عودة أزمة “الديون الأمريكية”
يمانيون – متابعات
يعاني الدولار الأمريكي من أزمات عدة يحاول معالجتها بسياسة “التسيير الكمي” ورفع سعر الفائدة، وهي أزمة عجز الموازنة العامة، وتفاقم الديون، وهناك خشية من تراجع الولايات المتحدة عن تسديد الديون، وأزمة تراجع وضع الدولار كعملة احتياط عالمية حيث بدأت بعض البنوك العالمية باستبدال الدولار بعملات أخرى ، كما أن ظهور التكتلات الاقتصادية الجديدة كـ”البيركس” وقبلها “منطقة اليورو”يؤدي إلى مزيد من التعاملات بالعملات المحلية.
يعاني الاقتصاد الأمريكي من أزمات اقتصادية منذ سبعينيات القرن الماضي، برزتبشكل كبير في أزمة 2008م وتضاعفت الأزمة مع جائحة كورونا 2020م،ولم تكن بعيدة عن تأثيرات الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي عموماً؛ فالاقتصاد الأمريكي في حالة مرض لم يستطع تجاوز علاته، وكلما حاول الخروج من أزمة وقع في أخرى، مع وجود فترات انتعاش دورية لا تتخطى الأزمة.
ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن الأزمة النقدية الأمريكية، ليست قائمة في ذاتها في نمط السياسة المالية فيمكن تجاوزها بتعديل هذه السياسات، فالأزمة المالية إنما هي نتيجة الأزمة الهيكلية في اقتصاد الرأسمالية، حيث بلغ التمركز الاحتكاري أقصى مستوياته، هذا الإفراط في التمركز يدفع هذه الاحتكارات إلى الاندفاع نحو الاستثمار في المجال المالي على حساب النشاط الاقتصادي الانتاجي الحقيقي عبر المضاربات المالية، وهو ما يخلق فقاقيع مالية تتفجر على شكل أزمات مالية، رغم أن الإمبريالية مقارنة بالإمبرياليات الأوربية تمتلك الموارد المطلوبة للصناعة.
بداية من العالم الحالي 2023م انعكست الأزمة الهيكلية للاقتصاد الأمريكي على القطاع المصرفي الذي يتأرجح، مع حالات افلاس ضربت بنك “سيليكون فالي”، و”سيغنتشر”،و”سيلفرجيت كابيتال بنك” وكاد يلحق بهما بنك “فيرست ريبابليك” لولا انعاشه بودائع من قبل بنوك أخرى.
في الأوضاع الراهنة تشتد الأزمة المالية، وتبرز في هذا الصدد أزمة الديون، التي ربما تتحول إلى أزمة دستورية على الصعيد السياسي، إذ اعتبرت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين (7مايو 2023م) أن استخدام الرئيس جو بايدن، للتعديل الـ14 بالدستور الأمريكي لتفادي إعلان الإفلاس دون الرجوع إلى الكونغرس، سيثير أزمة دستورية في البلاد.
عودة أزمة الديون الأمريكية وتداعياتها
ومن أحدث التحذيرات ما جاء على لسان رئيس مجلس النواب الأمريكي “مكارثي”، من أن “ن تقاعس الرئيس الأمريكي جو بايدن قد يؤدي إلى أول تخلف عن السداد في تاريخ البلاد”، مع تآكل الفترة الممنوحة حتى مطلع شهر يونيو القادم لإذن المشرعين بزيادة حدود الاقراض.
تم تحديد سقف الدين العام للولايات المتحدة من الناحية القانونية، ولا يمكن رفعه إلاعبر تمرير تشريع في الكونغرس، يوقعه الرئيس ليصبح قانوناً.
في أواخر أبريل الماضي(2023م)، صوت مجلس النواب، بقيادة الجمهوريين، الذين يستعدون لمواجهة مع الرئيس جو بايدن، لرفع حد الاقتراض، ولكن فقط مع تخفيضات جذرية لكبح ما يراه الحزب إنفاقا مفرطا، ولا تزال والمفاوضات مستمرة بين كل من الرئيس جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفين مكارثي، يبلغ سقف الدين الأمريكي الحالي 31.4 تريليون دولار.
