أمريكا تجر أذيال الهزيمة.. السقوط المتوالي في مستنقع اليمن
يمانيون – متابعات
في اليمن تنتقل الولايات المتحدة الأمريكية من فشل إلى فشل ومن مستنقع إلى آخر.
من ضرب أرامكو مارس ٢٠٢٢م بصواريخ ومسيرات صنعاء إلى استهداف ميناء الضبة أكتوبر ٢٠٢٢م .
لقد كانت البداية حين فرض الواقع معطيات جديدة على الاحتلال بتعدد أقطابه من واشنطن إلى لندن، إلى باريس إلى عربان الجزيرة وملوك المحميات.
ما بعد توجيه صنعاء تلك الضربات كان قد بدأ العد العكسي للتأثير، وتصاعد أسهم صنعاء على مستوى الداخل اليمني في المحافظات المحتلة، وعلى مستوى المنطقة والإقليم والحسابات الدولية. الأصوات التي كانت خافتة ارتفع صداها فجأة، لعل صنعاء رفعت حماسة أبناء المحافظات المحتلة المحبطين في ظل قهر تحالف العدوان ولصوصية مرتزقة التحالف، فصنعاء من تجرأت في مسارين قويين لكبح جماح قائدة العدوان السعودي على اليمن، ووقف عمليات نهب النفط اليمني عبر موانئ الداخل التي كانت تذهب لتمويل مليشيات التحالف وتمويل أعمال الفوضى والتخريب في اليمن.
ما بعد منع نهب ثروات اليمن النفطية رسمياً وأحداث أرامكو السعودية ذات التأثير الواسع وصداها الذي حمل دلالات كثيرة أن نفط المملكة وخزان العالم على مرمى حجر من صواريخ ومسيرات اليمن كما صنبور النفط اليمني على مرمى حجر القوة اليمنية الفاعلة ذات التأثير الآني السريع.
مع كلا الحدثين ظهرت واشنطن في موقف العاجز المرتبك، كما ظهر الارتباك والجزع الفرنسي البريطاني بعد اغلاق صنبور النفط اليمني عن السفن الأجنبية ومصالح تحالف العدوان، وارسال رسالة تحذير عبر أرامكوا لمصاصي ثروات العالم.
لقد كان هذان الحدثان بمثابة نقطة تحول في مواجهة اليمن لتحالف العدوان وكان في المقابل ترجمة لمزيد من الإخفاق الأمريكي الذي سعى لتوازنات لم تأتِ حسب هواه.
تراكم القوة اليمنية
في ذلك الوقت كانت اليمن تراكم القوة على عجل استعداداً لمعارك الداخل وتهيئ لطارئ الخارج، بينما كانت واشنطن تنتقل من مكان إلى آخر محبطة حيث كان التقدير الأمريكي لعناصر قوة اليمن يتصف بجهالة كبيرة وعجز واضح واستخفاف من امكان أن تصبح لدى صنعاء قوة حقيقية اذ كانت واشنطن تنظر إلى القدرات اليمنية بنوع من السخرية.
لقد كانت “عملية كسر الحصار الثالثة” وتدشين العام الثامن من الصمود باستهداف أرامكو علامة فارقة ومؤثرة كما كانت عملية الضبة.
خرجت وزارة الطاقة السعودية لتقول إنها لن تتحمل تبعات استهداف أرامكو على سوق النفط العالمي بعد أن سببت حرائق أرامكوا في شل عملية الإنتاج بالرغم من أنها كانت عملية محدودة، ومع هذه العملية المؤلمة للسعودية كانت اليمن تنتقل إلى طور جديد للجم الأطماع السعودية في اليمن.
كما أن استهداف ميناء الضبة النفطي على بحر العرب، والقريب من المكلا، مركز محافظة حضرموت، شرقي اليمن كان يعني أن صنعاء تعمل على فرض معادلة جديدة، خاصة وأنها تعمّدت استهداف السفينة اليونانية، دون إصابتها أو إصابة أحد من طاقمها بأذى، وحرصها على عدم الإضرار بالبنية التحتية للميناء، وتجنّب إصابة خزانات النفط القريبة منه، والمقدّرة سعتها بمئات آلاف براميل النفط الخام، وهذا كان له دلالة أن لدى صنعاء قدرات جوية كبيرة، إضافة إلى القدرات الاستطلاعية لحركة السفن وتشخيص الأهداف المعادية وتدميرها في عمق بحر العرب، وليس على الشاطئ فحسب، وهو ما أكده رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء الرئيس مهدي المشاط، في استعراض “وعد الآخرة” في الحديدة، وقوله: “إن القوات اليمنية قادرة على ضرب أيّ نقطة في البحر، من أي مكان في اليمن، وليس من السواحل فقط”.
