من طوفان الأقصى إلى الوعد الصادق.. كيف أسقطت المقاومة تحالفات “إسرائيل”
يمانيون// كتابات// علي لاريجاني
ذات مرة، التقيتُ السيد هنري كيسنجر في نيويورك. قال لي: إذا أردنا أن نقيم علاقة استراتيجية معكم، فهل أنتم مستعدون لذلك؟ قلت له: حالياً، ليس لدينا أي علاقة، وأنتم تتحدثون عن إقامة علاقة استراتيجية؟ ما معنى هذا السؤال؟
فأجاب: بعد الحرب العالمية، نحن قمنا بتحديد موقع الدول في الخريطة بأنفسنا، باستثناء دولتين: إيران ومصر. أنتم كنتم موجودين، وكانت لكم الحضارة وستستمرون، إلا ان سائر الحدود نحن من رسمناها. لذلك، ليس أمامنا خيار سوى إقامة علاقة بهذين البلدين.
إننا على أعتاب تحوّل إقليمي كبير، وهناك فرص لإيران في هذه الحالة
إن إيران في موقف حساس جداً في الوضع الحالي. ليس فقط إيران، بل الوضع في المنطقة حساس. وكي نفهم الأحداث الأخيرة في فلسطين، وما حدث منذ تشرين الأول/أكتوبر، فعلينا أن نبتعد عن الأحداث المحدودة، وننظر إلى الوضع من منظور أوسع. يجب أن ننظر إلى الأحداث كسلسلة متشابكة. إننا على أعتاب تحول إقليمي كبير، وهناك فرص لإيران في هذه الحالة.
لنتذكر كيف كانت أوضاع “إسرائيل” قبل طوفان الأقصى. كان هذا الكيان يظن أنه أسس لنفسه موقعاً مستقراً، وحقق الأمن المستقر نتيجة للتواطؤ الدنيء، الذي حاكه مع عدد من الدول في المنطقة، كما كانت هناك أنظمة حقيرة اصطفت لإقامة العلاقة بهذا الكيان.
أيضاً، قام هذا الكيان بعدد من العمليات الإرهابية في إيران، حتى يثبت أنه في موقع يمكّنه من مهاجمة أي مكان يريد، ولن يقدر عليه أحد، ويبدو أن الغربيين أيضاً قبلوا هذه الظروف.
ضغطُ الرأي العامّ ضد “إسرائيل” كبير جداً
بعد عملية “طوفان الأقصى”، أصبح الاستقرار المزيف للكيان الصهيوني هشّاً. ولهذا السبب، لم يعقد قادته اجتماعا في تلك الساعات المبكّرة للعملية، وبدلاً من ذلك، تدخلت القيادة المركزية للجيش الأمريكي في الأردن وتولت القيادة، فانهارت معنويات الإسرائيليين إلى هذه الدرجة.
وبعد ذلك، شاهدتم أن المسؤولين الغربيين شدّوا الرحال إلى هذا الكيان، كأنهم يسافرون إلى كيان مرهوب دبلوماسياً لتضميد الجرح.
في البداية، كانوا يتخيلون أن في إمكانهم القضاء على “حماس” خلال أسابيع قليلة، وتعاون الجميع في ذلك. ووافق مجلس الشيوخ الأميركي، في الآونة الأخيرة، على تقديم مساعدة، قيمتها 26 مليار دولار، للكيان الصهيوني ، لكن مع مرور الوقت أصبح من الواضح أن الوحدة العملياتية لـ”حماس” باقية، ولم يسجل الكيان نجاحاً في هذا الهدف.
أصبح حجم العنف، على رغم الدعاية الواسعة للتستر عليه، أمراً لا يمكن إنكاره، وأصبح ضغط الرأي العام ضد الكيان كبيراً جداً، وشكلت احتجاجات الجامعات موجة مهمة من ضغوط الرأي العام هذه.
