ياسين سعيد نعمان وخيانة المثقف
أحمد يحيى الديلمي
طالما سمعنا وقرأنا عن خطورة خيانة المثقف على مستويات الوعي الجماهيري وخلق حالة يأس وإحباط لدى العامة، خاصة عندما يكون المثقف الذي ينحدر إلى دهاليز الخيانة قد تربّع على عرش القلوب ردحاً من الزمن، وتحوَّل إلى مرجع مميز في الفكر والثقافة والسياسة ، وفجأة على حين غفلة من الزمن الجميل الذي طالما بشر به ينحدر إلى قاع الخيانة ويتنكر لكل الأخلاق والقيم والمبادئ التي طالما ملأ عقول البسطاء بها وتحول معها إلى فارس من طراز فريد احتفظ بذاته في أحلك الظروف التي مر بها الوطن .
من الخلفية السابقة التي أسلفتُ يمكن الحديث عن حالة الذهول التي أُصبتُ بها مصحوبة بحسرة وألم شديدين وأنا أشاهد الدكتور ياسين نعمان يتحدث على شاشة الحدث الأكبر .
أنا عادة أتجنب مشاهدة هذه القناة الموبوءة لأنها تبث السموم التي تعمق الأحقاد وتبقي على الجراحات النازفة في جسد الأمة كما هي عليه خدمة لغايات وأهداف أمريكية بريطانية صهيونية قبيحة .
ظهور الدكتور شدَّني للتوقف عند القناة ومتابعة ما يُدلي به ليقيني أن الرجل سيُظهر حالة من التوازن ويتمسك بالمواقف التي صدرت عنه منذ امتهن السياسة وتميز بها أكثر عندما رأس أول مجلس للنواب موحد عقب إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة ، وكذلك أثناء توليه منصب أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني .
المفارقة العجيبة أن سقوط الرجل الأخلاقي لم يتوقف عند الاستهانة بالموقف البطولي العظيم لقيادة المسيرة القرآنية المساند لأبناء شعبنا الفلسطيني في غزة واتهام الحوثيين- بحسب وصفه- بعسكرة البحرين الأحمر والعربي والتباكي على معاناة الشعب اليمني ، لكنه للأسف برر الضربات البربرية لأمريكا وبريطانيا عندما قال أنها تستهدف المواقع الإيرانية في اليمن خلافاً للتصريحات التي أدلى بها عقب زيارته لصعده في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة ، فقد أسهب في الحديث عن مظلومية أنصار الله ونفى نفياً قاطعاً أن يكون لإيران أي دخل أو علاقة بما يجري في صعدة وأنه شأن ذاتي تبناه الشهيد القائد نتيجة الإحساس بالظلم والتهميش المتعمد ، ومع هذا التناقض كيف يمكن أن نقيِّم مواقف الرجل ؟! وهل أصبحت الأخلاق والقيم هكذا تُباع بأثمان رخيصة مقابل منصب أو حفنة من الدولارات؟! يبدو أن الدكتور غض بصره وصم سمعه عما يجري في غزة والمشاهد البشعة الغاية في الإجرام وحرب الإبادة الشاملة غير المسبوقة في التاريخ الإنساني ، كل هذه المشاهد لم تحرك ساكناً لدى الدكتور ، وحصر اهتمامه فقط في المواقف العظيمة التي يتبناها اليمن وجيشه الباسل ضد العدو الصهيوني ليقلل من أهميتها ويعتبرها مجرد محاولة لإثبات الذات .
ما هكذا يا دكتور تورد الإبل ، فالعدو الصهيوني كما تشاهد وترى يطحن الحجر والبشر والحيوان والشجر بحقد دفين ورغبات مبيّتة هدفها أمريكي معروف وهو تجريف كل مقومات الحياة في هذه المدينة الباسلة تمهيداً لتنفيذ المشروع والمخطط الإجرامي المتمثل في القناة الموعودة ، ولهذا تسعى أمريكا عن طريق الكيان الصهيوني لاستكمال التغيير الديمغرافي تنفيذاً لهذه الخطط الإجرامية واستكمالاً لمشروع الشرق الأوسط الجديد ، وللأسف الشديد كل هذه المعطيات لم يتنبه لها الدكتور ياسين سعيد نعمان ، وهو انسان حصيف ومعروف بالنباهة ، إلا أنه كما يُقال بريق الدولار أعمى البصائر في الصدور ، فأصبحت تتخبط يميناً وشمالاً دون أن تميز بين الحق والباطل ، وكما قال أحد الاشتراكيين المتسم بالوطنية والصدق (قد نقبل مثل هذا الكلام من حميد الأحمر أو صغير عزيز وأمثالهم ، لكنا لم نقبله من رجل مثل الدكتور ياسين سعيد نعمان )، قلت : ماذا نعمل إذا كان الرجل قد انحرف وأغراه المال وأصبح مجرد بوق يُردد ما تمليه عليه المخابرات البريطانية ، وفي هذا المقام لا ننسى أن نُحيي بإكبار وإجلال الشيخ المناضل الكبير يحيى منصور أبو أصبع- رئيس الحزب الاشتراكي اليمني ، أكرر اليمني .. اليمني لأن هؤلاء فعلاً هم اليمنيون، هو ومن معه من أعضاء الحزب الذين ناضلوا وصمدوا داخل الوطن في ظل العدوان والحصار ، فلهم منا ألف تحية ولا عزاء للدكتور ياسين الذي اختار لنفسه هذا المصير المظلم والخاتمة البائسة ، والله من وراء القصد.