حضور الشعار
لم ينبثق شعار الصرخة والبراءة حين أطل به ذلك الأفق التحولي النوعي قبل نحو٢٤ عاماً عنوانا لمشروع قرآني نهضوي حمل مهمة بلورته وتدشينه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي.. من واقع أريحي يسمح بالبذخ الفكري أو الثقافي أو حتى السياسي الزائد عن الحاجة، وإنما كان مولدُه استجابة حكيمة لصوت الضرورة وتعاطيا مسؤولاً واعياً مع ظروف دقيقة تعلَّقَ عليها مصيرُ أمة بأكملها، ظروفٍ باتت فيها هذه الأمة رهينة لمشاريع الأعداء الخارجيين الهدامة وفساد واستبداد وتسلط صنائعهم في الداخل الذين كانوا مجرد أوعية محلية لتدبيرات أولئك الأعداء وعلى رأسهم أمريكا وسياساتهم الجارفة للسيادة والكرامة والهوية والروح ومعها ثروات البلد ومقدراته..
هذا فحسب بعضٌ من ملامح الواقع المزري المتردي الذي من رحمه خرج المشروع/الضرورة مشروعُ الإنقاذ والاستنهاض للأمة لانتشالها من ربقة ما تعانيه وتكابده.. المشروعُ الذي حمل بمرجعيته القرآنية الأصيلة النيِّرة وشعاره المدوي بأشواق الحرية وسمات الإيمان والإباء مصباحَ دلالة الأمة على الطريق القويم لخلاصها ونهوضها من جديد..
ورغم ما تعرض له هذا المشروع التحرري القرآني الأصيل وشعارُ صرخته الدالُ والمُحْكم من حروب أمريكية صهيونية شعواء ومتعددة الأشكال والأساليب والمستويات ، بما فيها الحروب العسكرية الست متوِّجةً بالعدوان الكوني الدموي العَشري المستمر وحصارِه الإجرامي الظالم الغاشم إلا أنه شق طريقه وسط تلك الأخطار والتحديات الجمة والشائكة بعنفوانِ وأصالة فكرته وحكمة قيادته وصدق وإيمان وجهاد الشرفاء والأحرار من أبناء هذا الشعب الذين انخرطوا في صفوف الذود عنه والتفوا حوله، وصولا إلى ضفاف الواقع الذي يتكون بروحٍ منه اليوم..
في الذكرى السنوية لشعار البراءة والصرخة ورديفِه شعارِ المقاطعة ، ولدى التأمل في ماهيتها وطبيعتها ومضامينها الإيمانية الجهادية النهضوية وأبعادها السياسية الاستراتيجية العميقة.. نجدها حاضرة حية وعلى نحو صميمي في المنجز التحرري العظيم الذي أثمر يَمَناً حُرا يتصدر الموقف المناهض لطغاة العالم ومجرميه.
وفي هذا الفعل اليمني الفاعل والصادق والشامل المساند لفلسطين وقضايا الأمة والمستضعفين، وفي عملياته العسكرية الموجعة للعدو الصهيوني والذين معه من الطغاة وقتلة الإنسانية، بل إن الصرخة حاضرة في جوهر موقف أحرار الأمة وشرفائها وجهادِهم وصمودهم في وجه المحتل الصهيوني القاتل الجزار..ولا نبالغ إن قلنا إن هذا الحضور بات في اتساعه وعمقه يغطي مساحة حركة أحرار العالم بكله.. وحتما سيجد أيُّ مُتقصٍّ راصد لحضور الصرخة وحياتها ومفاعيلها أنها نبضٌ حيٌ وطاقةٌ محركة لكل مُسيَّرة يطلقها مجاهدو اليمن لتُحلِّقَ كطير الأبابيل واصلةً إلى سفن العدو ومواقعه وقُواهُ المستهدَفة وممزقةً منه الشرايين والأوردة، ولكل صاروخ يمني ينفجر مخلِّفاً العطب في عسكر العدو واقتصاده ومحوِّلاً معنوياته وحساباته إلى أشلاء.. مثلما هي اختلاج متردد في أنفاس كلِّ حيِّ الضمير والوعي ومناهضٍ لشرور أمريكا والصهيونية القاتلة على مستوى الكوكب.