كلفة أميركية باهظة في البحر الأحمر.. وقصور معلن لمهمة الاتحاد الأوروبي
يمانيون – متابعات
من الواضح أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع العوم عكس التيار الأميركي في أي ملف وصراع دولي أو قضية من القضايا ولو كانت إنسانية وتؤثر على سمعة الدول ومكانتها، وسجلها الحقوقي، كما هو الحال في الدعم اللامحدود لكيان العدوّ في عدوانه على غزّة وما تفرع عنه من جبهات أجبرت دولًا أوروبية تحت الضغط الأميركي على المشاركة في حماية السفن الإسرائيلية.
ولأن التبريرات الأوروبية للمشاركة في التحالف الأميركي كانت باطلة، فمن الطبيعي ممارسة التضليل وتبني المواقف الأميركية دون تمييز لناحية السفن التي يشملها الحظر اليمني وحجم التأثير عليها.
في شباط/فبراير الماضي أعلن الاتحاد الأوروبي الانضمام إلى التحالف البحري الأميركي مع التحفظ على المشاركة في الاعتداءات على اليمن، وفي منتصف شهر نيسان/أبريل أقر قائد المهمّة البحرية لهذا الاتحاد في البحر الأحمر بصعوبة المهمّة في مسرح عمليات كبير وشاسع.
قائد العمليات الأميرال فاسيليوس جريباريس قال لوكالة “رويترز” من مقر المهمّة في مدينة لاريسا اليونانية “إن المهمّة في البحر الأحمر ستتطلب من السلطات الأوروبية إشراك مزيد من السفن الحربية”، وأضاف “نحتاج إلى ضعف العدد الموجود لدينا حاليًّا على الأقل”.
ضعف العدد الحالي يعني أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى إرسال أربع فرقاطات إضافية من كلّ من اليونان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا لتنظيم دورياتها في منطقة واسعة تمتد من جنوب البحر الأحمر إلى شمال غرب المحيط الهندي أي ضعف مساحة دول الاتحاد الأوروبي، وهذا لا يعني نجاح المهمّة، وبالقياس إلى ما حققته الفرقاطات الأربع من مزاعم تدمير عشر طائرات وأربعة صواريخ باليستية أطلقت من اليمن منذ شهر شباط/فبراير فإن المهمّة البحرية بحاجة لثلاثة أشهر إضافية لتدمير عدد محدود من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، ومرافقة تسع وسبعين سفينة تجارية لعبور المنطقة بأمان حسب الإعلان الأوروبي في الفترة الماضية، فذلك دليل على أن اليمن لا يستهدف إلا السفن الإسرائيلية أو الواصلة إلى الموانئ المحتلة وليس نجاح المهمّة الغربية في حماية السفن التجارية العالمية من تهديد وهمي.
على الصعيد الأميركي، وفي سياق الخسائر الأميركية من المغامرة غير محسوبة العواقب في البحر الأحمر، أكد وزير البحرية الأميركية ديل تورو أن الولايات المتحدة استنفدت ذخائر بقيمة مليار دولار في عمليات البحر الأحمر، ليرتفع بذلك الانفاق على الذخائر وسط مطالبات الكونغرس بالموافقة على زيادة الانفاق حتّى يتم الحصول على الموارد الإضافية.
وطالب الوزير الأميركي لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ بتوفير ما يزيد عن ملياري دولار للقوات البحرية ولمشاة البحرية حتّى تتمكّنَ من تجديد الذخائر وتوفير أنواعِ التدابير الدفاعية حسبما ذكرت صحيفة “ذا هيل” القريبة من الكونغرس. ولتحقيق هذا الهدف يقترب مجلس الشيوخ من إقرار مبلغ 95 مليار دولار تقريبًا لدعم أوكرانيا وكيان العدوّ وما تسميه واشنطن منطقة المحيطين الهادي والهندي مع مشروع آخر “يحتوي تدابير لمواجهة روسيا والصين وإيران”.
إضافة إلى ذلك، يبقى اقتصاد كيان العدوّ هو المتضرر الأكبر من العمليات اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن. وما يضاعف الخسائر هي العمليات المتصاعدة في المحيط الهندي، والوقت ليس في صالح أحد، ومتى ما تكاملت الضغوط العسكرية والاقتصادية من جبهات المحور والصمود الأسطوري في غزّة فإن المنطقة على موعد مع هزيمة ساحقة لكيان العدوّ وداعميه لها ما بعدها في كتابة النهاية المخزية لهذا الكيان الغاصب.
عرب العرامشة.. المفاجأة القاتلة
ليس معتادًا على العالم العربي وعلى واقعه أن يرى أطرافًا تدخل إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، ومع كيانها التابع، ليس من “عاداتنا” أن نبادر إلى عمل مشترك وواسع وكبير، وليس من مناهجنا أن نستمر بكلّ هذه الروحية العالية والاندفاع والثبات والتصميم لمدة تتجاوز 194 يومًا في كلّ جبهات القتال، لكن كلّ ما جرى منذ “طوفان الأقصى” في جانب، وما جرى في يوم السابع عشر من نيسان بعملية “عرب العرامشة المباركة” سيبقى في جانب آخر.
