في ميدان فلسطين.. عهدُ الأحرار باقٍ
يمانيون/ بقلم/ عبد القوي السباعي/
إلى ميدان فلسطين.. أقصد ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، والذي أضحى ميدان فسطين بالفعل، ظننت أنّي كنت أول الواصلين إليه؛ لأكون في المقدمة وإلى جوار المنصة الخطابية، غير أني وجدت صعوبةً في حشرِ جسدي وسطَ طوفان بشري هائل؛ بمحاذاة ضريح الشهيد الرئيس الصماد، كنت أعتقد أن الملائكة فقط هي من تتنزل من السماء؛ لكني اليوم أدركت أَيْـضاً أن محبي فلسطين يتنزلون وينسلون من كُـلّ مكان.
في ميدان فلسطين؛ وخُصُوصاً بعد نداء السيد القائد، وقف التاريخ منبهراً؛ يتأمل هذه الحشود المتدفقة كالسيل، الزافرة حناجرها كالريح العاصف والمدوية صرخاتها كالطوفان، المتقدة هتافاتها غضباً والملتهبة حماساً كالبركان، والمستعدة بقضها وقضيضها للنداء القادم، في هتافٍ متوحد انطلق من ميدان فلسطين في صنعاء وتردّدت أصدائه في أكثر من مدينة حول العالم، مفادُهُ “الوفاء ما تغيّر عهد الأحرار باقٍ”.
هُنا.. وفي ميدان فلسطين؛ لا تلمحُ عيناك إلا هاماتٍ جُبلت على الوفاء والولاء، على المحبة والإخلاص، ولا تسمعُ أذناك سوى صرخاتٍ من أفواهٍ شغفها حُبٌّ للأرض الفلسطينية، وكأن أنوفهم تستنشق رائحة الأرض المقدسة، وألسنتهم تتذوق طعم الزيتون، وما عدت أعرف أكنت في اليمن أنا أم في فلسطين.
في ميدان فلسطين؛ يغمرني الفضولُ، عن كيفية رؤية العدوّ لهؤلاء القوم، كيف يقرأ خروج كُـلّ هذه الحشود؟ هل يدرك ما الذي يدفعهم للتقاطر إلى ساحات الاحتشاد بهذا الزخم وبهذه الروحية؟! هل تساءل يوماً عن ردة فعل هؤلاء؟ عن شدة غضبهم التي إن تم توجيه نقمتهم بتصعيدٍ أكبر من مُجَـرّد حضور فعالية وإطلاق هتافات؟؛ بل وإلى ما هو أبعد من ذلك بكثير؛ من سيقف في وجههم؟ من سيصمد أمام عنفوانهم؟ أية قوةٍ عالمية ستوقف زحف حممهم المتقدة سخطاً وغضباً على أمريكا وإسرائيل؟
في ميدان فلسطين؛ يتأكّـد لك أن هؤلاء لم يأتوا ليعبروا عن تضامنهم لغزة ثم يرحلوا، وكأن أمراً لم يكن، هؤلاء جاءوا لكي يزدادوا غضباً إلى غضبهم؛ يزدادوا سخطاً إلى سخطهم، هؤلاء ليسوا مُجَـرّد أرقام عادية حشرت إلى ميدان فلسطين للاستعراض، إنهم أعداد أولية من طوفان بشري سيغمرُ الأرض؛ إن لم يكن اليوم؛ ربما غداً، وسيلتحم ببراكين من الغضب الكامنة في أوساط الشعوب في الجزيرة العربية والخليج، من العراق شرقاً إلى المغرب العربي غرباً، طوفان بشري ثوري مُقاوم، لن يقتلع الوجود الأمريكي الغربي فحسب؛ بل ويقتلع كُـلّ جذوره وأدواته وأذنابه من المنطقة برمتها، بعد أن هيأ الله لهم القيادة الربانية الحرة والشجاعة والمنهج القويم.
في ميدان فلسطين؛ تدرك أن كُـلّ قطرة دمٍ سقطت على تراب غزة، صنعت في مسارنا النصر والكرامة والعزة، وأن كُـلّ دمعةٍ انسابت على تراب غزة، صنعت حروفًا وكلمات لا يمكن أن تجاريها قساوة ومرارة الألم، ولكنها في الوقت ذاته رسمت عنوان الصمود والثبات والرفض للاستسلام، وأسّست لبنات التحرّر الكامل للأرض والإنسان، وعبرت بكل فخر وأنفة عن التمسك بالقضية المركزية: الأرض والديار الفلسطينية والأقصى والمسرى المبارك والقدس الشريف..!