خطاب الأمين العام لحزب الله… التهدئة تبدأ من غزة لا من بيروت
يمانيون – متابعات
هناك حالة من الترقب والانتظار لما سيقوله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم غدٍ الجمعة 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، نظراً إلى أهمية ما سيقوله بشأن تطورات الأوضاع التي تجري اليوم في غزة ومستقبل الصراع في المنطقة.
غياب الأمين العام عن المشهد خلال الأسابيع الأربعة الماضية لا يعني غياب الحزب عن معادلة الصراع العربي الصهيوني أو التساؤل عن موقفه مما يجري، فمن المؤكد أن الحزب استطاع إيصال رسائله السياسية بالنار هذه المرة، عبر المناوشات التي جرت على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وتسببت بخسائر كبيرة لكيان الاحتلال.
موقف الحزب من الحرب واضح بكل تأكيد، ولا ينتظر أحد من السيد حسن نصر الله تأكيده، لكن الانتظار يتعلق ربما بتطورات الحرب في المنطقة، وما إذا كانت ستشهد امتداداً لجميع دول محور المقاومة أو بعضها. هل المعركة التي تجري اليوم هي المعركة الكبرى التي تعني نهاية “إسرائيل” وانتصار محور المقاومة وعودة فلسطين إلى أهلها، أم أنها مجرد معركة مهمة وعلامة فارقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني؟
أعتقد أن الحديث عن الخطوط الحمر التي سيرسمها الحزب هو تعبير غير دقيق، فكل ما يحدث في غزة هو خطوط حمر تم انتهاكها إزاء شعب مظلوم يدافع عن أرضه وعرضه. أما الحديث عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، فهو كلام لا معنى ولا قيمة له من الناحية القانونية، فمقاومة الاحتلال حق تكفله القوانين والشرائع السماوية كافة.
غياب الحزب عن المشهد خلال المرحلة الماضية جعل العالم يركز على القضية الفلسطينية من دون أن تكون هناك تشعبات أخرى، وهو ما أسهم بشكل كبير في إحداث تغير في المواقف الشعبية والدولية لجهة انتقادها “إسرائيل” ورفضها ما ترتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني.
هذا الغياب عبر عن تطورات كبيرة في رؤية الحزب وانتقاله إلى التركيز على القوة الناعمة، عبر عرض صورتين لسماحة السيد حسن نصر الله جعلتا العالم كله يتكهن الرسالة المراد إيصالها منهما.
لطالما ركزت الدعاية الغربية على “الكذب وتشويه الحقائق” للتأثير في الرأي العام، لكن حزب الله استطاع كسر تلك القاعدة مثبتاً للعالم كله أن الصدق في الدعاية والإعلام هو السلاح الأقوى والأمضى. لذا، بتنا نرى الكثير من المستوطنين والمواطنين الغربيين يقولون إنهم يصدقون كلام الأمين العام لحزب الله ويثقون به أكثر من ثقتهم بإعلامهم وحكوماتهم.
كانت الصورة في ذهن الرأي العام العالمي أن “إسرائيل” (اليهودية) محاطة بعدد من الدول العربية (المسلمة) التي تريد مواجهتها والتخلص منها لأسباب دينية. هذه الصورة بدأت بالتغير، وبدأ الجميع يرى أن الصراع هو صراع على الحقوق بين أصحاب الأرض والوافدين إليها من بقاع الأرض شتى.
تفاعُل الشارع العالمي مع القضية الفلسطينية يجب أن يجعلنا نخجل، عرباً ومسلمين، فموقفنا إزاء الأحداث في غزة لا يزال أقل مما يفعله الشارع العالمي.
“اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك”. عبارة قالها وزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز، ويبدو أنها كانت مناسبة لذلك الوقت، لكنها وبكل تأكيد لم تعد مناسبة لعالمنا اليوم الذي بات فيه كل مواطن قادراً على أداء دور الصحافي في نقل الحقيقة.