سيكون لتخلف الولايات المتحدة عن السداد ورفض رفع سقف الدين في أي أزمة دورية مستقبلية عواقب خطيرة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، فسيؤدي عدم رفع سقف الدين إلى احتمال عدم دفع رواتب موظفي الحكومة أو المقاولين المتعاقدين معها، وكذلك قد تتوقف عن منح القروض الممنوحة للشركات الصغيرة أو طلاب الجامعات، والتوقف عن دفع الفواتير الحكومية.
كما يتوقع أن يتسبب التخلف عن السداد في انزلاق الولايات المتحدة إلى ركوداقتصادي، وسيؤدي ذلك أيضاً إلى فقدان ملايين الوظائف والإلقاء بهم إلى رصيف البطالة كما حدث في السبعينيات.
أما على الساحة الدولية فسيكون للتخلف عن السداد تداعيات اقتصادية خطيرة، إذ سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة الدولار مقابل العملات العالمية وزعزعة الاستقرار الاقتصادي العالمي الذي قد يذهب إلى الركود.
سيدفع الركود إلى تخفيض التبادلات التجارية الخارجية، مما يعني خسارة البلدان الناشئة التي تعتمد اقتصادياً على التصدير للولايات المتحدة، كما أن التضخم سيزيد من كلفة استيراد الولايات المتحدة من الخارج، وهوما يعني ركود في التبادلات التجارية العالمية.
أما المخاوف الداهمة للولايات المتحدة الأمريكية، فهي المتعلقة بصراعها التجاري مع الصين الشعبية ودول مجموعة بريكس التي باتت أكثر قدرة على التأثير في الاقتصاد الأمريكي وصراعها العسكري الغير مباشر مع روسيا، ففي حالة تخلفها
عن تسديد الديون سيضعف إنفاقها العسكري لتخسر أمام روسيا، وسيضعف إنتاجها المحلي لتخسر أمام الصين، فهي في موقف صعب؛ فعدم رفع سقف الدين وتسديدها مشكلة خطيرة، والاستمرار في رفع سقف الدين مشكلة أخطر على المدى الطويل.
وتتعاظم الأزمة المالية الأمريكية مع السعي الحثيث من دول مجموعة البريكس + فنزويلا وإيران (وفي هذا الطريق زعمت أن تمضي السعودية ومصر ولم تبدأ بعد) نحو اعتماد العملات المحلية في التبادلات التجارية وبيع النفط على الصعيد العالمي، وسواءً ظهرت عملة موحدة لبريكس أو تم اعتماد “الين الصيني” أو اعتماد العملات المحلية؛ ففي كل الأحوال هناك تهديد جدي على مستقبل سيادة الدولار كوسيط عالمي في التبادل التجاري والقروض، إذ بات مسدود الآفاق.
طبيعة أزمة الديون
تواجه الرأسمالية العالمية -وفي الأولى الولايات المتحدة قطب الرأسمالية العالمية- مشكلة ديون خطيرة تُعد من أبرز أزماتها، وهي لصيقة بأزمة التضخم حيث تشترك أزمة الديون بكثير من الخصائص مع أزمة التضخم، والأزمتان معاً هما من الأزمات النقدية التي تعاني منها الرأسمالية العالمية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مرتبطة بالأزمة الهيكلية للرأسمالية.
أزمة الديون أحد إفرازات النظام الرأسمالي فهي ظاهرة قديمة، إلا أنها اليوم ترتبط بعناصر اقتصادية مختلفة، ويمكن تلخيصها بعجز دولة ما عن تسديد ديونها لأن نفقاتها أكبر من مواردها، وهو ما يدفعها إلى الاقتراض مجدداً وتضاف إلى القروض الفوائد، ومع الركود أو انكماش الإنتاج وزيادة الإنفاق يصبح من غير الممكن اللحاق بالديون وتسديدها، وهذا هو حال الولايات المتحدة الأمريكية، التي تزداد ديونها بصورة دورية مع زيادة إنفاقها إثر توسعها الاستعماري في العالم.
الأزمة الخطيرة الراهنة، وصفها البنك الدولي في تقرير العام 2022م بأنها “الأوسع قاعدة” بين أزمات الديون خلال الخمسين عاما الماضية، وكانت آخر أزمة عالمية هي الأزمة المالية وأزمة الرهون العقارية التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية 2008 م ثم عمت العالم، وقبلها كانت أزمة التضخم في العام 1970م قد بدأت من الولايات المتحدة ثم عمت العالم، ولازالت تداعيات أزمة السبعينيات وأزمة العام 2008 م مستمرة حتى اليوم في الاقتصاد العالمي، فيما يدخل العالم اليوم أزمة جديدة، والأزمات في الرأسمالية دورية فهي جزء من آلية عملها.
