على حساب قضايا الأُمَّــة.. الرياضُ على عتبة التطبيع مع الكيان الصهيوني
يمانيون|
تكشفُ المملكةُ السعوديَّةُ من يوم إلى آخر عن نيتها الواضحة تجاه تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني على حساب قضايا الأُمَّــة المركزية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وعلى الرغم من الجرح النازف في غزة، ووصول العدوان الصهيوني إلى ذروته، تستقبلُ الرياض طائرةً صهيونيةً في إطار توطيد العلاقات بين البلدين، حَيثُ تضج الدول الغربية وفي مقدمتها العاصمة الأمريكية واشنطن بالمظاهرات الصاخبة ضد الكيان الصهيوني، ويصل الغضب العالمي إلى أعلى مستوياته، لكن المسؤولين في الرياض يفضِّلون المرور في الاتّجاه المعاكس لحرية الشعوب، ويتوجّـهون نحو بناء علاقة أوثقَ مع الصهاينة.
هبطت طائرةٌ صهيونية تحملُ مسؤولين كبارًا من الموساد، وتحُطُّ رحالَها في مطار الرياض؛ لإجراء محادثات التطبيع بعد يوم واحد فقط من زيارة وزير خارجية أمريكا “أنتوني بلينكن” في جهود حثيثة تبذلها إدارة بايدن للتوصل إلى اتّفاق تطبيع بين المملكة السعوديّة وَ”إسرائيل” والذي بات اليوم قريباً من الاكتمال، وقد يصبح اليوم واقعاً أقرب من أي يوم مضى.
وأكّـدت هيئة البث الإسرائيلية أن الطائرة التي أقلعت السبت، من مطار بن غوريون في “إسرائيل” وصلت العاصمة السعوديّة الرياض، هي ملك لرجل أعمال صهيوني يستخدمها الموساد الإسرائيلي في الرحلات الرسمية غير المعلنة لنقل لمسؤولين إسرائيليين في الموساد والشاباك.
ويدّعي وزيرُ خارجية السعوديّة أن هذه الزيارة تأتي في إطار اتّفاق أمني بين الرياض والصهاينة، لكنه هروب من الحقيقة؛ إذ إن العلاقة بين الطرفين تسير إلى أبعد من ذلك، وهو التطبيع على كافة المستويات وليس في الجانب الأمني فقط.
وعلى الرغم من جرائم العدوان الصهيوني في قطاع غزة، وتزايد السخط العالمي تجاه هذا الكيان، إلا أن القيادة السعوديّة لا تبدي أي قلق في مسألة التطبيع، بل تمضي بإصرار في مسار “التطبيع” متجاهلة جرائم الإبادة التي يرتكبها الكيان المحتلّ بحق الأطفال والنساء في فلسطين الشقيقة بشكل يومي.
علاقاتٌ سريةٌ راسخة:
بالنسبة للعلاقات السعوديّة مع الكيان الصهيونية فهي راسخة منذ سنوات عديدة، وتسير في الخفاء، لكن واشنطن تريد إظهار هذه العلاقة إلى “العلن” وجعلها طبيعية جِـدًّا.
ويشير تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إلى أن مسؤولين سعوديّين التقوا بمسؤولين صهاينة في بيروت عام 1937م، وأن اللقاء مهَّد للقاء وزير الخارجية السعوديّ آنذاك فؤاد حمزة بالزعيم الصهيوني ديفيد بن غوريون، رئيس الوكالة اليهودية، الذي أصبح أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني.
وكتب إيلي بودة، أُستاذ الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية في كتابه From” Mistress to Common-Law Wife” أنه “رغم أن مواقف الجانبين كانت متباعدة، إلا أن المحادثات ساعدت كُـلّ جانب على التعرف على وجهات نظر ومصالح الطرف الآخر”.
ولم تشارك المملكة السعودية قط في حرب ضد “إسرائيل” على امتداد خارطة وتاريخ الحروب العربية وجيوشها لتحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي.
ففي العدوان الثلاثي على مصر عام 56 تدهورت العلاقات بين مصر والملك سعود، خليفة مؤسّس السعوديّة، بعد رفض السعوديّة إرسال قوات لمساعدة مصر، وفق التقرير، بل وصل الأمر بالمملكة العربية السعوديّة أن تقف في جانب واحد، وعلى نفس الخط مع العدوّ الصهيوني بفتح مجالها الجوي السعوديّ للطائرات الإسرائيلية واستهداف الجيش المصري المتواجد حينها في اليمن عام 1962م، وسط التطلعات القومية للرئيس المصري، جمال عبد الناصر.