يبدو أن الكيان الصهيوني لا يزال ينتمي إلى ذلك النوع من الدعاية! كيف لا وقد بني على الأكاذيب وتزييف الحقائق. لذا، ركز قادته على محاولة نشر الأكاذيب التي تحدثت عن المجازر التي ارتكبتها حركة حماس بحق المدنيين والأطفال وسوى ذلك من الأكاذيب، في محاولة لحرف أنظار العالم عن هزيمتهم المنكرة وفشلهم الاستراتيجي.
اللافت في الأمر هو انسياق الرئيس الأميركي جو بايدن وراء تلك الأكاذيب وتأييدها، ثم التراجع عن ذلك بعد انكشاف الحقائق، وهو ما يعني خسارة الكيان حربه الإعلامية.
دموع بايدن “الانتخابية” لن تغير شيئاً من مجريات الواقع، بل إنها تكشف زيف الديمقراطية الغربية وسعيه لتقديم مصلحته الشخصية ومصلحة حزبه على المصالح الوطنية العليا للولايات المتحدة الأميركية.
أما الحرب النفسية، فمن المؤكد أن السبق فيها سيكون لحزب الله الذي أتقن تلك الحرب، وأثّر في معنويات المستوطنين وقادة الكيان بشكل كبير.
متى سيدخل حزب الله المعركة؟
تساؤلات كثيرة طرحت حول عدم إعلان حزب الله الانضمام إلى المعركة. جل تلك التساؤلات جاء من منتقدي سياسة حزب الله وتوجهاته السياسية، بمعنى أن الهدف منها هو التهكم، وليس مصلحة الحزب أو نصرة القضية الفلسطينية.
حزب الله هو حزب لبناني، والأمين العام لحزب الله يتصرف وفقاً لمصلحة بلده أولاً، ثم القضية التي نؤمن بها جميعاً، وهي القضية الفلسطينية.
انتقادات كثيرة تعرض لها الحزب، لكن من الواضح أنه يريد تفويت الفرصة على أعدائه ومنتقديه، وخصوصاً الأطراف اللبنانية الأخرى، حتى لا يقال إنه جر لبنان إلى معركة ليست معركته، بل تخدم أجندات دول إقليمية.
هذا التريث قلّل الانتقادات لحزب الله، ووحد الموقف اللبناني حول المقاومة، بمعنى أن جميع الأطراف السياسية باتوا اليوم مؤيدين لحزب الله في دفاعه عن لبنان إذا ما بادرت “إسرائيل” إلى استهدافه.
وبات واضحاً للجميع أن حزب الله يتصرف بحكمة ومسؤولية وتقدير لخطورة المعركة وتداعياتها، لكنه في الوقت نفسه متمسك بحقه في الدفاع عن أرضه بقوة وحزم. أما السؤال الأهم من وجهة نظري فهو: ماذا لو انتصرت “إسرائيل” وهزمت حركة حماس ودمرت غزة، هل يستطيع نتنياهو حينها التوقف عن مهاجمة بيروت وغيرها من العواصم العربية؟
ساعة الصفر
بات واضحاً أن من يحدد ساعة الصفر هو حزب الله، وليس “إسرائيل”، وهو ما يعني انتقال الكيان الصهيوني من القدرة على المبادأة والفعل إلى رد الفعل.
وحدة الساحات رؤية استراتيجية، وليست مجرد شعار تم الاتفاق عليه بين دول محور المقاومة، وما يجري اليوم في غزة هو اختبار حقيقي لتلك الرؤية.
وحدة الساحات لا تعني مطلقاً أن جميع الجبهات سوف تشتعل عند اشتعال إحدى الجبهات، لكنها تعني بكل تأكيد أن من غير المسموح هزيمة أحد أطراف محور المقاومة، بمعنى أن ما يجري اليوم لا يمكن أن يتوج بهزيمة حماس أو اجتثاثها، كما يطرح نتنياهو أو كما تريد الولايات المتحدة الأميركية. لذا، من المؤكد أن ما طرحه نتنياهو من أهداف كبيرة لا يمكنه تحقيقها على أرض الواقع.