وهكذا جاءت عملية الضبة لتعبر عن فشل أمريكي، وتأكيد للدور اليمني في مياهها الإقليمية في بحر العرب، إلى جانب عملياته العسكرية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر التي كانت مؤجلة قليلاً.
كما كانت إشارة واضحة إلى أن إمكانيات صنعاء باتت تشمل تحديد الأهداف في الجانب الشرقي للمياه الإقليمية، بعدما كان يُعتقد أن قدراتها البحرية مقتصرة على الجانب الغربي للبلاد، أي في البحر الأحمر.
رسائل لتأكيد الحضور
ولطالما شكل باب المندب، وكذلك التنافس على شواطئ اليمن وجزره، أبرز أسباب الصراع الذي عاشته المنطقة عبر التاريخ.
ويمثّل اليمن، اليوم واحداً من أهم عوامل النزاع، ولا سيما بالنظر إلى حجم القوات الدولية التي تمّ الدفع بها إلى المنطقة بحجّة حماية خط الملاحة الدولي في هذا الممرّ، ومنطقة عمليات البحر الأحمر وبحر العرب.
والمعلوم أن عملية الضبة على شاطئ بحر العرب جاءت لتكسر جزءاً من الهيمنة، وهالة الرعب التي فرضها الاعلام الأمريكي وعلى إثر حادثَين متزامنين: الأول، ما كشفه مصدر في وزارة الدفاع الأميركية لقناة “العربية” عن وجود غواصة نووية أمريكية استراتيجية من طراز “أوهايو” قادرة على إطلاق صواريخ نووية عابرة للقارات في بحر العرب وأنها مزوّدة بـ 20 صاروخاً باليستيّاً متعدد الرؤوس، ومن النادر أن تعلن القيادة العسكرية الأميركية عن أماكن وجود غواصاتها النووية، خاصة تلك التي تحمل رؤوساً باليستية!
وقد فهم من بيان البنتاغون أن رسالة وجود الغواصة في بحر العرب ليست من أجل إيران وحدها، بل تأكيد حضور أميركا في مركز الشرق الأوسط، حيث تسعى روسيا إلى نسج تحالفات جديدة مع مركز القرار الخليجي وعواصم النفط، أي أن
الاستعراض الأمريكي هدفه السعي لإعادة التحالف القوي مع دول الخليج على أساس النفط مقابل الحماية الراسخة منذ خمسة عقود ومع السعودية منذ اتفاقية ١٩٣٣م.
وتحدث قائد الأسطول الأمريكي الخامس ومقره في البحرين أن واشنطن ستزيد من تركيزها على “ضمان الأمن البحري، واستقرار الملاحة في البحر الأحمر، عبر باب المندب وخليج عدن” على افتراض استمرار الهيمنة الأمريكية في المياه اليمنية.
وبنهاية نوفمبر 2022 بدأت الولايات المتحدة، تحركات لتنفيذ خطة عسكرية شرقي اليمن لنشر قطع حربية عسكرية قبالة ميناء الضبة، الذي استهدفته صنعاء كأحد أهم موانئ تصدير النفط في اليمن، حيث إن الخطة الأمريكية طرحت خلال الاجتماع المتلفز بين محافظي المحافظات النفطية لمأرب وحضرموت إلى جانب مسؤولين في حكومة تحالف العدوان على أساس نشر السفن الحربية التي تزعم واشنطن حملها أجهزة تشويش على الطائرات المسيرة ضمن خطة أمريكية تهدف للسيطرة على الهضبة النفطية في اليمن، وتحديداً حضرموت تحت مسمى تأمين الحقول والمنشآت النفطية، وتشمل نشر قوات برية أيضاً، وهكذا خططت واشنطن وأتباعها على أساس أن صنعاء في الحسابات الأمريكية لن يكون لها التأثير الرادع للأهداف الأمريكية.