أزمة ديون الولايات المتحدة الأمريكية
تعمل الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة على تضييق الهوة بين دينها وناتجه الإجمالي، ولهذا تضع حداً اقصا وسقفاً لديونها يمنع تجاوزه، وفي كل مرة يجري
رفع السقف، وصولاً إلى العصر الراهن حيث تفوق دين الولايات المتحدة الأمريكية على ناتجها الإجمالي، وهو ما يُشير إلى أزمة اقتصادية حادة في الولايات المتحدة، ويُدرك ذلك من تتبع محطات رفع الولايات المتحدة لسقف ديونها.
قبل عام 1917م، كان الكونجرس يأذن للحكومة باقتراض مبلغ ثابت من المال لفترة محددة، وعندما يتم سداد القرض لا يمكن للحكومة الاقتراض مرة أخرى ما لم يُسمح لها بذلك، تغير هذا بعد أن تم تشريع قانون جديد في عام 1917م وضع سقفا للديون وسمح بتمديد مستمر لعملية الاقتراض دون موافقة الكونغرس.
سن الكونغرس هذا الإجراء بالسماح للرئيس آنذاك “وودرو ويلسون” بإنفاق الأموال التي اعتبرها ضرورية لخوض الحرب العالمية الأولى، لكنه لم يكن مفتوحاً إذ قيُد الاقتراض بـ 11.5 مليار دولار، واشترط أن يكون هناك تشريع جديد في حال الرغبة بزيادة المبلغ.. ومنذ ذلك الحين، تم رفع سقف الدين عشرات المرات، وتم تعليق العمل به في عدة مناسبات، كان آخرها في أغسطس 2019، عندما علق الكونغرس الحد الاقصى حتى 31 تموز/ يوليو 2021.
تقوم الولايات المتحدة بالاستدانة بتقديم سندات خزينة عبر وزارة الخزانة الأمريكية وينظر إلى سندات الحكومة الأمريكية على أنها من بين أكثر الاستثمارات أماناً وموثوقية في العالم، وتعد الصين الشعبية الدائن الأول للولايات المتحدة بمقدار 3 ترليون دولار تقريباً.
تعيد أزمة المديونية الأمريكية الحالية، الأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008 م، والتي بدأت من الولايات المتحدة واجتاحت العالم وأفلست في طريقها بـ 19 بنكاً أمريكيا وأنقذت غيرها من أموال دافعي الضرائب أي من مدخرات الشعب.
منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي هناك صعود في هرم الدين الأمريكية، والذي وصل عام (2022م) إلى ما يقرب من 30.6 تريليون دولار.
أثيرت مسألة تجاوز السقف القديم للاستدانة المحدد بـ 28.4 تريليون دولار في سبتمبر من العام 2021م حين أوشكت الولايات المتحدة على الاقتراب من خطوة وقف تسديد الديون، ففي سبتمبر من ذلك العام، طالبت وزيرة الخزانة الأمريكية، “جانيت يلين”، الكونغرس برفع سقف الدين، لضرورة تجنب “أزمة مالية تاريخية”. وهذا السقف هو الرسمي للاستدانة فيما واقعياً الديون أكبر من ذلك.
حذرت يلين حينها أن من شأن التخلف عن السداد أن يؤدي -على الأرجح- إلى أزمة مالية تاريخية، كاشفة أنه “بإمكان التخلف عن السداد أن يؤدي إلى رفع معدلات الفائدة وتراجع أسعار الأسهم بشكل حاد، وغير ذلك من الاضطرابات المالية”.
وفي مقالها ذاك بالصحيفة، لفتت “يلين” إلى “قائمة من الكوارث المالية المحتملة التي قد تلحق بالبلاد” في حال لم يرفع سقف الدين ولم تتمكن الولايات المتحدة من سداد ديونها مع حلول المهل المحددة، موضحة أنه “في غضون أيام، سيفتقر ملايين الأمريكيين إلى النقود.. وقد تنقطع شيكات الضمان الاجتماعي عن نحو 50 مليون مسن، وقد تتوقف رواتب الجنود”، مضيفة أن “الولايات المتحدة ستخرج من هذه الأزمة كأمة أضعف مؤقتا”.(١) وهو تقييم موضوعي إن لم تكن قد قللت من التداعيات.