وأخافت هذه الموجة قادة “إسرائيل” من أن تؤدي هذه الضغوط إلى وقف دعم الغربيين لهم، لأن الجيل الغربي الصاعد يناهض سياسات الكيان الصهيوني، وأخاف هذا الأمر قادة الكيان.
هذا الجيل يكره “إسرائيل” أكثر
وهنا يبرز نوع مقاومة الشعب الفلسطيني الذي بقي صامدا على رغم كل جرائم الكيان الصهيوني.. كل هذه الجهود لترحيل هؤلاء لم تسجل نجاحاً، وكانت هذه ضربة قاتلة أخرى لـ “إسرائيل”. بمعنى آخر، أصبح هناك جيل قدّم شهداء وجرحى وخسر بيوته. لذا، فإن هذا الجيل يكره “إسرائيل” أكثر، لذلك اقترح البعض “حل الدولتين”.
كانت هذه الخطة مطروحة سابقاً، إلّا أن “إسرائيل” لم تكن تقبلها. والآن، طرح الغربيون هذا الحل مرة أخرى.
الموضوع الآخر هو وجود قوى المقاومة في المنطقة. هذه القوى موجودة في المنطقة كحقيقة مهمة، ولا يمكن لدول المنطقة أن تتجاهلها.
اليمنيون يعانون تحديات اقتصادية كبيرة، لكن لديهم الشجاعة في إحداث التغيير. وأظهروا أنهم أسقطوا التحالفات الورقية ووقفوا أمام السفن الأميركية والإسرائيلية. وكذلك حزب الله في لبنان، والمقاومة في العراق.
لا يمكن أيضاً تجاهل التشتت، اقتصادياً وسياسياً، داخل “إسرائيل”؛ أي إن حجم الضغوط الاقتصادية على “إسرائيل” أظهر أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر. ومن أجل الخروج من هذا المأزق، هاجمت “إسرائيل” القنصلية الإيرانية.
الفكرة من وراء ذلك الهجوم كانت أن إيران إما سترد، وإما لا تردّ. فإذا لم ترد، فهذا يعني أن الكيان الصهيوني يستعيد التوازن السابق، وإذا ردّت إيران، فإن الحرب ستتسع وستُنسى غزة. ولم يكن الإسرائيليون يتخيلون أن إيران ستتصرف بطريقة تجعل عمليتها ناجحة، وفي الوقت نفسه لا تتّسع دائرة الحرب.
لقد تصرفت إيران بصورة صحيح للغاية. وعملياً، جعلت “إسرائيل” عاجزة عن الرد، وألحقت ضرراً كبيراً بها، مرة أخرى. والآن، تعاني “إسرائيل” أزمة داخلية، وفقدت صدقيتها في العالم.
حالة الأزمة الوجودية لـ”إسرائيل” لا يمكن علاجها
قارِنوا بين الوضع الحالي والوضع الماضي. إن حالة الأزمة الوجودية هذه لـ “إسرائيل” لا يمكن علاجها. والآن، هناك حاجة إلى حل، والغربيون يعلمون بأنه لا يمكن حل هذه العقدة إلا بأيدي دول المنطقة.
ومن غير المرجح أن تكون بلدان المنطقة فقدت وعيها إلى درجة تربط نفسها بحمار أعرج. لذلك، لا أظن أن هذه الطروحات الغربية سترى النور أيضاً.
لذلك، إن تراجع “إسرائيل” له بُعد داخلي وبُعد خارجي، ويرتبط تركيز التحول المستقبلي للمنطقة أيضاً بهذا التراجع الإسرائيلي. وإذا قارنتم بين أكتوبر 2023 واليوم، يصبح اتجاه التغييرات ملحوظاً، وهذه مسألة مهمة.
وهنا نرى نظاماً في سلوك إيران الأمني، إذ حافظت إيران وسلطاتها على نظام البلاد، وحافظت أيضاً على أمنها القومي. وهذه فرصة في حماية هذا الوضع، ويجب جعله مستداماً.
- نقلا عن الميادين نت