سلالم الصعود ومستنقعات الغرق
زيد الشُريف
رسم الله تعالى صراطاً مستقيماً للإنسان كتب على جانبيه بالخط العريض (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)، وهذا يعني أن هناك صراطاً مستقيماً واحداً نحو الله وهناك طرق أخرى كثيرة جميعها كيفما كان الهدف من سلكها فهي تؤدي إلى جهنم والى سخط الله وعقابه ومسيرة الإنسان في هذه الحياة تشبه السلالم (الدرج) هي نفسها طريق الصعود نحو الأعلى وفي ذات الوقت طريق قابلة للنزول والسقوط والانحدار نحو الأسفل والإنسان هو الذي يحدد اتجاهه ومسيرته أفقياً أو عمودياً أو تصاعدياً أو انحدارا بمواقف وأعمال ومواصفات وممارسات وتصرفات حددها الله في سورة البلد بقوله (وهديناه النجدين إما شاكراً وإما كفورا) ومسيرة الإنسان نحو الله ليست فردية فحسب بل هي جماعية ومتى ما توفرت الوحدة الإيمانية بين أبناء الكيان الواحد والأمة الواحدة وحصل انسجام في الرؤى والمواقف والأعمال تحت قيادة واحدة ومنهجية واحدة ومشروع واحد قائم على الحق والمسؤولية وفق الثقافة القرآنية ويحكم هذا كله الثقة بالله والتوكل عليه والاستعانة به فلا شك أن هذا الكيان سوف يستطيع أن يخلق حالة من التأثير الإيجابي في وسط المجتمع كيفما كانت التحديات ومهما تعددت أنواع الصراع وكيفما كانت المعارك في مختلف جوانب الحياة الثقافية والتربوية والإعلامية والعسكرية والأمنية والاقتصادية وغيرها
عندما يكون هناك توجه قائم على الاعتصام والتوحد والمسؤولية والإخلاص والصدق بروح الفريق الواحد كالبنيان المرصوص فلن يستطيع أحد ان يتغلب عليهم أو ينال منهم ثم يكون هناك تواص بالحق وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وتصحيح للأخطاء ومعالجة السلبيات بطرق حكيمة والحرص على صناعة حالة من الوعي الشامل في نفوس الناس بما تتطلبه الظروف والمرحلة وبما يتوافق مع توجيهات الله فحينها من المؤكد أن هذه الكيان سوف يقهر المستحيلات ويتغلب على الصعاب ولا بد أن يكون هناك حالة تسليم مطلق لـ الله تعالى وطاعة عملية تتجسد في الواقع قولاً وعملاً بأعمال ومواقف تثمر في نفوس الناس وفي واقعهم ثماراً طيبة تلبي رغباتهم وطموحاتهم في التغيير نحو الأفضل
لكن عندما يكون هناك تقصير وتفريط وإهمال وفساد وذنوب ومعاص ومقاصد شخصية ومطامع مادية وأهداف سلطوية وتوجهات قائمة على الشللية والمحسوبية والانانية والنرجسية والغرور والعنجهية والتكبر وجنون العظمة وتشتت وانقسامات وتباينات فلاشك أن النتيجة سوف تكون حالة من الفوضى والفساد والظلم والعبث، وهذه هي الكارثة التي تتسبب في عرقلة مسيرة المؤمنين فيخسرون التأييد والرعاية الربانية ويجنون على أنفسهم وعلى الناس وعندما تكون المجاملة والمداهنة وسياسة الكيل بمكيالين وثقافة المصالح والسكوت والصمت وغيرها من السلوكيات السلبية هي السائدة فإنها تخلق فجوة شاملة في شتى المجالات قابلة للتوسع والتهام الأخضر واليابس والصالح والطالح وتكون نهايتها السقوط المدوي من مكان سحيق.
والمؤسف أن عوامل التوحد والاعتصام متوفرة، القيادة على ارقى مستوى والمنهجية هي هدى الله والمشروع حاضر بقوة والصراع مع الطاغوت والاستكبار قائم وشامل وهناك الكثير من الدروس والعبر في متناول الناس لكن ما أكثر العبر وما أقل المعتبرين، يؤدي التقصير والإهمال والفساد إلى صناعة بوابة واسعة للأعداء والمتربصين والحاقدين لاستغلال ما يحصل ليس من اجل الحق ولكن من اجل مقاصد أخرى يطمعون فيها ويطمحون إلى تحقيقها فيكون التقصير والغطرسة وعدم التسليم لله والتفرق والفساد عوامل مساعدة لتحقيق أهداف المتربصين والأعداء ويسهم الناس في مساعدة عدوهم في إشهار معوله فوق رؤوسهم بدون رحمة، الوحدة الله رسم طريقها باعتبارها مبدأً مهماً من مبادئ دينه, هو الذي حدد كيف تكون, وعلى أي أساس تقوم ولا يمكن أن تحظى أمة متفرقة بنصر الله وتأييده.