في نهاية المطاف وافق مجلس النواب الأمريكي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون على مشروع قانون أقره مجلس الشيوخ لرفع حد الاقتراض الحكومي مؤقتا إلى 28.9 تريليون دولار، مما يحول دون خطر التخلف عن سداد الديون حتى مطلع كانون الأول/ديسمبر 2022م وأقر بذلك المجلس زيادة 480 مليار دولار في سقف الدين.
عودة الأزمة
عاد الحديث عن أزمة الديون مجدداً هذا العام (7 مايو 2023م)، مع تحذير وزيرة الخزانة الأمريكية -ذاتها- من تحول الأزمة المالية إلى أزمة دستورية، تأتي الأزمة الراهنة فيما يضغط الجمهوريون على الرئيس جو بايدن، لإبرام صفقة لتوفير تخفيضات في الإنفاق، مقابل رفع حد الاقتراض الوطني، لكن “يلين” أصرت على أن العبء لا يزال يقع على المشرعين الأمريكيين.
وقالت في برنامج حواري على شبكة “إيه بي سي”، “ببساطة، من غير المقبول أن يهدّد الكونغرس بكارثة اقتصادية للأُسر الأمريكية والنظام المالي العالمي، كتكلفةلرفع سقف الدين.(٢)
وقد تم تحديد سقف الدين العام للولايات المتحدة من الناحية القانونية، ولا يمكن رفعه إلا عبر تمرير تشريع في الكونغرس، يوقعه الرئيس ليصبح قانونا.
وفي أواخر أبريل الماضي، صوت مجلس النواب، بقيادة الجمهوريين، الذين يستعدون لمواجهة مع الرئيس جو بايدن، لرفع حد الاقتراض، ولكن فقط مع تخفيضات جذرية لكبح ما يراه الحزب إنفاقا مفرطا.
يطالب الجمهوريون بخفض في الميزانية يزيد على 4 تريليونات دولار، الأمر الذي سيؤدي إلى إلغاء العديد من الأولويات التشريعية لبايدن، ويرفض الديمقراطيون الخطوة، ويعرضون بدلاً من ذلك الاستمرار في الإنفاق دون تغيير.
ويتعرض كل من الرئيس بايدن ومكارثي لضغوط من الجناحين اليساري واليميني على التوالي من حزبيهما، من أجل الصمود وعدم تقديم تنازلات. ومع وجود أغلبية ديمقراطية بفارق مقعد واحد في مجلس الشيوخ، وسيطرة الجمهوريين بفارق ضئيل على مجلس النواب، يبدو حتى الآن أن التوصل إلى اتفاق أمر صعب المنال.(٣)
التداعيات على الاقتصاد الأمريكي والعالمي
سيكون لتخلف الولايات المتحدة عن السداد ورفض رفع سقف الدين في أي أزمة دورية مستقبلية عواقب مدمرة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، فسيؤدي عدم رفع سقف الدين إلى احتمال عدم دفع رواتب موظفي الحكومة أو المقاولين المتعاقدين معها، وكذلك قد تتوقف عن منح القروض الممنوحة للشركات الصغيرة أو طلاب الجامعات، والتوقف عن دفع الفواتير الحكومية.
كما يتوقع أن يتسبب التخلف عن السداد في انزلاق الولايات المتحدة إلى ركود اقتصادي، وسيؤدي ذلك أيضاً إلى فقدان ملايين الوظائف والإلقاء بهم إلى رصيف البطالة كما حدث في السبعينيات.
أما على الساحة الدولية فسيكون للتخلف عن السداد تداعيات اقتصادية خطيرة، إذ سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة الدولار وسيعزز ذلك توجه المستثمرين في الديون الأمريكية إلى بيعها، وزعزعة الاستقرار الاقتصادي العالمي الذي قد يذهب إلى الركود، فدول العالم تعرف بالتجربة أن الأزمة التي تتفجر في الولايات المتحدة تأخذ معها بقية دول العالم الرأسمالي، بداية منذ أزمة الكساد العظيم في الثلاثينيات وصولاً إلى أزمة الرهن العقاري والفقاعة المالية في العام 2008م.
