مخلفات العدوان تحصد أرواح المدنيين.. 352 شهيداً وجريحاً معظمهم نساء وأطفال بعدد من المحافظات
فعلى الرغم من توقف غارات العدوان، بقيت مأساتها في معظم الأحياء الجنوبية والجنوبية الغربية لمدينة الحديدة، ومديريات الدريهمي والجراحي والتحيتا، حيث تنتشر المخلفات الخطرة والمتفجرة، التي تتسبب بين الحين والآخر في سقوط ضحايا مدنيين بين قتيل وجريح، أغلبهم أطفال ونساء.
ومع تصاعد أعداد الضحايا واستمرار التحديات والعوائق المتعلقة بأنشطة تأمين حياة المواطنين وتوفير السلامة والتنقل دون مخاوف في المناطق المستهدفة، يعيش العديد من المعاقين جراء هذه المخلفات مأساة حقيقية على المستوى الاقتصادي والنفسي والاجتماعي.
«أصبحت معاقا للأبد وأعيش معاناة كبيرة بعد أن فقدت ساقي وصرت عاجزاً عن توفير لقمة عيش أولادي الثمانية وكلهم أطفال، ولا حول لي ولا قوة، وكل يوم ننتظر من يغيث حالنا بما يسد رمق الجوع فقط “، بهذه الكلمات وصف عييد حسن أزنم، حاله كأحد ضحايا مخلفات العدو ودموع الحزن والألم تختزل قصة معاناة لا ترويها الكلمات.
عُبيد البالغ من العمر 45 عاماً، من مديرية الدريهمي، تسبب انفجار جسم في بتر ساقة الأيسر، خلال ممارسته العمل في جمع الحطب بما يساعده على بيعها وتوفير القوت الضروري لأسرته، لكن القدر كان مرا وأشد ألما وحال بينه وبين كفاحه في هذه المهنة التي يقتات منها لمحاربة الجوع وعدم انتظار رحمة وشفقة الآخرين.
صور متعددة لمعاناة الضحايا:
تعد الحديدة من أكثر المحافظات معاناة حيث تكافح السلطات المحلية في سبيل تخفيف الأوضاع الإنسانية الصعبة التي فرضها العدوان وأدواته جراء التصعيد الذي تعرضت له المحافظة أواخر العام 2018، واستمرار تعذر عودة الكثير من النازحين نتيجة قصف وتدمير ممتلكاتهم ومساكنهم.
وفي حين ما تزال مخاطر مخلفات العدوان ماثلة ومحدقة بأرواح الجميع، تواجه السلطة المحلية والجهات المعنية بالمحافظة تحديات جمة خصوصا بعد تعليق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي، المساعدات الغذائية التي كانت تستفيد منها قرابة 185 ألف أسرة نازحة وفقيرة ومتضررة من العدوان.
ويستفيد المئات من ضحايا مخلفات العدوان من هذه المعونات الغذائية إذ يقول عييد ازنم “أنا أواجه صعوبة كبيرة في الحصول على لقمة العيش أو عمل يتناسب مع طبيعة إعاقتي، التي أجبرتني على المشي على عكازين، وأعاني من أمراض مزمنة».
مأساة أخرى يعاني منها الطفل عبدالعزيز عبدالله ازنم البالغ من العمر 12 عاما من قرية الشجن في مديرية الدريهمي، حيث حالته المعنوية سيئة بعد أن تسبب انفجار لمخلفات العدوان في بتر يده، إذ تقول أسرته التي تعاني وضعاً معيشياً صعباً باعتبارها من الأسر الأشد فقراً “إنه بحاجة للدعم النفسي والاجتماعي بعد هذه الحادثة، ويرفض اللعب والاندماج مع الأطفال».
آثار مدمرة خلفتها القنابل العنقودية والذخائر والأجسام المتفجرة في أماكن تواجدها، اقتنصت آلاف الضحايا دون تمييز، وبينما لم تكتب الحياة للعديد منهم، نجا آخرون لكن مع إعاقات جسدية مختلفة، فرضت واقعاً مؤلماً للمعاقين من أرباب الأسر ممن فقدوا أطرافهم وباتوا عاجزين عن العمل.
الحال ذاته بالنسبة لصدام جماعي ( 35 عاما) الذي فقد أحد أطرافه السفلى قبل عامين وهو أب لثلاثة أطفال، حيث يصف الوضع الكارثي بقوله “نحن أكثر من تدمر جراء هذه الأجسام المتفجرة التي حرمتنا أطرافنا وأحالتنا إلى العجز عن العمل، وصرنا نحلم بالقوت الضروري».
