“معاداة اليهود” تظهر مجدداً وبشكل واسع في أوروبا
يمانيون – متابعات
بعدما اعتقد العالم أنّ نهاية النازية تعني نهاية معاداة اليهود في أوروبا، عاد المشهد بقوة إلى الواجهة في مدن أوروبا الغربية، ولا سيما في فرنسا وألمانيا، مع بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر الماضي.
قبل أيام قليلة، تعرضت سيدة يهودية في مدينة ليون الفرنسية للطعن على يد مجهول بعد رسم صليب النازية المعقوف على جدران منزلها.
قبل هذا الحادث وبعده، انتشرت رسوم النجمة السداسية بشكل واسع على جدران المباني في أحياء باريس ومدن فرنسية وأوروبية أخرى، حيث تقطن الأقلية اليهودية. وقد أحصت الشرطة في فرنسا أكثر من 1100 هجوم مختلف تحت عنوان “معاداة السامية” منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو رقم غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية.
هذه الهجمات، بحسب المحللين والجهات الأمنية، ليست محصورة بردود فعل الأقلية العربية والمسلمة على عدوان “إسرائيل” على غزة، إنّما يُلاحظ عودة مجموعات من اليمين المتطرف إلى الظهور مجدداً. يأتي هذا الاستنتاج على خلفية تصرفات ورسوم على الجدران تنسب تاريخياً إلى جماعات اليمين الأووربي المتطرف.
لكن نشاط الجماعات اليمينية المتطرفة يبقى هامشياً جداً مقارنة بما يُنسب إلى مسلمي أوروبا، والأخطر، بالنسبة إلى الحكومات الأوروبية، أنّ الناشطين العرب والمسلمين المتهمين بمعاداة اليهود هم من الأجيال الجديدة التي ولدت في أوروبا، والتي لا تعرف عن بلادها الأصلية شيئاً، كما لا تعرف عن النازية إلا ما كُتب في كتب التاريخ. ويتحرك هؤلاء اليوم استناداً إلى الشعور بالانتماء إلى قضية الفلسطينيين، ويشعرون بالغضب العارم تجاه انحياز الحكومات ومراكز القرار والإعلام في أوروربا إلى جانب “إسرائيل”.
هؤلاء الشبان والشابات كسروا حاجز الصمت والخوف. حتى الاتهام بمعاداة السامية، وهو الاتهام الأوروبي الجاهز لوسم أي ناشط أو داعم للفلسطينيين، لم يعد يخيفهم، فهم يستندون في تحركاتهم الحالية إلى مقارنة واضحة بين ما يتابعونه من مواقف حكوماتهم الأوروبية ووسائل إعلامها من دفاع أعمى عن الإجرام الإسرائيلي وتكرار مقولة “حق إسرائيل بالدفاع عن النفس”، وهو حق منزوع عن الفلسطينيين، مع ما يجري فعلاً على أرض الواقع من قتل يومي لأهل غزة والضفة الغربية.
النقاش بشأن هذه المسألة يجتاح وسائل الإعلام، لكن معالجة هذه الظاهرة لم تخرج حتى الآن عن إطار الفهم الغربي أو اللافهم الغربي للأسباب الحقيقية التي تقف خلف جنوح هذه الفئة من الناس نحو معاداة اليهود.
ويبدو أنّ المسألة أبعد من فهم أسباب ارتفاع مستوى معاداة اليهود، فمن الواضح أنّ مساراً واضحاً ومقصوداً تتبعه وسائل الإعلام ومراكز القرار في أوروبا لإظهار اليهود في مظهر الضعيف أمام خطرٍ تشكله الأقليات العربية والمسلمة، فقد قررت السلطات في فرنسا وألمانيا نشر تعزيزات أمنية مهمة في محيط مراكز اليهود ومناطق وجودهم.
تحرص وسائل الإعلام التي تطرح هذا الملف للنقاش على استضافة شخصيات تتبنى وجهة نظر تحاول فصل ما يجري منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي في غزة عن الصراع التاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين المستمر على الأقل منذ العام 1948، إذا أردنا عدم العودة إلى وعد بلفور أو مؤتمر بازل للصهيوينة الأول عام ١٨٩١.
هؤلاء أسقطوا الحق الفلسطيني في أرضه، حتى مبدأ “إقامة الدولتين” لم يعد له وجود في المنطق الغربي – الإسرائيلي، وحولوا الصراع إلى صراع ديني بين اليهود والمسلمين. وقد لفتت إلى ذلك رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين عندما قالت خلال بعد زيارتها “إسرائيل” إنّ “اليهود يتعرضون لابادة جماعية من قبل حماس”.
في سعيها لتبرير الجرائم الإسرائيلية وحشد الدعم الشعبي لـ”إسرائيل”، تتجاهل الحكومات الأوروبية، ومعها معظم “الإنتليجنسيا” في أوروبا، الواقع الذي يفهمه بشكل واضح وصريح شابات وشبان الأجيال العربية والمسلمة الجديدة في أوروبا، الذين ينظرون إلى “إسرائيل” عبر المشاهد القاسية التي يتلقونها على هواتفهم الذكية، كما يفهمون أيضاً أنّ الدعم الأوروبي لـ”إسرائيل” يعني مشاركة هذه الحكومات في جرائمها.
إلى أين سيؤدي هذا الصراع؟
في حال استمرت الحكومات الغربية – الأوروبية في اعتبار ما يجري صراعاً دينياً، وليس سياسياً مبنياً على منطق أرض محتلة وشعب يقاوم احتلال، وعلى قمع كل من يحاول دعم الفلسطينيين، ولو بالكلام أو التظاهر، وبإظهار الأقلية اليهودية بمظهر الضحية وجب تقديم الحماية لها، فإنّنا سنكون أمام خطر مواجهة واسعة بين العرب والمسلمين واليهود في أوروبا.
وفي هذه الحالة، لن يكون للأجهزة الأمنية الأوروبية التي تلاحق اليوم كل ناشط بتهمة “بمعاداة السامية” أو تمنع التظاهر دعماً للفلسطينيين القدرة الكافية لمنع هجمات من هنا وردود فعل من هناك.