سيدفع الركود إلى تخفيض التبادلات التجارية الخارجية، مما يعني خسارة البلدان الناشئة التي تعتمد اقتصادياً على التصدير للولايات المتحدة، كما أن التضخم سيزيد من كلفة استيراد الولايات المتحدة من الخارج، وهو ما يعني ركود في التبادلات التجارية العالمية، من جهة أخرى سيؤدي خسارة الدولار لقيمته إلى ضرب احتياطات النقد للبلدان الأخرى، وضعف قدرتها الشرائية.
الأزمة الأمريكية في ظل صراع الأقطاب العالمية واقعياً هناك انخفاض في التصنيف الائتماني الأمريكي وإن لم يكن ذلك معلناً رسمياً
كما كان عليه الحال في العام 2011م.
وبالإضافة إلى النفط فإن سر هيمنة الاقتصاد الأمريكي القوة العسكرية العدوانية في المقام الأول، حيث يستمد الدولار قدراً كبيراً من قوته من قوة الولايات المتحدة كدولة إمبراطورية عالمية.
ظلت دول العالم مستعدة لقبول المزيد من الدولارات استناداً إلى الاعتقاد بأن هذه الدولارات شكل من أشكال سندات الخزانة الأميركية الأكثر آمانا، إلا أن هذه الثقة تنهار.
بصورة عامة لا تريد دول العالم وقف التعامل بالدولار، لأن ذلك سيعني خسارتها لمخزونها من الدولارات في بنوكها كعملة احتياط والتي تعاملها الدول كما تعامل الذهب، أي أنها تستخدمها لدعم عملاتها وكوسيط لتسوية الحسابات الدولية، ومع نمو الاقتصاديات القومية وتوسع التجارة العالمية تزداد الحاجة إلى النقد الاحتياطي.
ثمة سبب آخر في تواطؤ الدول على قبول الدولار وهو أن التضخم في الاقتصاد الأميركي يخدم إلى حد بعيد صادرات الدول الغربية إلى السوق الأمريكية الحليفة للولايات المتحدة وغير الحليفة كالصين، وثمة سبب ثالث أيضا وهو أن رأسماليي الدول الغربية والخليجية والصهاينة لا يعارضون النفقات والنشاطات العسكرية الأميركية (التي تساهم في التضخم والعجز في ميزان المدفوعات)؛ فطالما أن هدف آلة الحرب الأميركية هو الحفاظ على نظام الهيمنة والأحادية الغربية وسحق حركة التحرر، فلا عجب إذن من تسامح الدول الرأسمالية الأخرى مع الدولار الأميركي، لكن المؤكد أن مراكمة الدولارات لا يمكن أن يستمر إلى الأبد خصوصاً مع معدلات التضخم الراهنة في الولايات المتحدة.
أظهرت بيانات وزارة الخزانة الأمريكية أن اليابان والصين خفضتا استثماراتهما في سندات الخزانة الأمريكية على مدار الأشهر الـ12 الماضية، كذلك قلصت هذه الاستثمارات السعودية والإمارات.
منذ سنوات بدأت بوادر تهديد عرش الدولار، وإمكانات تحقق ذلك اليوم أكبر مما كانت عليه في الأمس، فالأصوات المنادية باعتماد العملات التجارية بدلاً من الدولار، الأصوات التي صدرت من وإيران وروسيا والصين وفنزويلاً وتركيا والبرازيل والسعودية، سيكون لها حال تطبيقها تأثيرات على هيمنة العملة الأمريكية على التجارة الدولية، وخاصة إذا ما انضمت مزيد من الدول إلى هذا التوجه الجديد في الاقتصاد العالمي الذي يتسم بالتعددية القطبية.
ـــــــــــــــــــ
1 فرانس برس “أزمة مالية تاريخية مرتقبة في الولايات المتحدة ووزارة الخزانة تناشد الكونغرس”،(20 –أغسطس – 2021م)
2 روسيا اليوم، “وزيرة الخزانة الأمريكية تحذر من كارثة اقتصادية ومالية”،( 8 مايو 2023م)
3 براندون درينون، بي بي سي عربي، “سقف الدين الأمريكي: محادثات “بناءة” بين بايدن ومكارثي ولكنها لم تصل إلى اتفاق”،(23 مايو 2023).
السياسية / أنس القاضي