رغبة الولايات المتحدة وسعيها إلى عدم توسيع نطاق الحرب لا يمكن أن تتحقق في إطار استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وارتكابها أفظع الجرائم هناك.
الضوء الأخضر الأميركي لـ”إسرائيل” في معركتها في قطاع غزة، لا يعني قدرة الولايات المتحدة على جعل “إسرائيل” تعيد مأساة هيروشيما التي ارتكبتها الولايات المتحدة بحق اليابان، والتي أدت إلى استسلام اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية.
حجم المجازر الإسرائيلية يعكس حالة الحقد والصدمة التي تعرض لها هذا الكيان وسعيه لاستعادة هيبته المفقودة. البوارج الأميركية التي جاءت إلى المنطقة، وهي الأكبر منذ حرب تحرير الكويت عام 1991، هدفها الردع، وليس خوض الحرب بديلاً من “إسرائيل”.
كل المعطيات تشير إلى أن المطارات الإسرائيلية ستكون الهدف الأول لصليات صواريخ المقاومة في حال حدوث المواجهة الكبرى، وبالتالي ستخرج من الخدمة. لذا، إن البوارج الأميركية سيكون دورها أداء دور المهابط للطيران الصهيوني.
مقاومة الاحتلال أقل كلفة من إقامة السلام معه
بعد معركة طوفان الأقصى، بات من الواضح وجود مخطط صهيوني أميركي يستهدف تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء أو ربما الأردن.
مصر والأردن من أولى الدول العربية التي وقعت اتفاقيات “سلام” مع “إسرائيل”، لكن ذلك لم يجعل تلك الدولتين بمنأى عن الاستهداف الإسرائيلي والتوجهات الاستيطانية لحكومة الاحتلال، وهو ما يعني أن الصهاينة لا يؤمنون بالسلام مع الدول العربية، وأن هدفهم الحقيقي يتجسد في إقامة “إسرائيل” من الفرات إلى النيل، بل ربما أكثر من ذلك.
الاتفاقيات الإبراهيمية التي وقعت بين حكومة الاحتلال وبعض الدول العربية ثبت زيفها وعدم جدواها ورفض المواطنين العرب لها، وهو ما تجسد في المقاطعة الشعبية في تلك الدول للشركات والكيانات التي أعلنت تأييدها لـ”إسرائيل”.
بنك الأهداف الإسرائيلية نفد، وهزيمة الكيان باتت حقيقة مؤكدة، وكل التطورات المقبلة لمجريات الحرب لن تستطيع إخفاء تلك الهزيمة.
الانتقادات الموجهة إلى الدعم الإيراني لمحور المقاومة كان الأولى بها أن تتساءل: كيف للدول العربية ألا تدعم الفلسطينيين في كفاحهم لاستعادة حقوقهم وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف!
مضي بعض الأنظمة العربية في التطبيع مع “إسرائيل” لن يكون سوى انتحار سياسي لتلك الأنظمة، ودروس التاريخ تثبت لنا ذلك.
التغيرات في الموقف التركي من القضية الفلسطينية تعكس لنا انتصار محور المقاومة وهزيمة “إسرائيل”، كيف لا وقد أجادت حكومة إردوغان سياسة القفز على الحبال والاصطفاف إلى جانب المنتصر، بعيداً كلياً من الاعتبارات الدينية والمعايير الأخلاقية؟
الحديث عن القانون الدولي ومنظمة الأمم المتحدة نوع من الدجل السياسي تمارسه الحكومات العاجزة عن تلبية تطلعات شعبها في نصرة القضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
كل الأنظار تتجه إلى خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وكل المعطيات تؤكد أنه سيقدم رؤية واضحة لمستقبل الصراع في المنطقة، وأن ما بعد الخطاب لن يكون كما قبله.
المصدر : الميادين