “مع تأكيد قيادة الحوثيين الأسبوع الماضي أنهم لن يوقفوا حملتهم حتى انتهاء الصراع في غزة، فإن الشركات لن تعول على انتهاء الاضطراب في أي وقت قريب”.
البحر الأحمر ميدان رماية خاص باليمن
وأوضحت صحيفة “تلغراف” البريطانية 15 مايو أن القوات اليمنية تتعامل مع البحر الأحمر على أنه “ميدان رماية خاص بها” منذ تشرين الثاني/نوفمبر، فقد هاجمت السفن الأميركية أكثر من 100 مرة منذ ذلك التاريخ دعماً لفلسطين، وكان اليمنيون واضحين تماماً طوال الوقت: “ستستمر الهجمات في البحر الأحمر طالما استمرت إسرائيل في حربها على غزة”.
ورأت الصحيفة أنّ افتراض مهندسي السياسة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة قوية تماماً، وبإمكانها اختلاق أحداث من العدم، وإجبار الأصدقاء والخصوم على تكييف سياساتهم بما يرضيها، هو افتراض تم دحضه مراراً وتكراراً، ولا سيما في الشرق الأوسط، واضعة اليمن وإيران كمثال على ذلك.
وقالت الصحيفة: إنّ إدارة بايدن حاولت، بالتعاون مع بريطانيا، تغيير الحسابات الاستراتيجية لليمنيين من خلال اتخاذ إجراءات عسكرية ضدهم على الأرض، معتبرةً أنه مع ذلك، فإن مجرد اضطرار الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري كل أسبوع، دليل على أن السياسة الأميركية لا تؤثر على قرار اليمنيين على الإطلاق، حيث لا تزال الصواريخ اليمنية تتوالى.
وأشارت الصحيفة إلى إيران بوصفها مثالاً آخر، وربما الأكثر شيوعاً، حيث كانت العدو رقم 1 أثناء ولاية ترامب، الذي انسحب من الاتفاق النووي، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية التي كانت قد رُفعت سابقاً بموجب الاتفاق، من دون أن يسفر الألم الاقتصادي عن أي نتائج سياسية إيجابية في الملف النووي، بل ازدادت المشكلة النووية الإيرانية سوءاً، بحسب الصحيفة.
في ذات السياق تحدثت مجلة “Futuribles” الفرنسية، عن نجاح اليمنيين في التحكم بالسيطرة على المناطق البحرية في الشرق الأوسط، خلال مساندتهم لغزة.
وقالت المجلة في تقرير: إن اليمنيين تمكنوا من إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للطاقة في غضون أسابيع قليلة فقط، من خلال سيطرتهم على المناطق البحرية المجاورة، مشيرة إلى أن القيادة اليمنية تعرف كيف تلعب جيوسياسية الطاقة بشكل جيد للغاية، من خلال عملياتها في الممر البحري الحيوي.
وتابعت أنه منذ أن أصبح البحر الأحمر منطقة حرب، لم يتم توقيع أي عقد جديد طويل الأجل مع شركات الطاقة الأوروبية.
الفرقاطة الدنماركية شاهد على الفشل الغربي
ونشر موقع “ديفينيس نيوز” المتخصص بالشؤون العسكرية والدفاعية الأمريكية، تقريراً في 10 مايو عن الفرقاطة الدنماركية “إيفر هويتفيلدت” التي شاركت مع البحرية الأمريكية في محاولات التصدي للطائرات المسيرة اليمنية في البحر الأحمر وانسحبت بعد أن وقعت فيها أعطال فنية في حين أن الفرقاطة تعرضت لهجمات متعددة ما أدى لخروجها عن الخدمة واضطرار البحرية الملكية الدنماركية لسحبها من البحر الأحمر وإعادتها للدنمارك، وهو الأمر الذي أدى أيضاً إلى عزل وزير الدفاع الدنماركي عن منصبه بسبب هذا الأمر.
التقرير الأمريكي، كشف أن نسخة لوثيقة غير سرية من 13 صفحة ذكرت أن “طاقم الفرقاطة الدنماركية واجه تحديات في التعامل مع النظام الصاروخي للفرقاطة بالإضافة إلى معدل فشل مرتفع لقذائف المدفعية 76ملم أثناء الاشتباك مع الطائرات المسيرة اليمنية في 9 مارس”.
ويضيف التقرير أن المشكلة بدأت في نظام إطلاق الصواريخ (إيفولفيد سياسبارو) حيث حدثت حالة خطأ غير معروفة بعد إطلاق الصاروخ الأول، مما أثر على قاذفة إي إس إس إم الثانية، مما جعلها غير قادرة على الاشتباك لمدة نصف ساعة.
بعد ذلك، تبين أن الطاقم قد تسبب في حدوث خطأ إضافي في نظام القيادة والتحكم بالفرقاطة بأكملها، مما أثر بشكل أكبر على الاشتباك الصاروخي. وأضاف التقرير “أثناء عجزها، تم وضع الفرقاطة تحت تغطية رادارية وقائية من سفينة حربية أمريكية وتم نقلها في النهاية إلى منطقة أقل تهديداً شمال البحر الأحمر”.
وأضاف التقرير “لذلك تم نقل نظام الإطلاق الكامل إلى الشاطئ بعد عودة إيفر هويتفيلدت إلى الدنمارك، حيث يستمر التحليل بالتعاون مع المورد”.
أما ما يخص أعطال المدفعية فحسب التقرير الذي نقل أفراد الطاقم الدنماركي، الذي حدث أن الذخائر كانت تنفجر قبل موعدها، فبدلاً من أن تنفجر القذائف عند اقترابها من الطائرات المسيرة كانت تنفجر فور إطلاقها وبالقرب من الفرقاطة ما أدى لتضررها، وحسب التقرير فإن 50% من الذخائر المستخدمة خلال عملية مواجهة الطائرات المسيرة اليمنية في 9 مارس انفجرت مبكراً وأدت لأضرار في الفرقاطة.