ماذا لو صدرت مذكرة اعتقال دولية بحق نتنياهو؟
يمانيون – متابعات
تكشف الحرب الإجرامية التي يشنّها كيان الاحتلال على قطاع غزّة فصولًا من تداعيات مدمّرة ستطال الكيان بأسره في مختلف الساحات والميادين، الأمر الذي يؤرق قادة العدوّ ويشكّل متلازمة ضغط عصيبة عليهم، ما يجعلهم أمام مقصلة العزل والانهيار.
هذه المقصلة لا يبدو الحديث عنها مجرّدًا من الواقعية، بل الدلائل والمؤشرات والأحداث المتتالية في العالم تشير إلى مأزق رهيب تعاني منه الإدارة الإجرامية الصهيونية التي قادت حرب الإبادة على قطاع غزّة منذ بدء عملية طوفان الأقصى. وليس الأمر مقتصرًا على تظاهرات أو تجمعات احتجاجية أو إدانات من هنا وهناك، بل وصل الأمر إلى ارعاب رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو حيث يدور الحديث أن المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان سيصدر أوامر اعتقال بحقه، ووزير الحرب يوآف غالانت، ورئيس هيئة أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي.
ولا شك ولا ريب أن تداعيات أوامر الاعتقال التي قد تصدر الأسبوع المقبل، “ستكون مدمّرة بعدما سيُنظر لـ “إسرائيل” كلّها على أنها مجرمة حرب”، وهذا ما جعل نتنياهو “خائفًا ومتوترًا ومرعوبًا بشكل غير طبيعي”، بحسب ما أكد إعلام العدو.
في غضون ذلك، يثير الإعلان عن احتمالية صدور أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، بحق قيادات سياسية وعسكرية “إسرائيلية” جدلًا واسعًا في “تل أبيب”، حيث تتابع قيادات الاحتلال هذا الأمر بجدية وسط إرباك واضح يسيطر على الساحة الصهيونية الداخلية.
وتجمع التقديرات على أن أوامر الاعتقال ستؤثر مباشرة في اقتصاد كيان الاحتلال والتجارة والطيران والسياحة وعلى المجالات كافة، وعلى صورة هذا الكيان في العالم، كما أن التقديرات لا تستبعد أن تدفع مثل هذه الأوامر دولًا عدة لقطع العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل” وعزلها للضغط عليها لوقف الحرب.
ونظرًا لأهميّة الموضوع، ومستوى تداعياته، كان لا بدّ من التوقف عند مآلاته وحيثياته، وهذا ما تحدّث عنه الباحث والمتخصّص في العدالة الجنائية وحقوق الإنسان الدكتور عمر نشابة بقوله إن “أوامر الاعتقال تأتي في إطار الضغوطات الدولية والخارجية المتزايدة، حيث يُعتبر وقف الحرب والجرائم التي يرتكبها العدوّ الصهيوني في غزّة منذ ما يقارب السبعة أشهر أمرًا ضروريًا”.
وفي حديث لموقع العهد الاخباري، قال نشابة “إن هذه الخطوة تظهر التوترات بين “إسرائيل” والولايات المتحدة، حيث لم تمارس الإدارة الأميركية ضغوطًا كافية على “إسرائيل” لوقف الحرب، ما يعكس اختلاف المواقف بينهما بشأن العمليات العسكرية في رفح وسير الحرب بشكل عام”، مشيرًا إلى أن استجابة “الإسرائيليين” لهذه الأوامر قد تكون معدومة.
ولفت نشابة إلى أن أوامر الاعتقال مؤشر على بداية فرض عزلة دولية على “إسرائيل”، خاصة في ظلّ توقعات بزيادة الضغوطات الخارجية، وأضاف “من المهم أن نلاحظ أن هذه الضغوطات قد تؤدي إلى تباين المواقف بين العسكريين والسياسيين في “إسرائيل” بشأن تحمل المسؤولية عن الحرب والجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين”.
ويتابع نشابة بشأن التداعيات، ويقول “يعتبر صدور أوامر الاعتقال ضدّ القادة الصهاينة جزءًا من الحملة الدولية للضغط على “إسرائيل” لوقف الحرب، على الرغم من وجود أصوات معارضة داخل الكيان الصهيوني، لكن هذا الحراك الداخلي ضعيف ولا يشكّل ضغطًا كافيًا لوقف الحرب، وبالتالي فإن هذا الإجراء قد يكون شكليًّا لإخراج العدوّ من مأزق الحرب في غزّة بعد أن فشل في تحقيق أيّ من أهدافه”.
ما ذكره نشابة يتمحور حول التداعيات السياسية، لكن ماذا في المضامين القانونية لهكذا إجراء؟. من هذا المنطلق، يشير المتخصص في القانون الدولي الدكتور حسن الجوني إلى أن “من تقدّم بهذه القضية ضدّ نتنياهو هي خمس دول أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، ويكفي تقديم دولة واحدة منها لتكون المحكمة صالحة للنظر في القضية”.
وحول من يقلّل من شأن المحاكمة لأنّ كيان العدوّ ليس عضوًا في المحكمة، قال الدكتور جوني: “الفقرة الأولى من المادّة 13 في نظام المحكمة تقول إنّه يكفي أن تكون إحدى الدول عضوًا في المحكمة لكي تتقدّم بالدعوى، وليس شرطًا أن تكون الدولتان عضوين في المحكمة”.
