أُكذوبة حلّ الدولتين!
حمدي دوبلة
حلّ الدولتين، أكذوبة محبّبة للولايات المتحدة، وجعلت منها شعاراً كبيراً، لإخفاء جرائمها الوحشية المتواصلة في قطاع غزة وتكتيكاً خبيثاً باشرته منذ عقود لتصفية القضية الفلسطينية وتعزيز وجود دولة الكيان اللقيط في قلب المنطقة والمضي قدماً في إدماجه في منظومة الأنظمة الخانعة المتحمسة للسقوط في مستنقع التطبيع البغيض.
-دولتان تعيشان بسلام جنباً إلى جنب، ليس أكثر من وهم جميل وأسطوانة مشروخة لطالما عزفت عليها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتخدير الحالمين والواهمين ومواصلة ضرب فلسطين ونسف حقوق شعبه في الحياة والحرية والاستقلال وصولاً إلى القضاء المُبرم على القضية الأولى للأمة بأسلوب ناعم يُقابل بكثير من الترحاب والتطبيل من قبل الكثيرين في العالم العربي والإسلامي وخصوصاً حكّام الاستسلام والخنوع والانبطاح، وقد رأوا فيه مخرجاً ومبرّراً للتنصل من مسؤولياتهم وواجباتهم إزاء حرمات ومقدسات الأمة وذريعة مناسبة للخدمات المجانية التي يقدمونها لكيان الاحتلال والانغماس أكثر في خدمة مشاريعه ومخططاته وتحقيق أحلام من يقف وراءه في دول الكفر والطغيان والاستكبار العالمي.
-منذ ظهرت أكذوبة الدولتين في أربعينيات القرن الماضي بصناعة بريطانية صهيونية خالصة نجح منتجوها في تحقيق الكثير من مراميها وأهدافها وتمكنوا من زراعة الدولة الصهيونية في خاصرة الوطن العربي مقابل إنهاء أي مظهر لوجود دولة فلسطينية وبقيت الأكذوبة يافطة خاوية المضامين لإفشال أي تحرك نحو التحرر والانعتاق وإجهاض أي توجه لتشكيل هوية سياسية للدولة الموعودة، أما ما تسمى سلطة منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية فلا تملك من الدولة إلا قماش العلم، بينما تخضع بكل تفاصيلها ومكوناتها فعلياً لحكم للاحتلال وإرادته قبل إدارته.
-ظل ما يسمى “حل الدولتين” مجمّداً في معلّبات مُحكمة الإغلاق بأروقة وأدراج مكاتب الأمم المتحدة، يختفي سنوات ثم يعود إلى العلن حين يتطلب الأمر وحسبما تقتضيه المرحلة لتحقيق تكتيكات وأهداف الاحتلال، مثلما يحدث هذه الأيام، حيث أعادته أمريكا -وارثة الماضي الاستعماري البغيض- بقوة إلى الساحة العالمية بهدف إخفاء شراكتها في حرب الإبادة الجماعية في غزة وذرّ الرماد في العيون للهروب من مسؤوليتها المباشرة في سفك الدم الفلسطيني.
-تتباكى واشنطن زوراً على أطفال ونساء غزة ممن يسقطون بعشرات الآلاف قتلى وجرحى بصواريخها وقنابلها للشهر الخامس توالياً، لكنها لا تجد حرجاً في استخدام حق الفيتو لإفشال أي تحرك دولي لإيقاف الجريمة، تبرر ذلك دوماً بحرصها على عدم وقف الحرب، وإنما إنهاء الصراع من جذوره من خلال فزّورة “الدولتين” إياها، كما فعلت مع مشروع القرار الجزائري الأخير في مجلس الأمن وغيره، لتتواصل المسرحية الهزلية التي تحاول إدارة بايدن اليوم ترميمها وتفعيل فصولها وإعادة رسم غاياتها، بعد زلزال طوفان الأقصى وما تعرضت له أكذوبة “حل الدولتين” في السابع من أكتوبر الماضي وما تلاه من ضربات حقيقية ومؤثرة على أيدي مجاهدي المقاومة الباسلة.