السقوط الأمريكي في البحر الأحمر
مع اندلاع معركة طوفان الأقصى ودخول اليمن المواجهة مع الأمريكيين في البحر الأحمر كان الفشل الأمريكي يتتابع ظهوراً
فالهيمنة الأمريكية سقطت كما سقطت العقيدة البحرية الأمريكية، و كما سقطت تحالفات واشنطن.
في 24 أبريل خرج موقع ذا وير زون” المحسوب على البنتاغون والمخابرات الأمريكية للحديث عن هزيمة البحرية الأوروبية وانسحاب نصف السفن من البحر الأحمر، ومنها السفن الفرنسية والدانماركية، وأخيراً الألمانية التي تكتمت صنعاء على أسباب انسحابها لحسابات سياسية.
ومع أن الاتحاد الأوروبي حاول طمأنة صنعاء بشأن مشاركته في البحر الأحمر وأنها ليست معادية لليمن ولا علاقة لها بالتحالف الأمريكي ضد اليمن إلا أن محاولات أسبيدس حماية الملاحة الإسرائيلية دفع بصنعاء لاستهداف سفن أسبيدس واحدة تلو الأخرى ، الأمر الذي دفع بها للانسحاب من مسرح العمليات بعد تعرضها لهجمات وأضرار وبعد استنفاد كامل ذخيرتها الدفاعية.
لقد كان كافياً الاستشهاد بما قالته وزارة الدفاع الألمانية على لسان أحد قياداتها عن المعارك التي خاضتها السفينة “هيسن ” في البحر الأحمر إن “هذا ربما يكون أخطر انتشار للبحرية الألمانية منذ سنوات عديدة”.
كذلك ما قاله قائد الفرقاطة الفرنسية الكابتن جيروم هنري، لصحيفة لوفيجارو الفرنسية من أن القوات اليمنية، أظهرت ما سماه “عنفاً غير مقيد حيث لم تشهد البحرية الفرنسية تعاملاً مع هذا المستوى من التسلح منذ فترة طويلة، كما لم تتوقع هذا المستوى من التهديد”.
وصولاً إلى إقالة الدنمارك لوزير دفاعها بعد أن أظهرت السفينة الحربية الدنماركية المشاركة في التحالف عيوباً في أنظمة دفاعها الجوي وذخيرتها، وانسحاب السفينة الحربية الفرنسية المشاركة في التحالف من البحر الأحمر بعد نفاد ذخيرتها في مواجهة هجمات القوات اليمنية ، ثم اعتراف قائدها ووصفه المواجهات مع البحرية اليمنية بالقول إن “كثافة الهجمات التي لم تتوقف كان مفاجئاً للغاية”.
وبحسب مجلة أوراسيا ريفيو فان “الولايات المتحدة فشلت في إقناع اليمنيين كما فشلت في تشكيل تحالف ضد اليمن من خلال عسكرة المنطقة ودعوة الدول العربية، حيث لم يرحب حلفاء واشنطن في أوروبا والعالم العربي بدعوتها للمشاركة، والتحالف، الذي كان من المفترض أن يضم 42 دولة، وتقلص إلى 8 دول، وانتهى بهزائم متوالية في البحار اليمنية منذ ستة أشهر، حيث الإقرار الأمريكي الضمني بالهزيمة في البحر الأحمر، ولجوئه للدبلوماسية، والرضوخ لصنعاء بعد انتصارها على البحرية الأمريكية، وفشل واشنطن في هزيمتهم رغم فارق القدرات العسكرية التي لا تُقارن.
وبالنظر الى التقرير الذي كتبه ” كيفن د. ماكراني” وهو أستاذ الاستراتيجية المقارنة في كلية الحرب البحرية الأمريكية، فان التجربة اليمنية تكشف أنه لم يعد أمر السيطرة على البحار مقتصراً على من يملك الأسطول البحري الأضخم، وأنه بمجموعة من السفن الصغيرة جداً القادرة على حمل طوربيد واحد يمكنها أن تسبب أكبر تهديد للسفن الحربية العملاقة التي تملكها الدول العظمى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تكون الهيمنة الأمريكية على أعتاب خطوات من السقوط الكبير.
– المسيرة نت/ إبراهيم العنسي