المراكزُ الصيفية بين الماضي والحاضر
عبد القوي السباعي
لا تستطيع وأنت تبحث عن البدايات الأولى لإنشاء المراكز الصيفية في بلادنا أن تحدّد تاريخ معين لها, غير ما تم توثيقه صحفياً عن زياراتٍ قام بها الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي لهذه المراكز في سبعينيات القرن الماضي, وبالتالي كانت موجودة ومعتمدة من كُـلّ الأنظمة السابقة, وكان لها حضور واسع في كُـلّ مناطق الجمهورية وكانت تحظى باهتمام رسمي وشعبي كبير, وظلت ترصد لها الميزانيات الهائلة والجهود الجبارة والتحَرّكات الواسعة لإنجاحها واقتطاف ثمارها.
وذلك إدراكاً من المسؤولين في كُـلّ الأنظمة المتعاقبة أن الإجازة الصيفية مرحلة فراغ خطيرة يعيشها الجيل الناشئ، وبالتالي تشكل أرضية خصبة قد تقوده إلى طريق الانحراف الأخلاقي والوطني والديني, غير أنها ومع بداية الألفية الجديدة وكغيرها من البرامج الدينية والوطنية التعبوية الثقافية والفكرية, واجهت الكثير من الإهمال المتعمد والاستهداف المدروس, عملت على حرف مسار الأجيال وأبعدتهم عن الاهتمام بالقضايا الأَسَاسية التي تهم الأُمَّــة وعملت على صرفهم للانشغال بأشياء هامشية بعيدة كُـلّ البعد عن النهوض بالوطن والشعب وتقدمه ورقيه.
وكان لأعداء اليمن التاريخيين دوراً محوريًّا في زرع بذور الضلال والمفاهيم الظلامية والأفكار الهدامة في إطار معركة الوعي التي عاشتها معظم شعوبنا العربية ومنها اليمن, حتى وصلت إلى إبعاد الأجيال المتعاقبة عن القرآن الكريم؛ لما فيه من وعي وبصيرة وعلوم ومعارف وهداية والتي يحتاجها الإنسان في مسيرة حياته، فعملوا على تقليص حصص القرآن الكريم في المناهج الدراسية, وُصُـولاً إلى تغيير المناهج بانتزاع أهم ما تحتويه من علوم ومعارف وقضايا تهم الأُمَّــة، واستبدالها بدروس ومواضيع يتوه فيها الطالب ولا يستطيع الخروج منها إلا بما يجعله يتحصل على شهادة النجاح آخر كُـلّ عامٍ دراسي، ناهيك عن الثقافات المغلوطة التي دست في ثنايا السطور, زيفت الحقائق وحورت الوقائع وميعت التاريخ.
وليس من قبيل المبالغة أن أقول جازماً إن ما حصل خلال سنوات العدوان الثماني الماضية من صمتٍ وتخاذلٍ وخيانةٍ وعمالةٍ وارتزاق؛ للبعض من بني جلدتنا للأسف الشديد؛ كان انعكاساً طبيعياً لذلك الاستهداف والتدجين والتمييع, حتى وصل بالبعض للتنصل عن هُــوِيَّته الوطنية والدينية, وفيما لا تزال معركة الوعي مُستمرّة حتى اليوم بل أشد ضراوةً, لم يقتصر الاستهداف الممنهج للأجيال عبر المناهج فقط, بل امتد إلى أن وصل إلى كُـلّ بيت, بل وحتى إلى مضاجع أطفالنا وشبابنا عبر القنوات الفضائية والشبكات العنكبوتية التي نسجت خيوطها حول أدمغة أبناءنا وبناتنا بمواقع منحطة وتطبيقات خبيثة هدفها الأول تدمير المبادئ والقيم والأخلاق وطمس الدين والهُــوِيَّة الإيمانية والوطنية في داخلهم.
ولمواجهة خطط الأعداء ومكرهم الذي لم ولن يتوقف أبداً, كان لا بد من تحصين الجيل وتسليحه بالوعي والإدراك والمعرفة واستغلال أوقات فراغهم بالالتحاق بالمراكز الصيفية التي تهتم بالدرجة الأولى بغرس المبادئ والمفاهيم الدينية والوطنية, والقيم والأخلاق القرآنية، وتعليم العلوم القرآنية المفيدة والهامة التي يحتاجها الجيل والتي تمنحه المنعة الثقافية والحرية الفكرية التي يستطيع من خلالها أن يتصدى للمفاهيم الخاطئة والأفكار الظلامية والثقافات المغلوطة والملغومة، فيستشعر مسؤوليته بوعيٍ وبصيرةٍ, ويعي الواقع من حوله, ويكشف بسهولة خطط الأعداء ومكرهم ويرى وجهوهم الزائفة, من خلال الثقافة القرآنية التي تكشف حقائق هؤلاء الأعداء وأساليبهم وخططهم ونقاط ضعفهم.
وبما أن المراكز الصيفية ليست بدعةً كما يحب المنافقون تسميتها, وما كانت ولن تكون مساراً حزبياً لحكومة صنعاء, والمؤلفة أصلاً من كافة الأحزاب والمكونات السياسية والحزبية الفاعلة على الساحة, والتي حرصت على أن تكون هذه المراكز بوصلة ترسم الخطوط العريضة فيما يجب أن يكون عليه النشء الصالح من اهتمام بالقرآن الكريم كمصدرٍ للعلوم، وتثمين قيمة الوقت والارتقاء بالفكر والوعي لديهم, واكتشاف إبداعهم وتنمية قدراتهم وصقل مهاراتهم، لذا حريٌ بي وبك وبكل يمني حر أن نعمل جميعاً على الدفع بفلذات أكبادنا إلى هذه المراكز وإنجاحها, كُلٌّ من موقعه وحسب إمْكَاناته وجهده, وأن أي تخاذل أَو تهاون تجاه ذلك, يعد خيانة لتربة هذا الوطن وللأمانة التاريخية التي حملناها تجاه أبناءنا, والله من وراء القصد.