وأضاف الدكتور جوني: “لذلك فلا قيمة لعدم كون “إسرائيل” من الدول الموقّعة على نظام روما الأساسي، والذي بموجبه تم تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، كون الدول الخمسة التي تقدّمت بالدعوى هي أعضاء في المحكمة، وبالتالي يحق لها رفع قضية ضدّ أي دولة أو كيان”.
وبحسب الدكتور جوني، فإن الجرائم المرتكبة والتي سيواجهها نتنياهو هي: “جريمة حرب” وفق المادّة الثامنة من نظام المحكمة، جرائم “ضد الإنسانية” وفق المادّة السابعة، جريمة “إبادة الجنس البشري” وفق المادّة السادسة، وجريمة العدوان وفق المادّة الخامسة، لذلك فإن المحكمة صاحبة اختصاص وتستطيع النظر بالموضوع على صعيد الأطراف أو الجريمة بحد ذاتها”.
وأوضح أن المحكمة تنظر أولًا إذا كانت القضية من اختصاصها وعندما تتأكد من ذلك يرفع المدّعي العام القضية إلى الدائرة التمهيدية التي تقرر أنها صاحبة اختصاص، ثمّ يتم الادّعاء على الأشخاص.
وتابع الدكتور جوني أن “الادّعاء ليس محكمة بحد ذاته، لكنّه بمجرد أن يدّعي المدّعي العام لوجود شبهة أو أسس للادعاء على أساسها يتقدّم المدّعي العام بالادّعاء أمام المحكمة”.
وفي نقطة جدلية قد تؤثر على مسار المحاكمة، لفت الدكتور جوني إلى أن “المحكمة الجنائية الدولية ليس لها صلاحية في أن تنعقد إذا كان الشخص المتهم غير موجود، أي غير ماثل أمامها، لأنها لا تصدر أحكامًا غيابية”.
وشرح الدكتور جوني سبب عدم قدرة المحكمة على إصدار أحكام غيابية، وقال: “أثناء النقاش حول وضع نظام المحكمة برز خلاف بين أتباع المدرسة اللاتينية والتي تلحظ إمكانية انعقاد المحاكمات الغيابية وهي متبعة عندنا في لبنان، وبين المدرسة الأنغلوسكسونية (البريطانية) التي لا يوجد فيها محاكمات غيابية”.
وتابع جوني “اشترطت بريطانيا عدم تضمين المحاكمات الغيابية مهدّدةً بالانسحاب، مبررةً ذلك بأن لا عدالة تتحقق في الحكم الغيابي، فأخذوا بعين الاعتبار تعليمات المدرسة الأنغلوسكسونية وقرروا عدم تضمين المحاكمات الغيابية”.
ولعدم قدرة المحكمة على إصدار أحكام غيابية، أشار الدكتور جوني إلى أنّ المحكمة “تطلب من المدعى عليهم المثول، وإذا لم يمتثلوا تطلب من الانتربول إجراء البحث عنهم في كلّ دول العالم”، موضحًا أن لذلك آثاره النفسية والشخصية والاجتماعية والقانونية والأخلاقية على المتهمين.
وتابع المتخصص في القانون الدولي “الجانب القانوني الأهم هو أن هؤلاء أصبحوا على الصعيد العالمي متهمين من المحكمة الجنائية الدولية، وخاصة أن هذه المحكمة طابعها أوروبي، وهي تحت السيطرة الأوروبية منذ نشأتها، وبالتالي لا يستطيع نتنياهو أن يدّعي انحياز المحكمة أو المدّعي العام”.
وأوضح جوني أنه “بعد ادعاء المحكمة يتوجب على الانتربول أن يعطي إشارات لكل المطارات والمنافذ لمنع المتهمين من السفر والتحرك حول العالم وإحضارهم امتثالًا لأمر المحكمة”، لأنهم بطبيعة الحال لن يُسلموا أنفسهم وفق ما يرى الدكتور جوني.
وحول احتمال تهرّب المتهمين، قال الدكتور جوني إن “الموضوع بالنسبة للمحكمة حساس جدًا وأي مساس بالحصانة والسيادة للمحكمة الجنائية الدولية يهزّ أسس القانون الدولي الحديث، لذلك تحرص الدول على الحفاظ على سيادة وحصانة المحكمة وعدم التدخل بشؤونها الداخلية”.
ولفت الدكتور جوني إلى أن “المادّة 27 من نظام المحكمة تنصّ على عدم الاعتداد بالصفة الرسمية لأي متهم حتّى لو كان رئيسًا، وبالتالي فإن المادّة تُسقط الحصانات، مع وجوب عطفها على المادّة 98 التي تمنع المحكمة من أن توجه طلب تقديم أو مساعدة يقتضي من الدولة الموجه إليها الطلب أن تتصرف على نحو يتنافى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي، حتّى لا يتم إحراج الدولة الثالثة التي قد يمرّ المتهم على أراضيها”.
وأوضح أنه “وبناءً على المادّة 98 من النظام الخاص بالمحكمة، فإن هناك حاجزًا كبيرًا أمام تحقيق العدالة عبرها حتّى لو قام الانتربول بتوجيه رسائل إلى الدول، لأن الأمر متعلّق بالحصانات”.
ويرى الدكتور جوني أن “عدم تعاون دولة المدعى عليهم من المحكمة الجنائية الدولية يشكّل عائقًا أمام إتمام المحاكمة، وبالتالي عدم تحقيق العدالة المرجوّة، لكن في المقابل فإن أي قرار توقيف يصدر بحق نتنياهو سيؤثر عليه سياسيًا وقانونيًا وأخلاقيًا”.
* المصدر: موقع العهد الاخباري