وعندما أصبح نتنياهو رئيساً للوزراء في عام 1996م، استمرت الاتصالات السرية، حَيثُ شملت خطةً لبناء خط أنابيب للغاز الطبيعي من السعوديّة إلى أراضي الضفة الغربية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية.
وفي عام 2006، بعد العدوان الصهيوني على لبنان، جرت محادثات سرية مباشرة بين الصهاينة والسعوديّين، حَيثُ اعتبرا إيران وحزب الله اللبناني عدوَّين مشتركَين لهما.
هذه المناقشات جرت بين الأمير بندر، رئيس مجلس الأمن القومي السعوديّ آنذاك، ورئيس الوزراء إيهود أولمرت، الذي كان برفقة رئيس الموساد مئير داغان.
وقال بودة: “إن الاجتماع يمثِّلُ تطوراً في العلاقات بين البلدين، لقد كانت بداية اندماج معسكر مناهض لإيران وحلفاء إيران”، وفق الصحيفة.
محطات التعاون والعلاقات بين البلدين وتطبيعها زميناً بشكل سري كانت كثيرة ومرصودة ومعروفة، إلا أن العام 2010م كان الأبرز بزيارة داغان إلى المملكة، وهي المرة الأولى التي تطأ فيها قدم مسؤول إسرائيلي المملكة.
وتوالت بعد ذلك الزيارات الصهيونية بشكل علني وواضح، ففي عام 2014م، التقى نتنياهو أَيْـضاً بالأمير بندر.
وفي عام 2020، زار نتنياهو ورئيس الموساد آنذاك، يوسي كوهين، المملكة واجتمعا بولي العهد محمد بن سلمان.
لكن الأشهر القليلة الماضية كانت الأكثر كثافة فيما يتعلق بتعزيز العلاقات، فقد شهدت أول زيارة رسمية إلى المملكة يقوم بها عضو في مجلس الوزراء الإسرائيلي، هو وزير السياحة، حاييم كاتس، وإن كان ذلك لحضور مؤتمر للأمم المتحدة، ثم جاء تعليق ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان: “كل يوم نقترب من الاتّفاق مع إسرائيل”.
“كل يوم نتقرب” عبارة تلخص ما يحصل اليوم من زيارات لكبار شخصيات ومسؤولين في جهاز الموساد الإسرائيلي دوره في المراحل التي سبقت إبرام اتّفاقات السلام التاريخية بين الجانبين.
وفي هذا الشأن كان رئيس الموساد يوسي كوهين، صاحب الدور الأهم في تحول مسار العلاقات بين العرب و”إسرائيل”، كانت بين عامَي 2017 و2019، لتقومَ السعوديّة بالدور الأكبر والأبرز في مِلف تطبيق العلاقات الصهيونية مع الدول العربية، باعتراف كوهين نفسه الذي سافر إلى السعوديّة، والإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب، ودول أُخرى بدون وجود علاقات رسمية بين هذه الدول مع “إسرائيل”.
كُلُّ ذلك الاندفاع الكبير تجاه مشروع التطبيع مع الصهاينة المغتصبين في فلسطين المحتلّة والدعم الكبير لمسيرة التطبيع، ومواقف مملكة الشر التي وقفت تاريخيًّا إلى جانب القرارات المشرعنة لاحتلال فلسطين، وهذه ما تم الكشف عنه، وتداولته وسائل الإعلام، وما خفي كان أعظم، وطامة أكبر تصل إلى حَــدّ التنسيق الأمني والعسكري، والتواطؤ ضد الحركات التحرّرية المقاومة، وما العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” على امتداد 8 أشهر وحتى اليوم، إلا تأكيد على الخيانة السعوديّة وسعيها لتصفية القضية الفلسطينية وحركات المقاومة على الأرض لاستكمال التطبيع الكامل والشامل مع الكيان الصهيوني.
ونتيجة لذلك، يكون قطار التطبيع السعوديّ الفعلي ماضياً لا ينقصه إلا صورة ابن سلمان مصافحاً نتنياهو بشكل علني أمام شاشات التلفزة، وليس في الخفاء، أَو من سيحل محله والسعوديّة في طريقها لإعلان التطبيع الكامل، “لكن يجب منحها مساحةً أكبر للتحَرُّك؛ فالمشروع جاهز بشكل كلي ولم يتبقَّ منه إلا الإعلانُ الأخير”.