الإعلام الغربي.. “الاستقلالية والحياد والأخلاق المهنية” شعارات تسقط عند أول امتحان
يمانيون/ تقارير
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي والأمور والحقائق تتكشف أكثر فأكثر عن الأوضاع الكارثية في غزة وتداعياتها المأساوية على الأهالي في القطاع وانعكاساتها الجيوسياسية واسعة النطاق على المنطقة وخارجها.
إلا أن الإعلام الغربي لا يأبه بذلك ويؤدي دوراً مُسيئاً فبالإضافة إلى تشويه إطار المأساة الحاصلة، كان للمعلومات المضللة التي نشرتها وسائل الإعلام الغربية والمتجذرة في سرديات غير موثقة أو متناقضة أو خاطئة، تداعيات إنسانيّة حقيقيّة على الأرض.
وتتبنى وسائل الإعلام الغربية الأكثر انتشارا في العالم تأطيرا معينا متجانسا للأحداث منذ السابع من أكتوبر، فمازالت تلك الوسائل تصنف “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر بـ”عملية إرهابية” بشكلٍ قاطع، وعلى العكس فإن الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق الفلسطينيين في قطاع غزة وغالبيتهم الساحقة من النساء والأطفال- على أنّه إجراء يندرج ضمن “الدفاع عن النفس”.
وتختار وسائل الإعلام الغربية انتقائية مفرطة في الروايات والضيوف في مقابلات وسائل الإعلام تلك ويُطلب من الكثير من يلح المضيف على القناة أو المحطات الإذاعية الضيوف العرب في مقابلاتهم إدانة حماس فيما لا يطلب المضيف من الضيف الآخر أي إدانة للمجازر والإبادة الجماعية جراء العدوان الصهيوني على غرار السفير الفلسطيني لدى بريطانيا حسام زملط.
وفي هذا الإطار، يتم تبني الوصف الصهيوني من قبل وسائل الإعلام الغربية للأزمة على أنّها “حرب”، ما يخلق مساواة زائفة بين الطرف المُحتَل بلده والطرف المُحتَّل، لا سيما نظرا لعدم التوازن الصارخ على نحو لا يُصدَّق بين الموارد والقدرات العسكريّة بين حماس وكيان العدو الصهيوني.
ويُشكّل التمادي في مثل هذا التأطير المتحيّز السرديّة العامة حول الأزمة على أنّها هجوم إرهابي أثار ردّاً مشروعاً، ما يمنح بالتالي الشرعية للعدوان الصهيوني غير المتكافئ على 2,3 مليون فلسطيني في غزة.
وتتحيز وسائل الإعلام الغربية في الطرح بانتقائيّة شاملة مع كيان العدو الصهيوني عند عرض أي موضوع أو قضية.
ويغفل الإعلام الغربي باستمرار عن وضع العملية التي شنّتها حماس في السابع أمن أكتوبر في سياق كاف، فعندما تصفها وسائل الإعلام الغربية بـ”الهجوم غير المبرّر”، تكون قد أغفلت عن 75 عاماً من الاحتلال الصهيوني لفلسطين و56 عاماً من الاحتلال العسكري ومعاناة الفلسطينيين تحت الحكم الصهيوني.
وهذا يعني أنّ الرأي العام الغربي، الذي يملك معظمه معرفةً محدودة بهذه الخلفيّة التاريخيّة، يفتقر إلى السياق الضروري لفهم الوضع الحالي.
كما أن الأحداث الأخيرة، على غرار المداهمات والاعتقالات والأعمال الوحشية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية والاستفزازات التي يمارسها جنود العدو وقطعان المستوطنين الصهاينة في محيط المسجد الأقصى، يتم تجاهلها في ما يتعلّق بغزة وحماس.
ومن المؤسف أن يكون هذا النمط المتكرّر من التأطير والتصنيف معتاداً في مختلف وسائل الإعلام الغربية، بدءاً من السي إن إن (CNN) الوسطية ووصولاً إلى فوكس نيوز (Fox News) اليمينيّة.
وقد دفعت عمليّة التجريد من السياق تلك، مقرونة بأنماط تغطية منحرفة وأحادية الجانب، ببعض الصحافيين الغربيين إلى الاعتراض على كيفية تعاطي وسائل إعلامهم مع هذه الأزمة.
وقد كتب عددٌ من الصحفيين البريطانيين والكنديين والأمريكيين رسائل مفتوحة للمطالبة برفع الظلم، واحتجوا أو حتى استقالوا من وظائفهم للتعبير عن استيائهم من التغطية.
وفي السياق ذاته.. وقع نحو 1500 صحفي يعملون لدى عشرات المؤسسات الإخبارية الأمريكية خطابا مفتوحا احتجوا فيه على تغطية وسائل الإعلام الغربية، وتعاملها مع الأعمال الوحشية والمجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني بحق الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر.
وأدان الصحفيون في خطابهم القتل المستهدف للصحفيين في غزة، وانتقدوا تحيز وسائل الإعلام الغربية، وكتبوا أن غرف الأخبار “تتحمل وزر خطاب نزع الأنسنة الذي سوغ التطهير العرقي بحق الفلسطينيين، ووزر تقويض الآراء ووجهات النظر الفلسطينية والعربية والإسلامية، ووزر تصدير لغة تحريضية كرست معاداة الإسلام والاستعارات العنصرية”.
كما كتب صحفيون أستراليون، طاباً مفتوحاً حثوا فيه غرف الأخبار الأسترالية على اتخاذ ثمان خطوات لتحسين تغطيتها الإعلامية، منها: “التزام جانب الحقيقة عوضا عن الحياد الزائف”، وطالبوها أيضا بأن تتوخى على الأقل القدر ذاته من التشكك المهني الذي تطبّقه على مصادر حماس، بدلا من منح الأفضلية والثقة لمصادر حكومة الاحتلال وجيش الاحتلال من دون التحقق منها، وهو ما يتيح لروايتهم السيطرة على التغطية.
وبخصوص مواقع التواصل الاجتماعي، مثلت منصات التواصل الاجتماعي نوافذ مهمة للتغطية البديلة وسمحت للعالم أجمع بمشاهدة معاناة الشعب الفلسطيني اليومية، ما لم يكن ممكناً من خلال الإعلام الغربي التقليدي.
وساعد ذلك في إثارة غضب شديد، بما فيه احتجاجات ضخمة دعما للفلسطينيين في مختلف أرجاء العالم.
لكن من جهة أخرى، ساهمت أيضا في نشر الكثير من المزاعم التي لا أساس لها والأكاذيب غير الموثقة التي تبناها الإعلام الغربي التقليدي.
ويتمثل التحيز في تبني الرواية الصهيونية وتبنّي ادعاءات مسؤولي العدو الصهيوني، يُنظر إلى غزة وشعبها وما تتعرّض له من تدمير ممنهج على أنه مجرد “دفاع إسرائيلي عن النفس”.
وهنا يفرض السؤال نفسه، لماذا يغض الإعلام في الغرب الطرف عن جرائم العدو الصهيوني في غزة وغيرها من مدن فلسطين؟ ولماذا يضع القتيل في صورة القاتل، والقاتل في صورة القتيل؟ وما هي أسباب ازدواجية المعايير لدى مؤسسات إعلامية وصحافية عريقة، لطالما تحدثت عن الاستقلالية والحياد والأخلاق المهنية؟!!.