العم صالح عبده، من مديرية الحالي، يبلغ من العمر 67 عاما، تسببت مخلفات العدوان باستشهاد نجليه محمد (18 عاما) ونبيل (16عاما )، وإصابة خالد (12 عاما ) بتشوهات في الجسد وفقدان البصر، حاله يهز ضمير الإنسانية وهو يتجول في الأرصفة لبيع الماء والمناديل.
يقول بحسرة وقهر “أولادي الثلاثة هم كل ثروتي ورأس مالي، اثنان منهم توفوا والثالث معاق ويعاني من تشوهات في الوجه وأعمى بعد أن فقد النظر كاملا نتيجة شظايا قنبلة انفجرت بهم أثناء رعي الأغنام وجمع الحطب في إحدى المزارع المجاورة لمنزلنا».
ويضيف “أتجول منذ الصباح الباكر حتى الساعة 3 عصراً كل يوم لتوفير لقمة العيش الضرورية، حيث أعود للمنزل منهكاً بعلبتي زبادي وثلاثة أكياس رغيف خبز وأحياناً أعود بالخبز فقط نظراً لعدم وجود من يشتري الماء والمناديل».
أرقام الضحايا:
تسببت الأجسام المتفجرة في محافظة الحديدة خلال العام الماضي 2023م، في حصد أرواح 52 شخصاً بينهم 19 طفلاً وخمس نساء، حسب تقرير المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام.
ويشير التقرير، إلى أن 80 شخصاً أصيبوا بينهم أربع نساء و24 طفلا في حوادث متفرقة تم رصدها في مناطق مدينة الحديدة والمديريات الملوثة بمخلفات العدوان والتي تعذرت جهود تطهيرها بما فيها مديرية الدريهمي التي تبعد عشرة كيلو مترات جنوب مدينة الحديدة.
ووثق المركز التنفيذي في تقريره سقوط 300 مدني خلال العام 2023م، منهم 108 قتلى، معظمهم من الأطفال والنساء في عدد من المحافظات.
ومنذ مطلع العام 2024م، استشهد 17 شخصا وأصيب 35 آخرون في عدد من المحافظات، بانفجار قنابل عنقودية ومخلفات الحرب، حسب التقرير.
تحديات تطهير المناطق الموبوءة:
موت حقيقي يفترش الأرض في عدة مناطق بالحديدة، الأمر الذي يستدعي جهوداً مكثفة لتأمين حياة المواطنين بتطهير الحقول الملوثة بالمتفجرات، ونزع كل مخلفات العدوان، بما يساعدهم على التنقل في بيئة آمنة خالية من التهديدات والمخاطر.
ففي حين ما تزال الأنشطة الخاصة بعملية نزع هذه الأجسام معلقة منذ عدة أشهر، نتيجة تأخر الأجهزة والمعدات التي تم تسليم عدد منها في أغسطس الماضي بواقع 300 جهاز كاشف وماسح ألغام، تجمدت أعمال المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام جراء تعليق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدعم وإيقاف الأنشطة الميدانية والإدارية.
ورغم توفير هذه الأجهزة أشار المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام بالحديدة في تقرير له، إلى أن حجم ونطاق انتشار التلوث بمخلفات الحرب كبير جداً وقوام المركز لا يغطي المساحات والحقول الملغومة التي تم مسحها بمديريتي الحالي والحوك فقط مقارنة مع قلة عدد الكادر البشري للمركز.
وحول المعوقات والتحديات الأخرى، أكد التقرير أن هناك صعوبات جمة في تضاريس الأرض والأجسام منتشرة في الحقول مثل الاكواد الرملية وكثرة الشظايا والمعادن، ما يقلل من كفاءة عمل الأجهزة الكاشفة ويؤخر التقدم في الإنجاز خاصة في محافظة الحديدة.
وذكر التقرير أن المركز قام العام الماضي بتطهير 694 ألفاً و576 متراً مربعاً من المساحات الملوثة خلال العام 2023م، مطالباً البرنامج الإنمائي، بإعادة توفير الدعم الذي توقف بشكل كلي منذ يونيو الماضي وتسبب في توقف أعمال التدريب وتدهور جاهزية المركز في تنفيذ الأعمال الموكلة إليه.
وكان المنسق المقيم للأمم المتحدة – منسق الشؤون الإنسانية الجديد جوليان هارنيس، قد زار محافظة الحديدة مطلع مارس الماضي وعقد لقاء مع السلطات المحلية لمناقشة تحديات الوضع الإنساني بينها تداعيات إيقاف أنشطة تطهير المناطق الملوثة بمخلفات العدوان.
وأشار إلى أن هذه المخلفات، تمثل تحديا حقيقيا لسكان الحديدة، واكتفى بالتأكيد على ضرورة إزالتها والتوعية بمخاطرها لخلق بيئة أكثر أمانا للسكان المدنيين.