“مناورة صنعاء” الأخيرة .. هل هي الرسالة التحذيرية الأخيرة للسعودية ؟
يمانيون – متابعات
يبذل النظام السعودي جهوداً كبيرة لإقناع العالم بأنه واحداً من صُنّاع السلام على المستوى الإقليمي والدولي، وأحد رعاة الأعمال الإنسانية الذين ينتشلون مجتمعات ودولاً من البؤس والتعاسة ويضعونها على عتبات الأمل والسعادة والرخاء، وتشتغل على هذه العناوين شبكات كبيرة من وسائل الإعلام بأنواعها، والتي تمتلك قدرات عجيبة في تشكيل الوعي الجمعي وتوجيهه حسب ما تستدعيه الحاجة، وبإمكانها أنسنة الشياطين وشيطنة الملائكة إذا ما خطر ذلك ببال مموليها وموجهيها، وكل ذلك من أجل تحسين الصورة المشوهة وتخفيف حدة نتانة الجرائم البشعة التي انتشرت في كل فضاء.
وليس مستغرباً أن يخلق النظام السعودي أو الإماراتي صراعاً دموياً في مجتمعٍ ما ويغذي جميع أطرافه، وما إن يصبح الدم أنهاراً وتتكدس الجثث وتنهار الأوضاع المعيشية حتى تتوالى التصريحات والمبادرات الإنسانية والدعوات إلى التحاور والسلام، وتملأ صورهم الشاشات والمواقع الإخبارية وتنشط مراكزهم الإغاثية ومؤسساتهم الإنسانية التي هي في الأساس أجهزة استخباراتية، وبالتوازي مع كل ذلك الضجيج ينجزون مؤامراتهم وخططهم، ومن ثم يصعب على البسطاء من الناس معرفة أن أولئك هم سبب مآلات التعاسة التي صاروا إليها، تلك هي سياسات السعودية والإمارات في اليمن، وهي الممارسات نفسها التي يستنسخها النظامان الخليجيان في العراق وسوريا ولبنان والصومال والآن في السودان.
وبشأن التفاوض بين صنعاء والرياض من أجل تجديد الهدنة وتمديدها، لم تقدم السعودية على أرض الواقع ما يثبت حُسن نواياها تجاه السلام، أو يترجم ما تروج له شبكاتها الإعلامية عن مساعيها لحل سياسي شامل في اليمن، ولا شيء يحدث سوى أن تلك الشبكات تلوك ليل نهار عناوينها التجميلية التضليلية، وتظل تكيل المديح والتسبيح بحمد ملوك وأمراء الحرب، حتى يظن المتلقي أنهم بأجنحة ملائكية، لكن الواقع هو أن الرياض لا تزال تتذاكى وتماطل وفقاً لحركة بوصلة مصالح من يقفون خلفها، لكن ما تعتبره السعودية تذاكياً يكسبها المزيد من الوقت ويمكنها من إرضاء حلفائها الاستراتيجيين المحركين الأساسيين للحرب في اليمن، ربما يكون السبب في تضييق المسافة القصيرة التي تفصلها عن تلقي جواب حاسم ستكون فاتورته باهظة عليها- سياسياً واقتصادياً وعسكرياً- فصنعاء ليست بغافلة عن بواطن السياسة السعودية، ولا تبهر عيونها الصورة الظاهرية للنظام السعودي، بل ترصد كل تفاصيل المشهد وأدق جزئياته.
الباحث العسكري العميد عبدالله بن عامر، نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي ، كشف تطورات جديدة بشأن مواجهات حدودية بين قبائل يمنية والقوات السعودية، على خلفية توسع الأخيرة في الحدود المشتركة واستحداث ثكنات عسكرية وبناء حواجز، مؤكداً في تدوينة على تويتر أن السعودية لن تحقق أمنها المطلوب بتلك التصرفات، بل ستسبب تضاعف التوتر، ناصحاً المملكة بأن تتخذ خطوات فعلية باتجاه السلام، وإثبات صدق النوايا، كونه الخيار الوحيد الذي سيحقق الأمن للجميع.
استحداثات وحواجز وتوسع في الحدود المُرسمّة بين البلدين، واستهداف للمدنيين في مناطق وقرى محافظة صعدة الحدودية، بحيث لا يكاد يمر يوم إلا ويسقط مدنيون بين قتيل وجريح بغارات المدفعية السعودية، كل ذلك يثبت أن المملكة غير جادة في ما تدعيه من مساعي إحلال السلام وإنهاء الحرب التي تقودها على رأس تحالف إقليمي ودولي منذ ثمانية أعوام، وبما أن صنعاء تدرك ذلك جيداً وتحذر باستمرار من عواقبه وما يمكن أن تجلبه تداعياته على الرياض، فهل تعتبر المناورة التي نفذتها المنطقة العسكرية الرابعة، الرسالة التحذيرية الأخيرة للسعودية قبل تنفيذ ما وعدت به من الضربات الموجعة والحاسمة؟ تبعاً لمبدأ صنعاء الرافض مطلقاً لبقاء الوضع متأرجحاً بين حالة اللا سلم واللا حرب التي تتعمد السعودية إبقاء اليمن تحت طائلتها، وهو ما يرجحه كثير من المراقبين إذا ما أصرت الرياض على المماطلة وعرقلة إنجاز ما تم الاتفاق عليه في تفاوضها مع صنعاء خلال شهر رمضان الفائت.
إبراهيم القانص