حربٌ على الإرهاب أم تلاعبٌ بالعقول؟!
عبد العزيز البغدادي
لا يمكن لأي عاقل تأييد الإرهاب، وقتل المدنيين عمل إرهابي أياً كان القاتل، فماذا وقع في أحداث 11سبتمبر 2001م الإرهابية وما بعدها ومن هو صانع الإرهاب؟!
عقب الجريمة ودون انتظار أي تحقيق، أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش غزو أفغانستان كبداية للحرب على الإرهاب -حسب قوله- وأن نهايتها غير معروفة زمانا ومكانا، وهذا الخداع يأتي ضمن هندسة للعبة طويلة المدى جعلت من أمريكا وحلفاءها وأتباعها خصما وحكما في نفس الوقت، ما يعد أسوأ انتهاك علني للعدالة وحقوق الإنسان، مع استمرار الادعاء بأنها الحارس القائم على حماية حقوق الإنسان في العالم، ووجه بوش اصبع الاتهام نحو تنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن الذي ظهر فجأة كقائد لما عرف بتنظيم القاعدة ذي النشأة الموجهة أمريكياً، حسب تصريحات مسؤولين أمريكيين.
نشأ التنظيم في الفترة بين أغسطس1988و1989م وأوائل 1990م كتنظيم وظيفي من جنسيات إسلامية وعربية متعددة، أطلق عليه (الجهاد الأفغاني) ومولته دول خليجية أبرزها السعودية، والهدف غير المعلن هو دعم الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الباردة بين الغرب بقيادتها والشرق بقيادة الاتحاد السوفيتي قبل تفكيكه، وإخراج القوات السوفيتية الموجودة في أفغانستان بناء على اتفاق مع الحكومة الأفغانية الشرعية، وقد استمرت القوات السوفيتية في أفغانستان من ديسمبر 1979م إلى سبتمبر 1989م، وصمدت الحكومة الأفغانية أمام هجمات (المجاهدين) ثلاث سنوات، أي حتى العام 1992م، ليبدأ الصراع بين الأحزاب والمليشيات (الجهادية) التي أخذت تنمو وترتدي عباءات مختلفة وأسماء وعناوين إسلامية متعددة، وبين فترة وأخرى يتم التخلص من قياداتها والكثير من عناصرها واستبدالهم وإعادة نشرهم ضمن خارطة عمل المخابرات الأمريكية وبتمويل نفس الدول التي دعمت ما ادعت بأنه الجهاد لتأجيج الصراع وتمت إعادة تصدير من شارك في الجهاد من غير الأفغان إلى بلدانهم ومنها اليمن التي ورد إليها العديد من قيادات وأفراد الإرهاب يمنيين ومن جنسيات مختلفة شاركوا في حرب 1994م التي أسميت زوراً وبهتاناً “حرب تعميد الوحدة بالدم” مع أنها في الحقيقة حرب تدمير الوحدة التي تحققت بالسلم والتفاهم في عام 1990م كتحصيل لنضالات طويلة للشعب اليمني، وللأمانة التاريخية فإن دور أبناء الجنوب في التهيئة للوحدة كان دوراً مميزاً، وبإعادة الانتشار تمكنت طالبان من الانفراد بالسلطة عام 1996م لتمارس أقبح الممارسات من خلال تطبيق ما تعتبره أحكاماً الشريعة الإسلامية مثل التكفير والإعدامات الميدانية والجلد والحدود التي تُدرأ بالشبهات استنادا إلى حديث (ادرأوا الحدود بالشبهات) كأسلوب من أساليب السياسة العقابية التي تتأسس على كون العقوبة إصلاحاً وليس انتقاماً، كانت أحداث 11 سبتمبر 2001م -كما يراها كثير من المحللين- عملاً ممنهجاً يمهد لغزو العديد من البلدان العربية والإسلامية وفق برامج وسيناريوهات تختلف في الشكل وتتفق في المضمون !؛
ورأى المحللون أن أمريكا هي راعي الإرهاب والداعم لتمكين الجماعات الإرهابية من السلطة في كثير من البلدان، لتبرير استمرار تدخلها المباشر وغير المباشر وبناء قواعد أمريكية بالقرب من مناطق النفط في البلدان التي تم غزوها، ولهذا فمسرحية غزو أفغانستان في 2001م عقب 11 سبتمبر مباشرة، لا تختلف عن مسرحية غزو العراق في 2003م بعد حصار الشعب العراقي الذي دام أكثر من ثمان سنوات بحجة امتلاك صدام للسلاح النووي، ومن المؤسف أن صدام نفسه ساعد في الترويج الإعلامي الأمريكي الدولي للأكذوبة من خلال بعض اللقطات له التي توهم بامتلاكه قدرات غير عادية لمقاومة أمريكا وتهديد أمن المنطقة والعالم، خاصة بعد أن اجتاح الكويت في مدة خيالية، كل المسرحيات الممهدة لغزو أفغانستان والعراق وسوريا واليمن ومختلف البلدان أو تفجير الأوضاع فيها، أكدت ما رددته وتردده كثير من التقارير والشهادات والوقائع وهو أن أمريكا دولة تهندس لرعاية الإرهاب من خلال ما تسميه الحرب على الإرهاب، ومع ذلك فهي دولة مؤسسات ولكنها من باب الدهاء السياسي تدير سياستها باسم رؤساء صلاحياتهم محدودة وتوحي لمن تغزوهم بأن هؤلاء الرؤساء هم أصحاب القرار وليست المؤسسات، لتستمر في دعم الأنظمة المستبدة المستهدفة، لتستمر اللعبة !، وهذا لا يعيب أمريكا بقدر ما يعيب المرتمين في أحضانها، فأمريكا تسعى لتحقيق مصالحها، مشروعة كانت أو غير مشروعة، هذه مسألة أخرى، العيب في الانظمة العربية والإسلامية وشعوبها، وامتلاك الرؤساء والملوك صلاحيات مطلقة تمكنهم من تدمير بلدانهم بما يتخذونه من قرارات دون رقيب أو حسيب، كما أن أمريكا لا تصنع الإرهاب في هذه البلدان من عدم، لأن خميرته كامنة في ثقافة هذه المجتمعات التي تحتاج لمراجعة تراثها بصورة عقلانية والاستفادة مما فيه من إيجابيات ونبذ السلبيات واستيعاب المستجدات، فالجمود اهم أسباب ما تعانيه هذه البلدان من ضعف وهوان وتفكك، وطريق مقاومة كل ذلك يتم عبر مزيد من الوعي بأهمية المقاومة السلمية لكل أشكال الهيمنة والاستبداد والاحتلال والجهل.
لا تدفنوا رؤوسكم في الرمال
دعوا العقل يعمل منطلقاً في الفضاء الفسيح.