مبدئيًا فأن جبهات القتال كان من المنطقي أن تشهد هدوءًا حذرًا بعد الضربة الإيرانية الهائلة “الوعد الصادق” إلى العدوّ الصهيوني، بكلّ ما حققته من نتائج وما فرضته من قواعد اشتباك جديدة في الأقليم، ومنها نتائج ما تزال في طور التشكّل والظهور، يمكننا القول بكثير من الثقة والاطمئنان إلى أن الكيان تلقى أثقل ضربة في تاريخه من الجمهورية الإسلامية، وهو بعد يترنح سكرانًا تحت تأثير دويها، ومحور المقاومة بالكامل في مرحلة استيعاب هذا الرد الذي فاق توقعات الجميع، وأنه بالتالي فإن المحور كان في مرحلة كمون وانتظار للرد الصهيوني.
لكن المفاجأة تجلت بقيام رجال الله في جبهة الكرامة بجنوب لبنان بواحدة من أكثر العمليات العسكرية من حيث الخسائر البشرية المعترف بها من قبل العدو، منذ بدء القتال، 18 ضحية بين مصاب وقتيل طبقًا لإذاعاتهم، التي تنطق وسيف الرقابة على لسانها، لا نعرف العدد الحقيقي لقتلى السرية التي كانت تتّخذ من الموقع المقابل لبلدة الضهيرة اللبنانية، داخل أراضي فلسطين المحتلة، وربما لن نعرف عددهم في وقت قريب، كلّ ما أمامنا أن “النقطة المحصنة” المستحدثة أبيدت واجتثت من فوق الأرض.
كل ما لدينا في هذه اللحظة من شواهد، يقول إن حزب الله كان يراكم “إنجازات مذهلة” في مجال حرب التقنية والمعلومات طوال أشهر القتال، وأن رجال الله الذين مضوا على طريق القدس أجادوا إذلال القوّة الصهيونية المتغطرسة، وخبروا أساليبها وطرقها وسلاحها، وأن اختيار استهداف أبراج المراقبة وقواعد التنصت والمواقع الاستخبارية لم يكن ضربات حظ عشوائية أو صدف سعيدة متتالية، لكنّه كان تجهيزًا لمرحلة أكبر وأخطر من القتال، ربما، أكرّر ربما، يكون وقتها قد حان.
ما حدث في هذه الليلة المباركة، التي يواصل فيها الشعب الفلسطيني صموده، ويستكمل الشعب اليمني والسوري والعراقي والإيراني تقديم قرابينهم وتضحياتهم لله، قرر فيها الحزب بروحية “العماد” ومدد أفكاره الثاقبة الناصعة الواعية، أن يوجه ضربة قاتلة في توقيت قاتل، ليظهر لنا ولمحور المقاومة وللعالم كم هي هشاشة هذا الكيان اللقيط، وكيف نستطيع أن نذله ونكسره ونرغم أنفه في وحل الهزيمة الكاملة، ليس أقل من ذلك بعد الآن.
الكيان الذي سارع فور تلقيه الضربة الإيرانية إلى التباهي الكاذب بما يملكه من إمكانيات وأسلحة وأنظمة للدفاع الجوي لا يمكن اختراق طبقاتها، مع تمتعه بإضافة ضخمة تتمثل في قيام دول أخرى بتشكيل طبقة دفاع متقدمة خارج حدوده، وهي أميركا وبريطانيا وفرنسا والأردن، لم يتمكّن من رصد هجوم “مركب” بالصواريخ والطائرات المسيرة الانقضاضية، بل ولم تتح له كلّ هذه المزايا التي يتبجح بامتلاكها من إطلاق صافرة إنذار واحدة قبل الكارثة التي ضربت قلبه.
منذ سنوات طويلة جدًا، قال سماحة سيد المقاومة وسيد الوعد الصادق سيدي حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2018: “هذا ما نؤمن به، الفارق أنه في يوم العاشر ليس الدم هو الذي ينتصر على السيف، ليس دمنا فقط الذي ينتصر على السيف، سيفنا أيضًا ينتصر على السيف، نحن الآن في هذا الزمن لدينا دم وسيف، وكلاهما ينتصر”.. وصدقته الأيام، كعادته.
اليوم يمكن للمرجفين المنافقين أن يبكوا بدموع التماسيح على غزّة، بينما يمدون أيديهم للعدو من تحت الطاولة، ويجتهدون لنشر رواية “الهزيمة” التي توافق أرواحهم وقلوبهم المريضة المتعفنة المهزومة، لكن في هذا الخندق، نعلم يقينا أننا في زمن جديد، وأن محور المقاومة –كله – قد دلف إلى مرحلة اقتدار معنوي ومادي، وأن العدوّ يمشي بقدميه وحتّى بدفع من داعميه إلى حتفه، وأن كلّ يوم إضافي في هذه الحرب لن تفعل لهم شيئًا سوى زيادة الخسائر ونقصان أيامهم الأخيرة قبل النهاية المحتومة.
-العهد الاخباري/ إسماعيل المحاقري